لم تنس الدولة دورها تجاه الأطفال باعتبارهم نواة المجتمع، فلم تتجه لسن القوانين التي تضمن حقوقهم في الحياة فقط، بل حاربت العادات والتقاليد الخاطئة التي ترعرع عليها الأمهات والآباء، والتي ما زالت تقبع في المحافظات والمدن الريفية.
وقفت الدولة موقف المحاسب في قضية شائكة تخص الفتيات اللاتي يتعرضن لجريمة الختان، والتي تعتبر من أبشع أنواع الاعتداءات لبتر الأعضاء التناسلية الخارجية لفتيات بدون سند علمي أو ديني، ولا يترتب عليها أي نفع، بل بالعكس فهذه العادة القميئة سبب للانهيار الأسري والطلاق في أغلب الأحيان.
وقالت الدكتورة مايسة شوقي، أستاذ الصحة العامة بكلية طب جامعة القاهرة، إنه في الوقت الذي يحسب لمصر أنها غلظت عقوبة الختان لأنثي من "جنحة" إلى "جناية"، إلا أن الجريمة لا تزال تحاط بمزيد من السرية والتعتيم، ولا يرفع حقيقة انتشارها إلا البحث الديموجرافي المصري الذي يتم تنفيذه هذا العام.
وأشارت إلى أن من أهم إنجازات مصر أيضًا توقيع الوثيقة الوطنية لإنهاء العنف ضد الأطفال في 8 مايو من العام 2016 والتي وقعها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر الشريف، والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف؛ وتؤكد الوثيقة بمرجعيتها الدينية ضرورة إنهاء العنف ضد الأطفال في جميع أشكاله.
ولفتت "شوقي" إلى أن البرنامج القومي لمناهضة ختان الإناث يعمل من خلال محاور مختلفة، منها إنفاذ القانون والتوعية ودراسة الحالات للفتيات المختنات ومتابعة القضايا، وله شراكات عديدة مع وزارات الصحة والسكان والأوقاف والعدل والطب الشرعي.
وتابعت: "وتتباين آراء المتخصصين في شأن هذه الكارثة المجتمعية؛ فمنهم من يرى البدء بالتوعية حال استخراج شهادة الميلاد لأنثى، ودعم ذلك بتوعية مكثفة تواكب التطعيمات الأساسية ثم الانتقال إلى التوعية في المدارس الابتدائية على الأخص، ودمج مفهوم مناهضة ختان الإناث في المناهج الدراسية والأنشطة اللاصفية ومنها الأناشيد والمسابقات والرسم والفنون".
وقالت: "كما تتعاظم هذه التدخلات بتوعية الأطفال بمناهضة جميع أشكال العنف وتعريفهم بخط نجدة الطفل 16000 المجاني، وكذلك خط المشورة الأسرية للأمهات 16021 للتوعية بالتربية الإيجابية وهي بالفعل خدمة قائمة يقدمها المجلس القومي للطفولة والأمومة".
ووجهت اللوم إلى وسائل الإعلام التي تتعامل مع هذه القضية بموسمية، معربة عن أملها فى مواجهة تلك الجرمية التى يتم ارتكابها بحق الإناث.
ختان الإناث حرام شرعًا
وأكدت دار الافتاء المصرية أن ختان الإناث "حرام شرعًا"، وطالبت الجهات والأجهزة المسئولة في الدولة بمزيد من الجهود لمواجهة ووقف هذه الظاهرة التي وصفتها بأنها ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، لكنها قضية ترجع إلى الموروث الطبي والعادات.
وأفادت أمانة الفتوى بدار الإفتاء، بأن تحريم ختان الإناث هو القول الصواب الذي يتفق مع مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، مشيرة إلى أن محاربة الختان تطبيق لمراد الله تعالى، بالإضافة إلى أنها عادة مخالفة للشريعة الإسلامية والقانون الوضعى، ساردة أدلة تحريم الختان، بدءًا من حديث أم عطية الضعيف، الذي رواه أبو داود في سننه، وحوي توجيها من النبي، صلى الله عليه وسلم، لأم عطية، "المرأة التي كانت متخصصة في ختان الإناث بالمدينة المنورة" وما تضمنه الحديث من قول النبي "اخفضى ولا تنهكي"، حيث أكدت الإفتاء أن أبو داود قال عقب رواية الحديث، أنه ليس بالقوة.
وأوردت الإفتاء أقوى أدلة القائلين بشرعية الختان، وهو ما ورد في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"، ما يكشف أن المرأة يكون الختان في حقها مشروعًا مثل الرجل تمامًا، وردّت الإفتاء على هذا الحديث بتأكيد أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع العورة عند المرأة بلفظ الختان، دليل على الأدب النبوي، ولا يفهم منه شرعية الختان.
وذكرت أمانة الفتوى أن مجلة الأزهر في عددها الصادر عام 1951 لفتت إلى فتوى منقولة عن الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء، تتضمن عدم شرعية الختان طالما لا يوجد من ورائه هدف طبي أو فساد خلقي، وهذا ما استندت إليه مجلة الدكتور الطبية المتخصصة في ذلك الوقت بتأكيدها عدم وجود دواع طبية تستلزم إجراء الختان للإناث.
قضية دينية تعبدية
قال الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، إن قضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، ولكنها قضية ترجع إلى العادات والتقاليد والموروثات الشعبية، خاصة أن موضوع الختان تغير وأصبحت له مضار كثيرة جسدية ونفسية؛ ما يستوجب معه القول بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرقة للكلمة واختلافٍ لا مبرر له.
وأضاف "علام"، أن عادة الختان عرفتها بعض القبائل العربية نظرًا لظروف معينة تغيرت الآن، وتبينت أضرارها الطبية والنفسية بإجماع الأطباء والعلماء، والدليل على أن الختان ليس أمرًا مفروضًا على المرأة، أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يختن بناته "رضى الله عنهن".
وأوضح أن الختان أصبح محرمًا لغيره، وردا على من يقولون كيف يكون محرمًا وقد وردت فيه أدلة شرعية، ولم يقل أحد من الفقهاء المنتسبين إلى المذاهب المشهورة المتبعة بتحريمه، فنقول لهم إن الختان أصبح ممنوعا لغيره لاقترانه بمجموعة من الأشياء التى تضر، ما يترتب عليه وفاة كثير من الأطفال، فضلًا عن الضرر النفسي والعضوي الذي أثبته كثير من الأطباء المسلمين وغيرهم، والتى أوجبت على المفتي أن يقول بمنعه وتحريمه.
أكد الشيخ محمد وسام، مدير الفتوى المكتوبة بدار الإفتاء، أن علماء الأزهر الشريف تعاملوا مع ممارسة ختان الإناث من خلال القواعد الفقهية الأصولية والفكر المقاصدي من منتصف القرن الماضي، إذ لفتوا إلى أن كل ممارسة تثبت البحوث العلمية أن فيها ضررًا صحيًّا يجب منعها شرعًا؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
وأضاف أن دار الإفتاء ساهمت في الإعداد والتحضير والمشاركة بالمؤتمر العالمي لعلماء المسلمين حول حظر انتهاك جسد المرأة، الذي انعقد في رحاب الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية عام 2006، والذي أصدر توصياته بتحريم ختان الإناث ودعا إلى سن القوانين واللوائح لتجريمه، وساعد ذلك كله في سن قانون مصري عام 2008 بتجريم هذه الممارسة ومعاقبة فاعلها والمتسبب فيها، مشيرا إلى الحقائق العلمية والبحوث الطبية التي تقطع بفائدة ختان الذكور وضرر ختان الإناث.