في منزل الجدة "ميمي"، وقعت عينا منة طارق، ذات الـ10 سنوات، على كرة الصوف والإبرة، اللتين تلازمان الجدّة أينما حلّت، وكيف تحولهما ببعض المجهود إلى تحفة فنيّة ملموسة، وهو ما كان لها وقع مؤثر في زرع بذور محبة تلك الأدوات في وجدان الطفلة.
ومع كل منتج تحصده الجدّة من ثمار غزلها، كانت خيوط الشغف في التعلم تتشابك وتعقد لدى منّة، فقررت تشرّب فن الكروشيه منها، "إتعلمته وأنا 10 سنين، لأن الموضوع شدني، وكنت بسأل نفسي إزاي بيطلع من بكرة خيط حاجة شكلها حلو مفرش، كوفية، أو جوانتي".
لم تكتفي منّة، بما ألقته جدتها في جعبتها من دروس عن الكروشيه، فكانت كلما وقفت في طريقها عقبة في تعلم "غرزة"، أو مسّها الفشل في إكمال منتج، تستعين بـ"مس انتصار"، معملة الاقتصاد المنزلي في مدرستها، لتتلقفها بكل الحب، فتجيب عن أسئلتها وتنير بصيرتها من جديد.
ما لم ينسى من الذكرة، دور والدتها في قصة عشقها "للخيوط"، "ماما لما شافت حبي ومدى استعدادي لتعلم الكروشيه، وقفت جنبي ودعمتني، فكانت حريصة على توفير الخيوط، وتنزل معايا نشتريها".
بـ300 جنيه، استطاعت حصد ثمار هوايتها بأول "كوفيّة"، ظلّت على مدار إسبوعين تحاول اتقانها، "كانت البداية، اي نعم طلع فيها اخطاء، بس كنت مبسوطه بيها أوي".
كانت منة، على موعد ببدء مشروعها الخاص حينما دخلت كلية الآداب، حيث استطاعت عن طريق "الإنترنت"، تنمية موهبتها، بمشاهدة الفيديوهات التي تشرح كل منتج على حدى، وهو ما حفّزها على الإعلان عن قدرتها تسيير دفّة مشروعها، بنفسها، وتحقيق استقلال شبه ذاتي، "في الأول كنت شايفة إنها موهبة، ولكن لما دخلت الجامعة، حاولت ادور على شغل، ولكن ملقتش، فقولت ليه منميش الموهبة وتكون مصدر دخلي".
تحاول طالبة السنة الرابعة من الجامعة، التوفيق بين عملها ودراستها، "بقضي وقتي طول اليوم في متابعة محاضراتي، ولما برجع البيت بخصص وقت للمذاكرة ووقت للشغل".
ولا يختلف الوضع في الامتحانات عن سابقيه، فهي تحرص باستمرار أن تجعل الأولوية في المرحلة الحالية للاستذكار، وهو يقابله عملائها بصدر رحب، " لما بيجيلي أوردر شغل في الإمتحانات، بقولهم ان عندي مذاكرة، وبلاقي الناس متفهمة جداً، وبيسامحوني لو اتأخرت في عمل المنتج".
اعتادت "منة"، قبول أي منتج يطلب منها، حتى وإن لم تُلم بتفاصيل غرزه، لأنها تواجهه ذلك بحيلة "اليوتيوب"، "أوقات ناس بتطلب مني منتج متعلمتش أعلمه، فده بيشكل عندي حافز قوي إني أشاهد فيديوهات بتشرح خطوات العمل، علشان كدة مش برفض أي أوردر يتطلب مني".
دأبت على الدخول لعالم "الإنترنت" كتلميذة، ومع أولى خطوات مشروعاتها غزته كقنّاصة، ترمي بسهام منتجاتها على صفحاته، "روجت لمنتجاتي عبر الـ social Media، فأسست صفحة خاصة بيّة، عرضت فيها شغلي وأسعاري الي ترواحت بين 50 لحد 250، حسب شكل المنتج ونوعية الصوف الي بستخدمه"، ولم تقتصر على ما يرديه المصريون في موسم الشتاء، "معظم اللبس بيبقى صوف، والناس بتبقى عايزه تتدفى"، بل قادتها موهبتها إلى صنع "مفارش و vests الكروشيه"، "هما اللي اقدر استطيع بيهم اقتحام سوق الصيف، كمان قدرت اجمع بين recycling و الكروشيه في decoration".
تنصح منة، نظرائها من الطلبة سلك نفس طريقها بالبحث عن مواهبهم، وتنميتها عن طريق الورش، "الهواية بتدي الشخص حافز قوي إنه يكمل، ويفتح مشروع خاص بيه، و ساعات كتير ممكن تبقى علشان تغير mode و ترجع للمذاكرة ثاني، و هييحسسك انك بتعمل حاجه مفيدة".
أحلام ابنة الـ22 ربيعًا، لا تنتهي، وشغفها يبلغ عنان السماء، فهي تخطط لعمل مشغل ومحل لتسويق ما سيجود به، "وكمان بحلم افتح مصنع تصنيع خيط صوف مصري بجودة كويسة، لأن للأسف الشديد الصوف المصري جودته سيئة و بنستورد من الخارج خيوط صوف، بخلاف القطن المصري المستخدم في المفارش فهو ممتاز جدًا".
الآن، ارتقت منة من منزلة "تلميذة جدتها ذات الـ10 اعوام"، التي يتملكها الفخر بنجاحها وجدها زكي، كلما صنعت منتج جديد، إلى مرتبة "الأم"، التي تخشى على أولادها من الفقد، "زمان قالولي إني لازم أعمل مشروع علشان انا شاطره و بحب الكروشيه، بس أنا كنت برفض علشان شايفه أن مينفعش اتعب في الحاجة و بعدين مشوفهاش ثاني، لأني بحسهم أولادي"، ولكن عشقها للكروشيه، هزم هذا الخوف،"مع الوقت عرفت إن علشان مشروعي يكبر، لازم أتغلب على خوفي، وبدات اعمل من نفس الحاجة اثنين، واحدة ليا والتانية للزبون"، لتزول الخيفة من قلب منة، وتغمرها الهمّة لعمل منتج آخر جديد.