كلمة ترددت كثيرًا على ألسنة المسؤولين، أثارت الجدل في بعض الأحيان، بعضهم يطالب بإلغائها، وآخرون يبحثون عن تطويرها، تهمّ فئة وشريحة كبيرة من المجتمع، فعواقب إلغائها لا تعد ولا تحصى خاصة وأنها تساعد على تدمير فئة بعينها.
"محو الأمية".. قضية قومية على نحو هائل من الأهمية، لكونها مستمدة من تفشي ظاهرة الجهل وتغلغلها في قرى وصعيد مصر، كما أنها من أخطر التحديات التى تواجها الدولة المصرية، يمتد تأثيرها إلى معظم النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحضارية، كما تؤثر بشكل واضح وكبير على الأمن القومى للبلاد، ولذلك أدركت الدولة مبكرًا هذا الخطر الداهم، لذا أصدرت العديد من التشريعات، لمواجهة خطر الأمية على الفرد بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة.
قانون محو الأمية
وبالرغم من ذلك إلا أنه حتى الآن لم تطلها أيادي العمران بشكل كبير، على الرغم من وجود قانون فعال على أرض الواقع تم إصداره من قبل البرلمان، لتناول تلك القضية، والذي يعود لعام 1944، والذي تم إقراره من قبل مجلس الشيوخ على أن يتم تطبيق القانون مجانًا على الشريحة السنية من 12 سنة حتى 45 سنة، وحدد مدة الدراسة لهم 9 شهور متصلة وأوجب على مأمورى المراكز والأقسام والعمد أن يقيدوا فى سجل خاص أسماء الأميين فى دائرة اختصاصهم وسنهم ومحل إقامتهم وصناعتهم.
وكل ذلك أملًا في القضاء على الأمية تمامًا من مصر، ولكن بعد مرور 26 عاما تم إلغاء هذا القانون بموجب القانون رقم 67 لسنة 1970 فى شأن تعليم الكبار ومحو الأمية والذى استهدف شريحة سنية ما بين الثامنة حتى الخامسة والأربعين من العمر، كما تم تشكيل مجلسا أعلى لتعليم الكبار ومحو الأمية.
وبعد مرور 21 عاما تم إلغاء هذا القانون بموجب القانون رقم 8 الذى صدر بتاريخ 12 مارس 1991 ثم تم تعديله بعد 18 هاما بالقانون رقم 131 لسنة 2009.
كما تم إصدار قرار لإنشاء الهيئة بموجب القانون رقم8 لسنة 1991 ، وبالرغم من ذلك إلا أن البداية الفعلية لإنشاء هذه الهيئة كانت عام 1992، لتكون هيئة ذات شخصية اعتبارية تتبع وزير التربية والتعليم ، ونص قرار الإنشاء على أن تتشكل الهيئة من مجلس إدارة برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو من ينيبه وعضوية وكلاء أول الوزرات المعنية بمحوالأمية و(6 ) من الشخصيات المهتمة بقضية محو الأمية.
وبالرغم من أنه تم إصدار القانون الشأن إلى جانب عدة برامج أخرى منها برنامج المجلس القومى للطفولة والأمومة لمحو الأمية، وبرنامج المؤسسة الثقافية العمالية لمحو الأمية، وبرنامج القناة الفضائية التعليمية، إلا أن جميعها باء بالفشل، خاصة أن الآليات التى تتبعها هيئة المجلس القومي لمحو الأمية وتعليم الكبار، وعلي سبيل المثال إلزام طلاب الجامعات بمحو أمية المواطنين بمقابل مادى، أو الاشتراط على المعلمين الجدد بمحو أمية عدد من المواطنين لاستكمال إجراءات التعيين، أثبتت فشلها الذريع فى محو أمية المواطنين.
وقفة حاسمة
ولذلك فشل الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، دفع العديد من أعضاء مجلس النواب، للمطالبة بحل الهيئة نهايئًا، خاصة وأن يتم تخصيص ميزانية لن تقل على 300 مليون جنية فهي لم تكن قليلة على الإطلاق، ولكن يحصد الجميع نتائج ذلك ليصبح صفر.
ولكن فى سبيل تصدى مجلس النواب للأزمة من خلال تشريعات جديدة، تقدم النائب محمد الحسينى، بمشروع قانون لتعديل أحكام القانون رقم 8 لسنة 1991، فى شأن محو الأمية وتعليم الكبار المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2009.
وأكد "الحسيني"، أنه على مدار 74 عاما لم تستطع الدولة أن تحقق نجاحا فى هذا الأمر الذى يسئ لوطن يمتد تاريخه لأكثر من 7 آلاف سنة، وحضارته هى الأقدم بين جميع الحضارات.
وأشار عضو مجلس النواب، إلي أن مشروع القانون يستهدف إلى إدخال 4 مواد جديدة تشمل إلغاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار وتسليم أموالها وأصولها إلى الوزارة المختصة بالتعلم قبل الجامعى، مؤكدا أن محو الأمية واجب وطنى ومسئولية قومية تلتزم بتنفيذه وزارة التربية والتعليم بمساعدة ومشاركة باقى الوزارات ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.
تصحيح مسار الهيئة
وفي ذات السياق، قالت النائبة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، إن ارتفاع نسبة الأمية في مصر واقع ولآبد أن يتقبله الجميع خاصة وأنها تصل إلي 25% نسبة الأميين في مصر حيث تصل نسبة الإيناث إلي 30%، والذكور 21%، مشيرًا إلي أن مصر هى الدولة الوحيدة الذي لم تقوم بمقاومته على مستوي العالم وإيجاد الحلول الجذرية للانتهاء من الأزمة.
وأوضحت "نصر"، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن مجهودات هيئة تعليم الكبار متواضعة تمامًا كما انها لم تتناسب مع الوضع الحالي وفي ظل حروب الجيل الرابع، ولذلك لآبد أن تضع اهيئة خطة استراتيجية على مدار عامين للانتهاء منها والدخول في امور آخري، تتمثل في محو أمية الكمبيوتر والثقافية، لافتة إلي أن لجنة التعليم ستشهد الفترة المقبلة العديد من الاجتماعات لإيجاد حلول جذرية وسريعة.
عدم وجود قوانين صارمة لمواجهة الأمية
وأشارت البرلمانية، إلي أن ارتفاع نسبة محو الأمية في مصر بيرجع إلي انتشار الفقر وقله الثقافة وضعف التوعية بالمحافظات وخاصة الصعيد، فضلًا عن عدم وجود تشريعيات صارمة لمحاربة الأمية، ووسائل التحفيز للهذه الأمور، مطالبة وسائل الإعلام بعمل حملات إعلامية مكثفة للتشجيع كبار السن على الذهب لأماكن محو الأمية من أجل تعليمهم القراءه والكتابة.
وأكدت عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، أن هيئة تعليم الكبار لن تستطيع وحدها على القضاء على الأمية وسن التشريعات، ولذلك فنحن سنقوم بإخطار الهيئات المتخصصة بأنه الفترة المقبلة سيتم تشريع قانون لمحاربته، وعلى مؤسسات المجتمع المدني والمجالس القومية التعاون معنا للمحاربته محو الأمية في مصر.
قيادات هيئة تعليم الكبار يعينون بالمحسوبية
قال الدكتور سامي أيوب، الخبير التربوي، إن الأزمة التي تشهدها مصر الآن ليست محو الأمية للقراءه والكتابه بالمعني الكامل وانما محو أمية حضارية، مؤكدًا أن أغلب القيادات بهيئة تعليم الكبار يعينون عن طريق المحسوبية.
وأشار "أيوب"، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن قضية محو الامية تعد من أخطر قضايا المجتمع حيث أنها تهدد الكيان المجتمعي وتمس الأمن القومي، ووحدة الدولة المصرية، والمستفيد الوحيد من استمرارها أعداء الدولة المصرية، حيث يقومون بشغل الدولة في صراعات وقضايا أرهابية، بعيدًا عن التنمية الحقيقية، مؤكدًا أن الأمية تتمثل في المجتمع بالإرهاب الصامت خاصة وأن أغلب العمليات الإرهابية نفذت خلال بعض العناصر الأميين.
وأوضح الخبير التربوي، أن ميزانية الهيئة القومية ليس في توازن مع ما تقدمة من نتائج، خاصة وأن أغلب الميزانيات يتم صرفها على مرتبات المعلمين فقط.
إحصائيات الجهاز المركزي خاطئة
أكد الدكتور أسامة فراج، رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار السابق، أن الدولة بذلت خلال الفترة الماضية جهوداً كبيرة لتوظيف طاقات الشباب لخدمة قضية محو الأمية، باعتباره واجب وطنى على الجميع المشاركة فيه لرفع شعار "مصر بلا أمية"، مشيرًا إلي أن إحصائيات الجهاز المركزي الأخيرة، والذي أعلن عن 29% من سكان مصر أميين، عار تمامًا من الصحة؛ لأن الجهاز وضع الإحصائيات بداية من الشريحة العمرية الـ 10 سنوات فأكثر وهذا خطأ فادح، لأنه لابد أن يتخذ من الشريحة العمرية الـ 18 سنة فأكثر وليس العكس.
وأوضح "فراج"، في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم" أن القضاء على محو الأمية واجب وطني يجب على الدولة تأديته تجاه كل مواطن فيها، وذلك من خلال عملية الإلزام ومنع التسريب والوصول إلى البسطاء لتقديم الخدمات التعليمية إليهم لمحو أميتهم، لافتًا إلى ضرورة اشتراك الجمعيات الأهلية في منظومة العمل الخاصة بمحو الأمية لتقديم المساعدات كالملابس والمعونات إليهم كحافز تشجيعي لهم للمساهمة في القضاء على مشكلة الأمية، فضلًا عن رفع كفاءه المعلم ومحاسبة كل من ساعد على التقصير.
وأضاف رئيس الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار السابق، أن البرلمان لم يقم بدوره المنصوص عليه دستوريًا خاصة وأنه لن يوجد قوانين غير نظامية، مؤكدًا أن آخر قانون صدر من قبل البرلمان عام 1994، مؤكدًا أن الهيئة شهدت عام 1993 حالة من تعيين الموظفين بهيئة كبار التعليم عن طريق المحسوبية، أما الآن لم تشهد الهيئة مثل هذه التعاملات.