تعد احتفالات رأس السنة، من المناسبات الهامه التي يقوم الكثيرون فيها بالاستعداد لقضاء أوقات مبهجه ومختلفة في مثل هذا اليوم، ويفضلون قضاء أوقاتهم خارج المنزل مع محبيهم وأصدقائهم، يستمتعون بالسهرات الدافئة المليئة بالهو والسعادة لوداع عام مضى، بكل مافيه من افراح وأحزان، ويستقبلون عام جديد يتمنون فيه تحقيق الكثير من الأمنيات.
ولكن يوجد آخرين يعد لهم احتفال رأس السنه يوم شاق للعمل، وتحقيق أكبر قدر من الأموال لمساعدتهم في المعيشه وتحقيق رغبات أبنائه وزاويه، ومن تلك المهن التي تنتظر المناسبات للخروج للعمل بالساعات الطويله مستغلا خروج الكثير مهنة "سائق التاكسي.
يوم في حياة سائق تاكسي..
"في ليلة رأس السنة خرجت للتنزه مثل أغلب المواطنين استوقفت تاكسي من ميدان الجيزة ذاهبا لإحدى كافيهات الدقي، يقوده رجل في متوسط العمر يبدو على وجهه ملامح الشحوب والتعب، وفي الكنبة الخلفية سيدة يبدو عليها أنها قادمة من سوق بجانبها عدة أكياس مليئة بالخضروات والفاكهة".
"استقليت الكرسي الأمامي، واستئذن أن يقوم بتوصيل السيدة لمكانها ثم يكمل المشوار الخاص بي، ويبدو أن كان يدور حوار بينه وبين السيدة، واستكمل حديثه قائلا: "ياحاجة دول ناس فاضية نازلين يهيصوا ويزحمولنا الشوارع مفيش وراهم مسئوليات ولا هموم"، لتصدق على حديثه: "مفيش وراهم عيال عاوزه تاكل وتلبس ويتغسل لهم هدوم، بيحتفلوا بإيه سنه راحت من عمرهم معملوش فيها حاجة".
الحديث بينهم جذبني: "هل فعلا اللي خارجين يتفسحوا ويحتفلوا مفيش عندهم مشاكل ومسئولية، ولا هذه قناعة بداخلهم لعدم إستطاعتهم قضاء وقت ممتع ومشاقة الحياة أخذتهم وطفأت نور البهجة بداخلهم".
ووقف التاكسي ونزلت السيدة لتكمل مسيرتها، وتشاء الصدفة بوجود شاب وفتاة يجذب اللون الأحمر في ملابسهم الانتباه، استقلوا السيارة دون سؤال ولاحظ السائق علامات الغضب على وجهي، وسألهم: "رايحين فين"، قالوا: "الدقي"، وتكرر الاستئذان مرة أخرى أن يصطحبهما معانا مرددا: "معلش يا أستاذة رزق وجايلي دا الواد ابني مخرجني من البيت مخنوق عاوز قميص جديد، علشان فرح تختي ومش معايا فلوس يمكن ربنا بيرزقني علشان اجبهوله وأروح أفرحه، رغم تأخيري إلا إن كلامه جعلني أصمت وأحرك رأسي بالموافقة".
وفي حالة من الصمت من الجميع انطلق صوت الضحكات من الفتاة بشكل لافتا للنظر، فنظر السائق في المرآة الأمامية وجدهما في حالة من التقارب الشديد وبينهما همسات أغضبت "سائق التاكسي" جعلته يطلب منهم البعد عن بعض، وواضح من استجابتهم ألا تربطهم علاقة مشروعه، وبعد دقائق رجع الحال كما هو فأشتعل السائق غضبا وقرر أن ينزلهما من التاكسي في منتصف الطريق.
فأصابتني الدهشة: "السواق دا نازل يشتغل علشان يرجع لإبنه بالقميص اللي عاوزه، ورغم كدا متمسك بالأخلاق والمبادئ ورفض التصرفات الخارجة عن الأدب، واستغنى عن أجرته التي يسعى لها في سبيل لا يقبل تصرف مخل بالأداب والطباع الشرقية".
وكأن القدر يريد أن يعوضه لعدم قبوله تلك الأفعال، وبعد دقيقة استوقفه رجل في مقتبل العمر وبصوت حاد: "اطلع ياعم من هنا" والسائق: "مالك بس ياحاج اهدى والأخر برد منفعل انت شايفني بشد في شعري"، وفي حالة من العصبية من الراكب، ورد من السائق وتبادلا الكلمات، وفجأة بفرملة قويه والسائق يقرر عدم الذهاب إلا بشرط نزول الرجل، وهو يرفض ويصمم على الذهاب لقسم الشرطة، ولضيقي بسبب تأخري قررت التدخل بينهما لإنهاء المشاجرة واستطعت إنهاءها ونزل الراكب وترك التاكسي، وشخص آخر ينزل دون دفع الأجرة.
وبصوت يملأه الحزن اعتذر لي السائق، وللمرة الثانية أصمت استسلاما لما يبدو منه من حزن وألم من مساوئ الحياة وقهرها، ويأتي اتصال هاتفي له وفجأه تتساقط الدموع من عيناه وهو يرد: "وإنتي طيبه ياامي هعمل إيه بس ما انتي عارفه طلبات العيال وامهم، هو احنا عندنا اجازات دا احنا موسم شغلنا في احتفالات الناس اهو بننزل وربنا بيرزقنا، معلش متزعليش والله كان نفسي اجيلك اهنيكي واخدك في حضني، بس انتي اكتر حد هيعذرني"، وأنهى مكالمته بقول: "الواحد عايش بالدعوة الحلوة من امه، اكتر حد بيعذره وبيستحمله، وقد ايه الظروف حرماه من انه يكون معاها في المناسبات"، ولا أستطيع فعل شئ أكثر من أتمنى له إطالة الله في عمرها.
وعرفت من أين تأتي لهم قناعة أن المحتفلين ليس عليهم مسئولية، من تلك اللحظات المؤلمة، شعورهم بتجمع بعض الأسر في الاحتفالات وهم لا يستطعون ذلك، إنهم الفئة المحرومة من المتعة والحياة، وكنت أريد أن أوضح له أن الجميع لديه الكثير من المشاكل والضغوط ولكن كل شخص ينغمس فيها بطريقته، ولكن صمت لأنه في ذلك الوقت لا يقبل التوضيح ويعتبره نوع من الدفاع ضد أفكاره في تلك اللحظات التي أفقدته ضغوط الحياة الاحتواء والحنية من الأم، والمسئولية تفقدة التمتع باللحظات الحلوة بسبب ضيق اليد ومتطلبات من هم في رقبته.
وانتهت رحلتي المليئة بالأحداث المختلفه والمشاعر المؤلمة التي انتابتني من ردود فعل "سائق التاكسي" والتي صدمتني أكثر وأنا أقدم له "الأجرة" وسألته ماذا تريد وكان الرد: "اللي تجيبيه يا استاذه"، ثم قررت عليه السؤال وتلقيت منه نفس الإجابة وزاد عليها: "لو مش عاوزه تدفعي خلاص كفايه ان اخرت حضرتك"، عبارة صدمتي رغم احتياجه إلا أن لديه كمية تسامح ورضا داخلية تجعلك تنفر من قسوة الزمن وقلة الحيلة على القلوب الطيبة المليئة برضا الله.