أثارت تصريحات الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، جدلًا بعد فتواها بأنه لا يوجد نص قرآني يحرم زواج المرأة المسلمة من رجل كتابي، مشيرة إلى أن غير المسلم هو «المسيحي واليهودي» وهم من أهل الكتاب «القرآن اللي سماهم كدا ومش منكرين لله سبحانه وتعالى».
وأضافت نصير، خلال لقائها ببرنامج «بتوقيت الحدث»، على قناة «الحدث اليوم»، أن غير المسلم إذا طبق مع زوجته المسلمة، ما يطبقه مع زوجته المسيحية أو اليهودية، بأن لا يكرهها على تغيير دينها ولا يمنعها من مسجدها ولا يحرمها من قرآنها ولا يحرمها من أداء صلاتها فلا يوجد مانع والأولاد يتبعون الأب».
ولفتت إلى أن الفقهاء يرون أن زواج المسلمة من غير المسلم مرفوض خشية أن تتسرب الفتيات المسلمات إلى المسيحية أو اليهودية فيتناقص عدد المسلمين.
أكدت دار الإفتاء، أنه لا يجوز زواج المُسلمة من غير المسلم، وورد نص التحريم بذلك في قول الله تعالى: «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ» (المائدة: 5)، وإنما قال: «وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم؛ للتنبيه على أن الحكم في الذبائح مختلف عن المناكحة؛ فإن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد؛ هو حِلُّ زواج المسلم من الكتابية، بخلاف العكس؛ فلا يحل للكتابي أن يتزوج بمسلمة.
وأوضحت الإفتاء، في إجابتها عن سؤال: «هل يوجد دليل في القرآن على تحريم زواج المسلمة من كتابي؟»، أن العلة الأساس في هذه المسألة تعبدية؛ بمعنى عدم معقولية المعنى -وذلك في كافة الشرائع السماوية-، فإن تجلّى بعد ذلك شيءٌ من أسباب هذا التحريم فهي حِكَمٌ لا عِلَل. فالأصل في الزواج أنه أمرٌ لاهوتيٌّ وسرٌّ مقدس، وصفه ربنا تبارك وتعالى بالميثاق الغليظ؛ فقال تعالى: «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» [النساء: 21].
وأضافت: وقد تكلم الفقهاء في الحكمة من هذا التحريم فقالوا: إنه لو جاز ذلك لكان للزوج غير المسلم ولاية شرعية على الزوجة المسلمة، والله تعالى لم يجعل لغير المسلمين على المؤمنين سبيلًا شرعيًّا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورًا، وقالوا: إن المسلم إذا تزوج من مسيحية أو يهودية فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له -من وجهة النظر الإسلامية- أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد، وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفي ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.
وأكملت: أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقودًا؛ فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام ولا يعترف به؛ لأن الإيمان به والاعتراف بصحة ما جاء به يعني ضرورة اتباعه، وحينئذٍ لا مناص له من أن يكون مسلمًا، بل إنه بعدم اتباعه للإسلام يعتبره نبيًّا زائفًا وَيُصَدِّق -في العادة- كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع،مضيفة: وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها، وهذا أمر لا تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة، فالقضية قضية مبدأ.
واستطردت: وقد كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه حين حرّم زواج المسلم من غير المسلمة التي تدين بدين غير المسيحية واليهودية، وذلك لنفس السبب الذى من أجله حرّم زواج المسلمة بغير المسلم، فالمسلم لا يؤمن إلا بالأديان السماوية وما عداها تُعد أديانًا بشرية، فعنصر التوقير والاحترام لعقيدة الزوجة فى هذه الحالة -بعيدًا عن المجاملات- يكون مفقودًا، وهذا يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية، ولا يحقق "المودة والرحمة" المطلوبة فى العلاقة الزوجية.
وشددت على أن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج بغير المسلم مطلقًا؛ لا من اليهود والنصارى، ولا من غيرهما من غير المسلمين؛ لقوله تعالى: «وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» [البقرة: 221].
وذكرت أن الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب، ولكنه لم يجز لغير المسلم أن يتزوج مسلمة؛ حيث إن المسلم مؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين، ودينه يأمره باحترامهم وتقديسهم، فإذا تزوج الكتابية غير المسلمة أحست معه بالاحترام وأدت شعائر دينها في أمان وسلام؛ لأنه يقرّ بدينها ويؤمن بجميع الأنبياء والرسل مع إيمانه وإقراره بأن دين الإسلام هو المهيمن على سائر الأديان ورسالة الله الأخيرة إلى العالمين، وأن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وربما دعاها هذا الخلق الحسن وهذه الأريحية في التعامل إلى حب الإسلام والدخول فيه.
وتابعت: أما غير المسلم فليس مؤمنًا بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًّا ورسولًا، فإذا تزوج من المسلمة فلن تستطيع أداء دينها في أمان وسلام، ولن تشعر بالاحترام الكافي لدينها ونبيها صلى الله عليه وآله وسلم، مما يجعل الحياة الزوجية قلقة ومزعزعة، أما الإسلام فهو نسق مفتوح يؤمن بكل الأنبياء وتتسع صدور أتباعه لكل الخلق.
شيخ الأزهر يوضح حكم زواج المسلمة من غير المسلم
وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، إن الزواج في الإسلام ليس عقدًا مدنيًا كما هو الحال فى الغرب، بل هو رباط ديني يقوم على المودة بين طرفين.
وأضاف شيخ الأزهر، فى رده على حكم زواج المسلمة من غير المسلم، أن المسلم يتزوج من غير المسلمة كالمسيحية مثلا؛ لأنه يؤمن بعيسى عليه السلام، فهو شرط لاكتمال إيمانه، كما أن ديننا يأمر المسلم بتمكين زوجته غير المسلمة من أداء شعائر دينها، وليس له منعها من الذهاب إلى كنيستها للعبادة، ويمنع الزوج من إهانة مقدساتها؛ لأنه يؤمن بها؛ ولذا فإن المودة غير مفقودة في زواج المسلم من غير المسلمة.
وأوضح أن زواج المسلمة من غير المسلم، يختلف عن المثال السابق، فهو لا يؤمن برسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ودينه لا يأمره بتمكين زوجته المسلمة -إن تزوجها- من أداء شعائر الإسلام أو احترام مقدساتها؛ لأن الإسلام لاحق على المسيحية؛ ولذا فهو يؤذيها بعدم احترام دينها والتعرض لرسولها ومقدساتها، ولذا فإن المودة مفقودة في زواج المسلمة من غير المسلم؛ ولذا منعها الإسلام.