جاء في حديث أَبِي الدرداء - رضى الله عنه- أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم- قال : « ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل ، فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله ، ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسنة ، وفراش لين حسن فيقوم من الليل، فيقول : يذر شهوته فيذكرني ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا ، فقام من السحر في سراء وضراء»، رواه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير بإسناد حسن.
شرح حديث ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهم:
ذكر علماء الحديث فى شرح مستدرك الحاكم، أن المراد بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- « ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَضْحَكُ إِلَيْهِمْ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِمْ» هو إخبار المسلمين بأن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم - تعالى- وأولهم: رجل قاتل في سبيل الله، فإذا انهزمت فئة من أصحابه ثبت هو وقاتل من ورائها صابرا محتسبا يحمي الباقين، ولم يفر أو يجبن أو يضعف؛ لأنه موقن بنصر الله أو الموت في سبيله، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث:«وَإِمَّا أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكْفِيهِ»، أى يكفيه عدوه ويحفظه ويكلؤه، فيقول الله عز وجل : « انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي كَيْفَ صَبَّرَ لِي نَفْسَهُ» أي كيف حبسها لله وهيأها للقتل في سبيله .
وأضاف العلماء أن ثانيهم: يظهر في قوله –صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي لَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ وَفِرَاشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ»أى: رجل له زوجة حسنة وفراش ناعم مريح فترك ذلك لله وقام للتهجد بالليل، فيقول الله -تعالى-: « فَيَذَرُ شَهْوَتَهُ، فَيَذْكُرُنِي وَيُنَاجِينِي وَلَوْ شَاءَ لَرَقَدَ»أى: يدع شهوته وحاجة نفسه إلى النوم أو إلى امرأته من أجل مناجاتي وذكري ولو شاء نام ولم يقم.
أما ثالثهم: رجل سافر مع رفقة، فسهروا بالليل حتى تعبوا ثم هجعوا أي ناموا ولا شيء هو أحب وأشهى للمسافر من النوم بعد التعب والسهر، ويظهر في قوله - صلى الله عليها وسلم-: « وَالَّذِي يَكُونُ فِي سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ رَكْبٌ، فَسَهَرُوا وَنَصَبُوا ثُمَّ هَجَعُوا»، وقوله - عليه الصلاة والسلام: « فَقَامَ فِي السَّحَرِ فِي سَرَّاءٍ أَوْ ضَرَّاءٍ »، أى: فقام هو من دونهم يصلي بالسحر وهو جوف الليل الآخر وترك النوم لله -تعالى- وقام يناجيه بالسحر، ويدعوه فى السراء والضراء؛ وهذا القول يدل على أن حاله مع ربه لا يختلف يذكر الله على كل حال سواء كان في مسرة أو في مضرة .
وبين علماء الحديث أن هؤلاء الثلاثة يحبهم الله- تعالى-، لأن كلا منهم آثر أمر الله على شهوته وحظ نفسه، وأعظمهم درجة أولاهم: الذي قاتل بعد انهزام أصحابه؛ لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الحياة، ويليه الثاني: لأنه آثر أمر الله على حظ نفسه من الزوجة ومن النوم، ثم الثالث: الذي آثر أمر الله على حظ واحد من حظوظ نفسه.