تشهد ساحات المحاكم المصرية، العديد من القضايا، التي تأخذ مسارها الطبيعي حتى يتمّ الفصل فيها قضائيا، لكن ثمة قضايا أخرى تبقى مثيرة ومختلفة لأنها غير اعتيادية أو يحتار القاضي خلال البحث فيها، وبالتالي تصبح محطّ جدل، وفي الآتي نقدّم لكم أغرب القضايا القضائية وغير مألوفة.
ومن أغرب القضايا التي شهدتها المحاكم المصرية، تلك التي كانت في محكمة شبرا بتاريخ 28 يونيو سنة 1954، قضية أغرب من الخيال، بعدما تقدم زوج برفع دعوى طلاق لزوجته، ويطالب فيها بتطليقها وإسقاط النفقة عنها!
وكانت البداية عندما قام الزوج برفع دعوى أمام محكمة شبرا يطلب فيها النفقة وهنا الأمر ليس بغريب وليس فيه ما يلفت الاهتمام، فإن ساحات المحاكم تضيق على سعتها بالمتقاضيات اللاتي يطلبن النفقة من أزواجهن، لكن الغريب في هذة الواقعة ولم يكن عاديا، بل أدهش المحكمة، هو ما رواه الزوج عن قصتهم.
وقف أمام القاضي والجميع، يروي مأساته في المحكمة قائلا: "لقد التقيت بزوجتي وهي تعمل مدرسة بمدارس البنات التي تواجه منزلي فتبتسم لي مما شجعني على الاقتراب منها، وتم التعارف، وكنا نخرج معًا إلى الأماكن العامة والمسارح والسينما".
يتابع: "أنا في ذاك الوقت كنت طالبا وذات يوم قالت لي: إن ألسنة الناس بدأت تتحدث في سيرتنا، وفهمت أنها تشير إلىّ بالزواج من طرف خفي، فقلت لها إنني على استعداد للزواج منك بعد أن أتم دراستي، وكم كانت دهشتي عندما قالت لي بل الآن وما المانع؟ فقلت لها: إن المانع هو حاجتي إلى المال وأنني ما زلت أعيش عالة على أسرتي، فقالت لي: إذا كان هذا وحده هو الذي يحول دون تحقيق رغبتك فإنني مستعدة لتأثيث منزل الزوجية والإنفاق عليه، وتم الزواج على هذا الشرط".
صفعة قلم تنهي حياتهم الزوجية
ويضيف الطالب: "انتقلت معها، رغم معارضة أسرتي التي قاطعتني بعد هذا الزواج ووفت زوجتي بوعدها فكانت تتولى الإنفاق علي حتى مصروفات الكلية وثمن الكتب هي، وبعد شهرين من الزواج لاحظت في سلوك زوجتي تغييرا مفاجئًا كانت تخرج في الصباح ولا تعود إلى المنزل إلا في ساعة متأخرة من الليل فإذا سألتها أين كانت؟ تعللت بأسباب تافهة كأنْ كانت عند صديقة لها مثلا، وتمادت في خروجها وغيابها حتى إنها أمضت ثلاث ليال خارج المنزل وعادت كأنها لم تأت أمرا خارجًا".
لم يتحمل الطالب هذا الحال، وصرخ في وجهها بأنه لا يقبل أن تهدر رجولته على هذه الصورة، وأن من حقه كزوج أن يعلم أين كانت ومع من كانت طوال هذه الليال الثلاث، فكان ردها العجيب وببرود تام، أنها حرة تفعل ما تشاء وأنها لا تقبل أن يوجه إليها أي لوم".
يستكمل الطالب الحكاية "قلت لها: وكيف تفسرين غياب زوجة عن بيت زوجها دون علمه ثلاثة أيام، فأجابت مرددة بأنها لا تقبل توجيه مثل هذه الأسئلة، وأنني يجب ألا أنس أنني أعيش عالة عليها، فهي التي تقوم بالإنفاق عليّ ثم امتدت يدها إلى وجههي في صفعة قوية فلم أتمالك نفسي ورددت لها الصاع صاعين، ثم هجرتها إلى منزل أسرتي أطلب المغفرة على ما بدر مني نحوهم".
سكت الزوج، فسأله القاضي: "ولماذا لم توقع عليها الطلاق بعد أن تركتك دون علمك، وبعد أن صفعتك على وجهك"، فقال الزوج الطالب في صوت خفيض: "لأنني لا أملك مؤخر صداقها إذا طلقتها، ولا أستطيع أن أدفع لها نفقة إذا قاضتني أمام المحكمة، وأنا أطلب من المحكمة أن تفصل بيني وبينها بالطلاق".
ولم تكن الزوجة حاضرة خلال سماع قضيتها، وتقدم وكيلها فقال: "إنه يرجع إلى أبيه بالنفقة ففي ماله ما يكفي"، ورد وكيل الزوج قائلا إن والده ليس كفيلا له فكيف يدفع عنه.
ولم تجد المحكمة بعد التحري عن الزوج الطالب أي مورد، فقضت للزوجة المدرسة بأقصى نفقة للفقراء حينها وهي 2 جنيها في الشهر.
وتتوالى القصص الغريبة التي تشهدها المحاكم المصرية:-
في واحدة من أغرب القضايا بمحاكم الأسرة بمصر، أقامت سيدة خمسينية دعوى إثبات زواجها من ابن صديقتها البالغ من العمر 27 سنة والموظف بإحدى شركات الاتصالات.
وقالت "س.م.خ" في دعواها أمام محكمة الأسرة بمصر الجديدة، أنها عاشت معه قبل الزواج 12 شهرا وتكفلت بمصروفاته واشترت له هدايا تخطى ثمنها 56 ألف جنيه، وبعد زواجهما عرفيا استولى على سيارتها وشقتها.
وأوضحت الزوجة: "تزوجت نجل صديقتي بعد أن جمعتني صداقة معه سنوات تطورت في آخر سنة لعلاقة غرامية وجسدية وعندما صارحته بعدم رغبتي في الاستمرار في المحرمات اقترح زواجنا بشكل سري خوفا من رد فعل والديه.
وأكدت :"بعت من أجله الغالي والرخيص ومنحته كل أموالي وتوسطت له للعمل في إحدى الشركات بعد أن كان يعمل مندوب مبيعات في شركات الأدوية وفي كل مرة تنتهي تجربته بالفشل ويعيش مأساة بسبب الفقر وحالة أهله المادية الصعبة".
وأضافت: "بعد وفاة زوجي ورثت أموال طائلة وبسبب عدم إنجابي ورفضي الزواج مرة أخري وعيشي أكثر من 10 سنوات وحيدة استطاع ابن صديقتي إيقاعي في شباكه ليعرض علي رعايته، حتى أقدمت على مخالفة كل التقاليد والوقوع في الحرام".
وتابعت: "خدعني واستولى على الكثير من الأموال مني بالغش والتدليس بعد زواجي منه ومعاملتي بشكل سيئ ومعايرتي أحيانا إذا قصرت في حقه بحرماني من الخروج من المنزل".
واستطردت: "صارحته بضرورة إعلان الزواج فطلقني ورفض الاعتراف بعلاقتنا وتركني لعنف أهله وصديقتي التي لم أقصر يوما في رعايتها ماديا لسنوات واستولى على شقتي وسيارتي وطردني وواصل ابتزازي حتى يعترف بالزيجة ومن وقتها وأنا أخرج من قسم وأدخل لآخر".
إمام المسجد يقدم دعوى تغيير موعد صلاة الفجر
أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بعدم قبول الدعوى المقامة من حسين أحمد مصطفى، إمام وخطيب مسجد، والتي تطالب بإلزام الجهات المختصة بتغيير موعد صلاة الفجر.
وتم في جلسة سابقة تقديم تقرير صادر عن المعهد القومي للبحوث الفلكية، يؤكد أن الموعد الحالي لصلاة الفجر بمصر يسبق الموعد الذي يستوجب أن يكون عليه بنحو نصف ساعة تقريبا.
واختصمت الدعوى التي أطلق عليها رقم 32898 لسنة 71 قضائية كلا من وزير الري ورئيس هيئة المساحة ووزير الأوقاف ومفتى الجمهورية، وشيخ الأزهر. وأصدرت هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار محمد ربيعي، تقريرا في هذه الدعوى أوصت فيه بإحالتها إلى شيخ الأزهر بصفته رئيس هيئة كبار العلماء، ليندب بدورة لجنة مكونة من عدد فردي من الخبراء المختصين في مجالات الشريعة الإسلامية واللغة العربية وعلوم الفلك والأرصاد الجوية، وأي من المجالات الأخرى التي لها صلة بالدعوى، تكون مهمتها حسم النزاع حول الموعد الصحيح لوقت صلاة الفجر.
وطالب تقرير اللجنة التي سيتم ندبها من شيخ الأزهر الأخذ في الاعتبار، أن تبين في تقريرها الآلية التي تم على أساسها تحديد ميقات دخول وقت الفجر والجهة التي قامت به مع مراعاة العوامل والمتغيرات سواء الفلكية أو الجغرافية المؤثرة عند القيام بهذا التحديد، واختلاف درجة ميل الشمس في فصول السنة المختلفة وأثر ذلك على القياس، وغير ذلك من العوامل والمعايير الفلكية والجوية المتبعة في هذا الشأن.
قبطي يلتمس العذر لمسلم "سب الدين" لقبطي آخر
من بين هذه القضايا، القضية الشهيرة التي ترافع فيها القيادي الوفدي القبطي المعروف مكرم باشا عبيد، للدفاع فيها عن مواطن مصري مسلم، اتهم بسب الدين لجاره المسيحي بحسن نية، وهي الواقعة التي حكى تفاصيلها الكاتب فؤاد اسكندر في مقال له بأحد الجرائد الخاصة والحزبية في مايو 2011.
وكان "عبيد" يعمل بجانب مهامه السياسية في المحاماة، وكانت أغلب القضايا التي يترافع فيها تلك التي تخص المتهمين بتهم سياسية، واشتهرت العديد من مرافعاته التاريخية وكان الناس في ذلك الوقت يرددون بعض الجمل التي حفظوها من مرافعاته، ونتيجة نبوغه في المحاماة بالإضافة إلى دوره الوطني، اختير نقيبا للمحامين ثلاث مرات، كما كان هو من ترافع عن الكاتب الكبير عباس العقاد حين اتهم بسب الذات الملكية.
"اسكندر" يقول إنه وقعت مشاجرة في أحد قرى مصر بين شابين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي، وقام المسلم بـ"سب الدين" للمسيحي بحسن نية، فما كان من المسيحي إلا أن رفع دعوى قضائية ضد جاره، وكانت جرائم "سب الدين" تحال إلى محكمة الجنايات في ذلك الوقت.
ويضيف "إسكندر" أن أهل الشاب المسلم سارعوا وتوجهوا إلى القيادي الوفدي الكبير المحامي مكرم عبيد، وطلبوا منه أن يدافع عن ابنهم، وكلهم أمل في أن يساعدهم في إنقاذه من السجن، خاصة وأن الشاب المسيحي أحضر شهودا على الواقعة كان من بينهم مسلمين.
وبالفعل واقف "مكرم عبيد" على تولي القضية، وفي جلسة المحكمة، وقف القيادي الوفدي يخاطب القاضي مؤكدا أن الشاب المسلم لم يتعلم في المدارس، وأن كل ما حصل عليه هو ما تلقاه في كتاب القرية من حفظه للقرآن الكريم والأحاديث النبوية وبعض العمليات الحسابية البسيطة، فوقف مكرم عبيد يقول: " إنني أطالب المحكمة بأن تسقط الدعوي علي موكلي المسلم لأنها خرجت عن طور التقاضي بالدستور الذي يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية الغراء مصدر التشريع المصرى".
وبين مكرم عبيد للقاضي، أن الأطفال في ريف مصر يتعلمون في الكتاتيب أن "الدين عند الله الإسلام"، ومن ثم فإن الشاب المسلم لم يقصد "سب الدين" لأنه لا يرى دينا آخرا غير الإسلام، وبالتالي انتهت الجريمة من وجهة نظر الدفاع، و لهذا لا يوجد دين مقدس آخر تمت اهانته فالدين واحد وهو الإسلام وما دونه كفر.
وتابع أن القول بأن سب الدين لقبطي جريمة، هو قول يخالف الأصل التشريعي الذي تسير عليه القوانين في مصر من أن الدين المقصود هو الإسلام، لأنه هو الدين الوحيد الذي يعتبره الإسلام دينا.
وهنا نظر رئيس المحكمة إلى مكرم باشا عبيد وقال له: "وهل تؤمن أنت بما تقول؟"، فجاء رد مكرم عبيد بكل هدوء: "يا سيادة المستشار أنا أقول ما تؤمن أنت به (لكم دينكم.. ولي ديني)"، فضجت المحكمة بالضحك من رد مكرم عبيد، فأصدر القاضي حكمه بالبراءة.
يذكر أن قانون العقوبات المصري الحالي، يعاقب على "سب الدين" أو ازدراء الأديان السماوية وتحقيرها بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد عن 5 سنوات أو بغرامة مالية لا تقل عن 500 جنيه ولا تجاوز 1000 جنيه.
كما تشهد محكمة الأسرة عددا كبيرا من قضايا الخلع والطلاق لأسباب غريبة، منها ما قد يبدو مضحكا لكنه في حقيقة الأمر ضمن الكوميديا السوداء، وأخرى مبكية ومأساوية وشاذة على المجتمع المصري، ولا نعلم حتى الآن الأسباب التي أودت بنا إلى تلك الحالة.
زوج: "قفلت السطح اللي مراتي بتخوني منه"
ففي مشهد قد يبدو غريبا وقف "سمير. ب" 36 سنة، ويعمل جزارًا في أوسيم، بين يد قاضي محكمة الأسرة، معلنًا تنازله عن دعوى زنا أقامها ضد زوجته "نانسي. ج" 33 سنه، بعد نحو عامين من سيل الدعاوي القضائية، التي بدأت برفعها قضايا نفقة وحضانة وتبديد منقولات وطلاق منه، حتى ظهر السبب الحقيقي لنفورها منه وهو ارتباطها بعلاقة غير شرعية بجارها، ليؤكد أنه تنازل عن الدعوى بعدما أغلق "السطوح" الذي كانت تلتقي زوجته فيه مع عشيقها، ما أثار الجدل بشأن تسامح الزوج فيما اتهمه البعض بعد نشر الخبر بضعف النزعة الرجولية لديه.