محاولات متكررة من الفتاة العشرينية، تحاول خلالها مد جسر التواصل والصداقة مع هذا الشاب، وذلك دون سابق معرفة، ولكن الفراغ العاطفي كاد أن يصل إلى آخره معها، وبالفعل تحولت حياة "محمود" عقب تلقيه المكالمة الأخيرة بعلامات الرضا، وامتدت الصداقة بينهما حتى نشاء على خليفتها علاقة عاطفية وتعاملات مالية ثم انتهى بها المطاف بعلاقة جنسية انتهت بجريمة قتل أثارت دهشة سكان قرية بسيطة بمركز أوسيم شمال محافظة الجيزة.
"سها" صاحبة الـ25 ربيعًا، كانت كغيرها من الفتيات، تحمل بأن ترى زفافها مرتدية فستانها الأبيض، التي رأته على العديد من الفتيات قبلها، ومن ثم الاستقرار مع فارس أحلامها في عش الزوجية، وبالفعل تحقق المراد ورزقت بطفل بات شغلها الشاغل، ولكن النصف الثاني من الحلم جاء بما لا تشتهي السفن، ووصل قطار الزوجية إلى محطته الأخيرة بعد تفاقم المشاكل بينهما.
بعد العيش سنوات مع زوجها عادت الزوجة إلى كنف والدتها بتلك الهموم التي قلبت حياتها راسًا على عقب، فلم تكد تهنأ بعقد قرانها الذي ظنت أنه رباط العمر ولن تنقطع أوصاله مهما حدث، إلا أن حصولها على لقب "مطلقة" كان الحقيقة التي أفاقت منها على الكابوس، وبات جُل همها ملء أوقات الفراغ التي أضحت عنوان حياتها بعد الطلاق.
على مدار نحو 6 أشهر، كان الشاب الصعيدي الذي يقطن في سوهاج، يحضر إلى القاهرة للقاء محبوبته حتى تعددت لقاءاتهما الغرامية على فترات، إلا أن العشيقة وضعت سيناريو مخالفًا للقاء مرتقب، فطلبت من "محمود" الذهاب معها إلى منزلها والمبيت رفقتها تزامنا مع عدم تواجد والدتها، ولاقى الطرح قبول الشاب.
استقل "محمود" قطار الصعيد قاصدًا قاهرة المعز، حيث كانت "سها" في انتظاره، وقاما بجولة ترفيهية توجها بعدها إلى شقتها، وبات العشيقان في غرفة واحدة لمدة يومين متتاليين في غفلة من الأم التي كانت تخرج لقضاء احتياجات المنزل، تعود منهكة تبحث عن أخذ قسط من الراحة في غرفتها التي تجاور أربعة جدران تؤوي العشيقين.
استيقظت الأم الخمسينية على صوت بكاء حفيدها، أسرعت إلى غرفة ابنتها لتوبيخها على عدم اعتنائها برضيعها، لكن مفاجأة غير سارة كانت في انتظارها، الطفل على السرير وإلى جواره والدته جثة هامدة مُسجاه على وجهها تسيل دماء من فمها لتتسمر في موضعها فاقدت القدرة على الحركة للحظات أطلقت، بعدها صرخات استغاثة بالجيران.
عقب ارتفاع الأصوات تجمع الأهالي للوقوف على ما يدور في شقة والدة سها، ومع اكتشاف وفاة الابنة، اتصل أحدهم بمفتش الصحة الذي حضر سريعا لتوقيع الكشف الطبي على الجثة وإصدار تصريح الدفن، لكن الجميع كان على موعد مع مفاجأة صادمة لدى ثبوت وجود آثار كدمات وخنق بالرقبة ليؤكد المفتش "مش هصرح بالدفن.. لازم نبلغ القسم".
انتقلت قوة أمنية إلى محل البلاغ، وعاين رجال الشرطة مسرح الجريمة وتبين عدم وجود كسر في المنافذ، وتم نقل الجثة إلى المشرحة تحت تصرف النيابة ليوجه اللواء محمد عبدالتواب نائب مدير مباحث الجيزة بسرعة حل "الجريمة اللغز".
منذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدم المقدم أمثل حرحش، وكيل فرقة الشمال مسرح الجريمة، راوده شك بأن الجاني ليس غريبا مسترجعًا جملة والدة الضحية: "بنتي كانت لابسة حلق" ليكثف تحرياته حول علاقات المجني عليها، وتفريغ كاميرات المراقبة القريبة من العقار محل الواقعة وصولا لمشاهدات لشخص غريب يغادر العقار في عجلة من أمره تزامنا مع اكتشاف الجريمة.
48 ساعة من أعمال البحث والتحري قادت المقدم أمثل حرحش لكشف غموض الجريمة، تبين أن المشتبه به الرئيسي مبيض محارة يدعى "محمود. ج" على علاقة غير شرعية بالضحية، وهروبه إلى مسقط رأسه بمركز طهطا في محافظة سوهاج، حيث جرى ضبطه بالتنسيق مع قطاع الأمن العام وأمن سوهاج، وترحيله إلى الجيزة.
"يا بيه كانت بتساومني على فلوسي مقابل الجنس".. بهذه الكلمات بدأ المتهم اعترافاته التفصيلية، بعدما ألقت عليه قوات الأمن القبض، لافتا إلى أنه مارس الرذيلة مع "سها" داخل غرفتها في غفلة من والدتها واستغلال صغر عمر طفلها، مشيرًا إلى أنه تظاهر بنومه وتنامى إلى مسامعه حديث "سها" مع شخص غريب على مدار يومين.
يتنهد الشاب محاولا استيعاب ما آلت إليه الأمور، ليكمل حديثه مؤكدا أنه ارتدى ملابسه في طريق عودته إلى بلدته، حيث حرص على مواجهتها بالحقيقة: "عيب اللي بتعمليه على الأقل احترميني" فكان ردها حادا: "حاجة ماتخصكش.. إنت مالكش حكم عليا".
مشادة كلامية وقعت بين العشيقين، طالب خلالها "محمود" العشيقة برد مبلغ 4 آلاف جنيه اقترضتها منه في وقت سابق، فجاء ردها: "مالكش حاجة عندي.. وحاول تثبت إن ليك حق" فاستشاط الشاب العشريني غضبا، وخطف هاتفها المحمول محاولا انتزاع قرطها الذي يزين أذنيها، فقاومته ليقرر التخلص منها خوفا من افتضاح أمره، فخنقها بكلتا يديه، وفر هاربًا إلى مسقط رأسه "مرة واحدة لقيت الحكومة في البيت".
وسط حراسة أمنية مشددة، اصطحبت قوة من قسم شرطة أوسيم المتهم لتمثيل جريمته بالصوت والصورة في حضور فريق من النيابة العامة وسط صراخ الأم المكلومة محتضنة حفيدها محاولة استجماع قواها التي خارت، ثم ترحيله إلى محبسه انتظارا لإحالته إلى المحاكمة الجنائية العاجلة.