زيارة الرئيس الإيرانى إلى العراق تمتلئ بالأغراض
روحانى يبحث عن طوق نجاة من العقوبات الأمريكية
محاولة جديدة لمد النفوذ.. ونقل الصراع إلى المحيط العربى
أبو النور: استغلال للضعف الهيكلى والبنيوى للحصول على مكاسب استراتيجية وجيوستراتيجية
الجبورى: الزيارة تشكل تحديًا خطيرًا للإدارة الأمريكية وحلفائها
سليمان: جاءت فى توقيت تعانى طهران فيه من عزلة سياسية دولية
على مر العصور السابقة، دونت الكُتب التاريخية الصراعات التى شهدها العراق وإيران حتى هذا اليوم، فكل مرحلة كانت لها صراعاتها الخاصة، وأبرزها كان الاتفاقية الشهيرة التى تحمل عنوان "اتفاقية الجزائر" والتى تحتوى على نقط الحدود القانونية بين الدولتين، لكنها لم تكن كافية لدى طهران وأظهرت نيتها التى تميل نحو الحدود التى اتفقت عليها الدولة العثمانية وإيران فى عام 1913 وهى منطقة شط العرب.
السطور السابقة هى مجرد مثال لتذكر الصراعات الكثيرة التى شهدتها الدولتان على مر السنوات الماضية، وأيضًا هى أحد الأغراض التى سعى الرئيس الإيرانى حسن روحانى من أجلها إلى العراق فى الأسبوع الماضى، وعقد قمة استمرت ثلاثة أيام، حيث رصدت الصحف المحلية والعالمية العديد من التصريحات التى أدلى بها الرئيسان العراقى والإيرانى، وأيضًا الاتفاقيات التى تم توقيعها على مدار ثلاثة أيام فى العاصمة العراقية بغداد.
روحانى يبحث عن طوق النجاة من العقوبات التى لحقت به من إدارة الرئيس الأمريكى ترامب، وفى الوقت ذاته لا ينسى العمل على مد نفوذه، فالزيارة التى قام بها إلى العراق ليست عادية، ولكنها ممتلئة بالأغراض التى يسعى لتحقيقها، فعلى رأسها مد النفوذ، وجعل العراق ساحة للصراعات الإيرانية الأمريكية، وطبعًا نيته واضحة من خلال مقابلة "السيستانى"، فيما قال بعض المحللين إن زيارة روحانى تبشر بحدوث أزمة عالمية بين الثلاثى "الإيرانى الأمريكى العراقى" لأن طهران تحاول الالتفاف حول العقوبات الاقتصادية من خلال العراق، فيما حذرت إدارة ترامب برهم صالح من قبل من هذا الالتفاف، خلال السطور التالية، يستعرض الخبراء المتخصصون نتائج الزيارة السلبية والإيجابية.
أبو النور: تسعى إلى الالتفاف على العقوبات الأمريكية
قال الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربى لتحليل السياسات الإيرانية، إن زيارة الرئيس الإيرانى، حسن روحانى إلى العراق، تستهدف بكل تأكيد إيجاد سبيل نحو الالتفاف على العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على طهران، وبمعنى آخر الرئيس الإيرانى يريد أن ينحو إلى استراتيجية الصراع مع أمريكا من ناحية الساحة العراقية، أو تحويل هذه الساحة إلى ميدان لتنافس الاستراتيجى بين واشنطن وطهران.
وأضاف أبو النور أن الحكومة العراقية لديها مواقف متذبذبة تجاه العقوبات الأمريكية، فمرة ترفض هذه العقوبات، ومرة أخرى تقبلها، وفى الاتجاه الآخر تقول إن هذه العقوبات ضارة للمصالح الوطنية العراقية، وبالتالى فإن السياسة الإيرانية تريد تحويل الأراضى العراقية إلى ساحة من ساحات الصراع، والأمر الثانى والأكثر أهمية، أن الرئاسة الإيرانية، تريد استغلال حالة الضعف الهيكيلة والبنيوية فى الداخل العراقى للحصول على مكاسب استراتيجية وجيوستراتيجية فى نفس الوقت، ومنها طبعًا تعديل اتفاقية الجزائر التى تم عقدها فى عام 1975، والتى توضح الحدود القانونية بين إيران والعراق، والحديث نحو وجود إيرانى شرعى فى منطقة نقطة القعر التى تتعلق بنهر شط العرب.
أكد رئيس المنتدى العربى لتحليل السياسات الإيرانية أن إيران لا تريد الاستحواذ فقط على نقطة القعر فى نهر شط العرب، ولكنها تسعى نحو السيطرة على الضفتين الشرقية والغربية للنهر، وهذا سوف يكون اختراقا استراتيجيا على مستوى عال جدًا إذا حصل روحانى على فرصة الاختراق، والأمر الثالث هو حصول الرئيس الإيرانى على التأييد من المرجعية العليا فى العراق، وكما شاهد الجميع زيارة روحانى الأسبوع الماضى، لـ" السيستانى" حيث إن السيستانى، لم يلتق بمسئول رفيع المستوى من إيران قبل ذلك، وبالتالى فإن الرئيس الإيرانى يريد أن يوضح أن هناك علاقة وثيقة بين المرجعية العراقية وطهران، فالسيستانى لم يلتق من قبل بـ"قاسم سليمانى، أو الجعفرى" على سبيل المثال، وهذا يقوى من موقف الرئيس روحانى، فى الصراع الداخلى المحتدم بين التيارات الداخلية "مثل الشيعة والسنة وغيرهما".
أشار الدكتور محمد أبو النور إلى الموقف الأمريكى سوف يكون أكثر تشددًا على السلطات العراقية، وسوف يعمل بالتعاون مع القوة الكردية الموجودة فى إقليم كردستان العراق، فى الشمال لتضيق الخناق على الأجواء الشمالية، المتعلقة بالحدود بين بكرمنشاه العراقية والسليمانية، وفيما يتعلق بالجنوب هناك لافتة مهمة جدًا، وهى تحركات أمريكية لمنع إيران من التمدد نحو إقليم البصرة، لاسيما أن اللواء قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثورى، وهو متهم فى الاعتداء على القنصلية الأمريكية فى البصرة، وبالتالى فإن الموقف الأمريكى فى المرحلة المقبلة سيطالب العراق بالابتعاد عن إيران أكثر فأكثر، وهذا سيكون الموقف المستقبلى للعلاقات الثلاثية بين أمريكا والولايات المتحدة وإيران.
الجبورى: روحانى ينقل الصراع من طهران إلى المحيط العربى
فيما قال السياسى العراقى، الدكتور ناظم الجبورى، إن زيارة الرئيس الإيرانى إلى العراق فى هذه الظروف التى تمر بها المنطقة؛ تشكل تحديًا خطيرًا للإدارة الأمريكية وحلفائها، ويعرض العراق إلى الخطر من جديد بسبب خصوصية الزيارة والأهداف التى يسعى الرئيس الإيرانى إلى تحقيقها، كما أن تصريحات المسئولين العراقيين تدعو إلى الحيرة والشك فى موضوعية استقلالية العراق فى قراره السياسى والاقتصادى، لذلك جاءت ردة الفعل من واشنطن سريعة واتهمت إيران بتحويل العراق إلى محافظة تابعة لها.
أكد الجبورى أن إيران تحاول أن تنقل المعركة القادمة بينها وبين الولايات المتحدة من العمق الإيرانى إلى المحيط العربى وأن ويكون العراق رأس الرمح فيها، وكما يلاحظ أن زيارة المسئولين الإيرانيين تخرج حتى عن الأعراف والبروتوكلات الدولية، كما أنها تحاول إفشال العقوبات الأمريكية من خلال بعض الدول التى ترتبط بمصالح ذات أهمية استراتيجية فى المنطقة، وعليه فإن بداية التصادم الأمريكى الإيرانى سيكون فى العراق وذلك لأن إيران لا تستطيع أن تصمد أمام العقوبات الأمريكية إذا التزم العراق بهذه العقوبات، كما أن الولايات المتحدة تعلم أن العراق يمثل نقطة الضعف التى تسيل لعاب الإيرانيين وقد يدفعهم لارتكاب حماقة تستخدمها الولايات المتحدة كذريعة لاجبار إيران عن التخلى عن جزء من نفوذها فى العراق.
وأضاف أن الوضع بشكل عام فى العراق لا يبشر بخير وذلك بسبب الإهمال وانعدام الأمن وتردى الخدمات وهى عوائق أمام حكومة عراقية مستقرة ومستقلة فى القرار، إذ أن أغلب الشعب العراقى يحمل إيران مسئولية وصول هؤلاء إلى السلطة وتحاول الولايات المتحدة من خلال علاقاتها مع الكثير من الشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى ووسائل إعلامها أن تثير نقمة الشارع ضد حلفاء إيران فى العراق، وعلى الرغم من سيطرة إيران من خلال أعوانها أو تلك الفصائل المسلحة التى تدين بالولاء لها من فرض سيطرتها على صناعة القرار فى العراق إلا أن ذلك يقابله نقمة فى الشارع الجنوبى يحمل إيران ما يحصل فى العراق، وهذا فى حد ذاته له عواقب وخيمة على إمكانية الاستقرار فى العراق خاصة وأن الولايات المتحدة وحلفاءها تزيد من عزلة إيران فى المجتمع الدولى علما أن إيران حتى الآن لم تحصل على ضمانات أوروبية حقيقية لكسر إرادة واشنطن فى فرض العقوبات.
متابعًا: لذلك توجهت إيران بكل ثقلها إلى العراق من أجل إحراج واشنطن وخاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكى ترامب عن إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة ومتطورة فى العراق من أجل مراقبة سلوك إيران.
وأشار الجبورى: يبقى التساؤل هل ينجح الرئيس الإيرانى فى تمرير الصفقات التى وقعها العراق أم هناك رأى للإدارة الأمريكية، وهل هى مناورة إيرانية لإحراج الولايات المتحدة بأن العراق هو جزء من إيران وسياستها، لذلك ستشهد الأيام القادمة فى العراق تصعيدًا واضحًا فى الخطاب السياسى من قبل الحكومة العراقية لكن العصا والجزرة لا تزال بيد الإدارة الأمريكية كون أن العراق لا يحتمل أى عقوبات اقتصادية بسبب هشاشة مؤسساته الاقتصادية واعتماده على النفط فقط ولا توجد أى مناورة فى حال قرار الولايات المتحدة من فرض عقوبات قد تؤدى إلى سقوط الحكومة العراقية برمتها وهو ما يهدد المشروع الإيرانى فى العراق برمته.
سليمان: روحانى يوجه رسائل غير مباشرة لترامب
قال الدكتور هانى سليمان، الباحث السياسى المتخصص فى الشأن الإيرانى، إن زيارة روحانى إلى العراق تكتسب أهمية خاصة، لأنها تعد الأولى من نوعها التى يقوم بها منذ توليه السلطة، وأيضًا لأنها جاءت فى التوقيت الذى تعانى فيه طهران من عزلة سياسية دولية، ومن الجانب الاقتصادى لتجريدها من كافة حقوقها، وتوقيع العقوبات الصارمة عليها، وهى تعانى معاناة شديد من الاقتصاد الداخلى والاحتجاجات، والمستوى الخارجى لعدم وجود علاقات كافية مع العديد من الدول، وبالتالى فإن زيارة الرئيس الإيرانى لها أهمية إذا نجح روحانى فى تحقيق الأغراض التى ذهب من أجلها.
أضاف روحانى يسعى لمد نفوذه داخل الأراضى الإيرانية أكثر، وجعلها ساحة لتكوين الميليشيات التابعة لطهران، وأيضًا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال العراق، مضيفًا: أن تصريحات روحانى، حول العلاقة بين طهران وبغداد هى علاقة دينية، تشير إلى أنه يسعى إلى استرداد ما وصلت إليه الإمبراطوية الفارسية، من قبل وليس علاقة سليمة على أساس تعاون سياسى اقتصادى مشترك.
وأشار سليمان إلى أن هناك الكثير من الرسائل غير المباشرة، توجهها طهران إلى الرئيس الأمريكى ترامب، أبرزها التحدى السياسى التى يحاول روحانى إطلاقها من خلال الأراضى العراقية، ردًا على العقوبات الاقتصادية، والقدرة على تهديد المصالح الأمريكية فى العراق، وأن التهديدات المتتالية التى تعلن عنها واشنطن لا تأثير لها مثل سابقتها.