صالح المسعودى يكتب.. عبودية السلوك

السبت 03 ابريل 2021 | 09:24 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

كتب: صالح المسعودى

في اعتقادي أنه توهم البعض أن ( الرق أو العبودية ) قد انتهت بقرار من الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالأشخاص المؤرخ في ( الثاني من ديسمبر عام 1949 ) ، أو ( عام 1962 وهو عام إلغاء الرق رسميا في ( المملكة العربية السعودية ) ، لكن الحقيقة أن الرق والعبودية ربما تكونان ضمن الجين الوراثي لبعض الأشخاص ، وهذا كلام ليس بغريب أو ادعاء في غير محله أو تجني من شخصي البسيط على أحد ، ومن أراد أن يستوعب وجهة نظري فليبحر معي في أشكال العبودية التي لم تنته حتى الآن والتي يتقبلها البعض عن طيب خاطر

وفي البداية لابد أن نوضح أن العبودية لا ترتبط بلون البشرة أو بصك عبودية تلزم ذاك العبد بأن يكون ملك يمين لسيده بل أحياناً كثيرة نرى مَن ( يستمرئ العبودية ) بل ويبحث عنها بكل وسيلة ، فلو أخذنا أول مثال على ( العبودية المقنعة ) لوجدنا أن ( الوظيفة الميري ) كما يصفها البعض هي أولى حالات الرق ولكن بشكل متخفي ، وأعلم كم الاعتراضات الذي سيقابلني بها مَن يقرأ هذه الكلمات، ولكن على رسلك يا أخي وأصدقني القول ( ماذا صنعت حتى تحصل على الوظيفة ؟ وأرجوك لا تقل لي أنك خبير في مجالك من أجل ذلك تهافتت عليك الحكومات المتعاقبة لتنال رضاك السامي ، بل الحقيقة أنك وكباقي هذا الشعب ورثت مفهوماً خاطئاً للحياة يقول ( إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه )

لا أدري لماذا توقفت حياتك وأحلامك على ( الوظيفة الميري ) هل لأنك ( جهبذ وعلامة ) ؟ لا أعتقد ، أم كل همك أن تحصل على راتب ثابت عملت به أم لم تعمل ، وأصدقني القول لماذا لا تحبذ القطاع الخاص ؟ هل لوجود الثواب والعقاب الفوري ؟ ، لكن لنعود لأصل موضوعنا وتذكر معي مشاهد عمل ( هل بمقدورك ترك عملك حيثما شئت ؟ أم أنك مرتبط برئيس العمل وأوقات محددة ) ، هل بمقدورك الغياب عن تأدية مهامك إلا بالشروط والأحكام الملزمة لك ، فلنعترف يا صديقي أنك في هذه الوظيفة أو تلك لا تملك قرارك وبالتالي لا تملك نفسك ، ومعنى كلامي ليس تقليلاً من أصحاب الوظائف الذين يعملون على تسهيل مجريات الحياة للناس ولكن قصدت من قولي أن سبل الحياة كثيرة وأهمها على سبيل المثال التجارة والصناعة والحرف اليدوية وجميعها تملك فيها حريتك وقرارك دون الرضوخ واختيار الرق الخفي

أما في المثال الثاني فلابد أن نعرج على من يبحثون عن العبودية بشكل فج وهم للأسف ينطبق عليهم قول أحدهم ( لو أن السماء أمطرت حرية لوجدت من يستهوي العبودية يتقيها ما استطاع ) وهذا معناه أن هناك أناس لا يستطيعون أن يعيشوا أحراراً فهذه فطرتهم التي جُبِلوا عليها ومن نوعياتهم ( الطبالين والزمارين ) وأصحاب الموائد في كل العصور وأمثالهم كثر فهم في جميع العصور يزينون للحاكم أعماله حتى لو كانت مشينة ، أما عندما تبدأ سفينة الوطن بالغرق فتراهم كالجرذان يقفزون منها ، ولقد قرأت مؤخرا على صفحة أحد أصدقائي على الفيس بيتين من الشعر للشاعر ( ابن هانئ الأندلسي) يمتدح فيها المعز لدين الله ) فيقول

ما شئت . لا ما شاءت الأقدرُ

فأمر فأنت الواحدُ القهارُ

وكأنما أنت النبي محمدا

وكأنما أنصارك الأنصارُ

ولن أخوض هنا في أدبيات هذا الشاعر أو كلماته سوى أنني أردت أن أدلل على ما يقوم به المرجفون من تلبيس الكلام على الحاكم حتى يتنامى لديه أنه لا يخطئ أبدأ فقد ( أستمرأ ) معظمهم العبودية ووجدوا مبتغاهم أن يظلوا في كنفها لأنهم لو خرجوا للنور لتلاشت قيمتهم وأصبحوا كالذر فيطأهم الناس من شدة صغرهم

وهناك أيضاً النوع الثالث وهو الذي أصبح عبداً لشهواته ، فمن المعروف أن الانسان كلما قاوم شهواته أرتقى ، وكلما خضع لنزواته وشهواته كان عبداً لها وبالتبعية عبداً للشيطان الذي يوجهه ويغويه ويحلل له الحرام ويزين له القبيح فيستحوذ عليه بشكل كامل حتى تراه خاضعاً لشيطانه يأمره ويغويه حتى إذا جعله من أهل النار وقف ذلك الشيطان على منبر من نار في جهنم ليتخلى عن كل من أغواهم كما قال رب العزة ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) صدق الله العظيم

عزيزي القارئ المحترم أشكال العبودية كثيرة لا تقتصر على مثال أو أكثر ، بل أن كل شخص لم يسلم لله بالعبودية الخالصة سيجد في نفسه عبودية خفية لغيره سبحانه ، وما قلته لا أقصد به أحد بعينه بل قصدت أن العبودية لم تقتصر على ( الرق ) الذي تم إلغائه بل هناك عبودية السلوك تلك العبودية التي تظهر في تصرفات البعض بشكل لا شعوري منهم إما لفطرة فيهم أو لضعف نفس فيستحوذ عليه الشيطان بشكل أو بآخر دمتم بخير وعافية.

اقرأ أيضا