قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إن الشرع الحنيف جاء لحفظ الفرد والمجتمع على السواء، فأمرنا بما فيه صلاحُنا، ونهانا عما فيه شرٌّ لنا أو ضرر ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. [النحل: 90] ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ، وَلِشَرٍّ يُجْتَنَبُ. [تفسير القرطبي (10/ 165)] ، فنواهي الشرع الحنيف ليست تضييقًا على الناس ومعايشهم؛ بل جاءت لحفظهم وحفظ أعراضهم ومصالحهم.
وأضاف الازهر للفتوى عبر صفحته الرسمية بفيسبوك ، لم يكتفِ الشرع الشريف بالنَّهي عن الفواحش والمنكرات وحسب؛ بل جفَّف منابعها، وقطع وسائل انتشارها؛ فحرَّم كل ما يؤدي إلى تهوينها في عيون الناس، وذيوعها وإشاعتها في المجتمعات؛ صيانة لهذه المجتمعات، وحفاظًا على أمنها وسلامها الأخلاقي والقِيَمي.
وأوضح أن من صور إشاعة الفاحشة: تداول أخبارها، وتتبعها، وكثرة الخوض فيها، والمبالغة في عرضها وحكايتها؛ واقعيًّا وإلكترونيًّا.
وقد قال الحق سبحانه في هذا الشأن: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. [النور: 19]
وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ». [أخرجه أحمد]
قال الإمام الطاهر ابن عاشور: (فَإِذَا انْتَشَرَ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْحَدِيثُ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاحِشِ تَذَكَّرَتْهَا الْخَوَاطِرُ وَخَفَّ وَقْعُ خَبَرِهَا عَلَى الْأَسْمَاعِ فَدَبَّ بِذَلِكَ إِلَى النُّفُوسِ التَّهَاوُنُ بِوُقُوعِهَا وَخِفَّةُ وَقْعِهَا عَلَى الْأَسْمَاعِ فَلَا تَلْبَثُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ أَنْ تُقْدِمَ عَلَى اقْتِرَافِهَا وَبِمِقْدَارِ تَكَرُّرِ وُقُوعِهَا وَتَكَرُّرِ الْحَدِيثِ عَنْهَا تَصِيرُ مُتَدَاوَلَةً). [التحرير والتنوير (18/ 185)]
ونصح الازهر للفتوى جميع أفراد المجتمع بأن يكفُّوا عن الخوض في أعراض النّاس؛ فإن ترديد كل ما يتحدث الناس فيه ليس من آداب المؤمن ولا من أخلاقه؛ بل الواجب عليه أن يُمِيت الفاحشة بالسكوت عنها، قال تعالى: {وَلَوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَٰنَكَ هَٰذَا بُهْتَٰنٌ عَظِيمٌ}. [النور: 16] ، كما يجب على كلّ واحد من النّاس إذا سمع بوقوع منكر من منكرات الأقوال أو الأفعال أن يحمد الله على السَّلامة، وأن يسأله العافية، وأن يتعظ ويعتبر.
وتابع مركز الازهر للفتوى أنه في إطار حفظ الأعراض شدَّدت الشريعة في إثبات جرائم الشَّرف والعِرض أيّما تشديد؛ فقررت أن هذه الجرائم لا يكفي في إثباتها مجرد الشك أو الظَّن، بل لا بد من القطع واليقين؛ قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. [النور: 13] ، إضافةً إلى أن الشهادة فيها لا تقبل إلا من أربعة من الرجال؛ زيادةً في السّتر، وحفظًا للعرض؛ قال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. [النور: 15] ، وفوق ذلك كلِّه حثَّ الإسلام على سِتر النَّاس والمروءة في التَّعامل معهم؛ سيّما في مواطن عثراتهم وضعفهم؛ فقال سيدنا رسول الله ﷺ: «وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». [متفق عليه].
كل ذلك للمحافظة على أمن واستقرار المجتمع، وسُمعة الأفراد والأُسر، ولما فيه من قضاءٍ على الفواحش والمنكرات، وتهيئةِ بيئةٍ خُلقيّةٍ فاضلة يحيا فيها النَّاس حياةً كريمة.