تأتي موافقة مجلس النواب، برئاسة الدكتور علي عبد العال، مؤخرًا على مشروع القانون المقترح من الحكومة بإجازة إحالة بعض الطلبات المتعلقة بتنفيذ أحكام بطلان خصخصة بعض الشركات إلى لجنتي الاستثمار وفض المنازعات بمجلس الوزراء، والمعروف إعلاميا بقانون "الشركات العائدة من الخصخصة"، لتضع فصلاً جديداً في رحلة تعاطي الدولة مع الأحكام النهائية الصادرة بعودة هذه الشركات للحكومة من جديد، ليس فقط ذلك وأنما يستهدف تنفيذ هذه الأحكام عن طريق التسوية مع المستثمرين، ليحقق مصلحة كافة الأطراف المرتبطة ويضمن حقوق الدولة وتنفيذ القانون.
"الفساد".. هكذا كان السبب الرئيسي المسيطر على محاكم مجلس الدولة لتصدر حكمها النهائي في دعاوى التي أقامتها بعض المراكز الحقوقية من عام 2011 لعام 2014، والتي تدعو لبطلان خصخصة سبع شركات "عمر أفندي- طنطا للكتان - شبين للغزل - النصر للمراجل البخارية - النيل لحليج الأقطان - العربية للتجارة الخارجية - شركة سيمو للورق".
8" سنوات".. ظل موقف شركة النيل لحلج الأقطان، والتي صدر بحقها أحكام قضائية غامضا، نتيجة لما يترتب على تنفيذ تلك الأحكام من إلغاء كافة المراكز القانونية الجديدة التي ترتبت على إجراءات البيع التي تمت لصالح المستثمرين اللذين حصلوا على حصص مختلفة من هذه الشركات، بالإضافة إلي الأعباء المالية المتوقعة على الدولة لصالح المسثمرين أصحاب الحصص الجديدة، وهذا ما يفسر تجمدها لسنوات.
بداية الحكاية
وتعود أسباب الأزمة إلى منتصف التسعينات من القرن الماضى، وذلك بتوسيع الدولة قاعدة ملكية بعض الشركات المملوكة لها من خلال برنامج طرح بعض شركات قطاع الأعمال العام للبيع سواء من خلال بورصة الأوراق المالية أو البيع لمستثمر استراتيجى، ويأتي ذلك بهدف تنشيط سوق الأوراق المالية وتدعيم قواعد الإفصاح والحوكمة فى تلك الشركات وجذب استثمارات أجنبية.
ليس فقط ذلك وأنما يهدف إلي ضخ استثمارات جديدة للتوسع بهذه الشركات، وإدخال مساهمين من القطاع الخاص إليها والخبرات التى يضيفونها لها، بما يؤدى إلى زيادة الإنتاج وتعظيم الأرباح ورفع الكفاءة الاقتصادية لهذه الشركات بشكل عام.
وترتب على تنفيذ طرح شركات قطاع الأعمال العام للتخارج، اتخاذ إجراءات نقل تبعيتها من مظلة قانون شركات قطاع الأعمال العام الصادر بالقانون رقم 203 لسنة 1991 إلى مظلة قانون شركات المساهمة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981، وتولى المساهمين الجدد لهذه الشركات إدارتها والتصرف فى بعض أصولها باعتبارها مملوكة لهم، أو دمج بعض الشركات بها أو الحصول على قروض وتسهيلات ائتمانية بضمان أصول هذه الشركات.
كما أن الشركات التى تم طرحها للبيع بورصة الأوراق المالية تمت على أسهمها المئات من عمليات التداول التى ترتب عليها غير مساهمى الشركة الحاليين عن المساهمين الذين قاموا بشراء هذه الأسهم عند طرحها بالبورصة لأول مرة.
العودة بحكم قضائي
مرت السنوات سريعًا، ليسجل عام 2014، طعن البعض أمام محكمة القضاء الإدارى على قرارات بيع شركات قطاع الأعمال العام المشار إليها على سند من عدم إتباع الإجراءات القانونية السلبية، وبالفعل صدرت عدم أحكام قضائية بإلغاء قرارات البيوع المشار إليها مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها استرداد الدولة لجميع أصول وممتلكات هذه الشركات مطهرة مما تم عليها من تصرفات، وبالفعل اتخذت الدولة إجراءات تنفيذ هذه الأحكام بعد صدورها نهائى.
وصدرت عدة قرارات من رئيس مجلس الوزراء لوضع هذه الأحكام موضع التنفيذ غير أنه نظراً لتشعب وتعدد التصرفات التى تمت على هذه الشركات والإجراءات والتعاملات التى بنيت على هذه التصرفات، وإزاء صعوبة تنفيذ هذه الأحكام، فقد طلب من الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة إبداء الرأى القانونى حيال كيفية تنفيذ بعض هذه الحكام، وقد انتهى رأى الجمعية العمومية بشأن بعض هذه الأحكام إلى استحالة التنفيذ العينى لها وأنه لا مناص من تحول الالتزام بالتنفيذ العينى إلى الالتزام بأداء التعويض الذى تقتضيه الدولة بالنظر إلى أن التنفيذ العينى والتنفيذ بطريق التعويض.
النيل الأقطان راجع
ومنذ عام 2011 وحتى الآن لم يتم الانتهاء من تسوية أوضاع الشركات، ولا فض ما نشأ عن هذه الأوضاع من منازعات مما ترتب عليه قيام بعض المستثمرين الذين هم طرف فى بعض هذه المنازعات باللجوء إلى التحكيم الدولى ضد الدول المصرية، وتهديد بعضهم بإقامة منازعات تحكيمية، الأمر الذى يظهر أهمية حسم هذه الموضوع تجنباً لمخاطر التأثير السلبى لعدم تسويته على الأوضاع الاقتصادية ومناخ الاستثمار فى مصر.
ونظراً لاختلاف المنازعات المتعلقة بالشركات عن تلك المنازعات التى تختص بفضها أو تسويتها لجنتى فض منازعات الاستثمار وتسوية منازعات عقود الاستثمار، لذا اقترحت الحكومة هذا التشريع.
بأمر البرلمان
ولذلك فيعد إقرار البرلمان الأخير بشأن عودة الشركات العائدة من الخصخصة، بمثابة الحل السحري لحسم الجدل في تلك القضايا لعدة أسباب، حيث يقضي بإمكانية عرض هذه القضايا أمام لجنتى فض المنازعات وتسوية عقود الاستثمار المنصوص عليها بالمادتين 85 و88 من قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017، وبالتالي بدء أولى الخطوات التنفيذية لحل النزاع بين الحكام القضائية وحقوق المستثمرين، كما أن عرض هذه الأحكام أمام لجان فض المنازعات يقطع الطريق على اتباع الحل القانوني الدولي ورفع قضايا من المستثمرين أمام التحكيم الدولي بعد توفير حلا قانونيا بديلا لفض الخلافات وديا دون أن تتحمل الدولة أعباء سداد أي قرار لتحكيم دولي قد يصدر لصالح المستثمرين.