بقلم محمد سلطان
مع استئناف العام الدراسى الحالي، فى بداية هذا الأسبوع، لا حاجة لكتابة أي مقدمات نستهل بها حديثنا عن أهمية تطوير المنظومة التعليمية بشكل متكامل، يشمل كافة أركانها، من حيث توفير الأبنية المناسبة لبناء الإنسان علميًا ونفسيًا، كذا تطوير المناهج مع تحسين الأحوال المعيشية للمدرس وتعويضه عن عائد الدروس الخصوصية، بصفته الفاعل الأكبر في تلك المعادلة المستعصية على مسوؤلي الدولة المصرية لأجيال وأجيال، رغم تغير القادة السياسية، وتعاقب حكومات مختلفة، وقف معظمها عاجزًا أمام أضلاع المثلث المدمر للإنسان المصرى الحديث، وهو مثلث التعليم، الصحة والإسكان، الذي يطلق عليه البعض متحسرًا مثلث الرعب، نظرًا لما يعانيه المجتمع بمختلف طبقاته من مساوىء محتويات هذا الثلاثي كمًا وكيفًا.
وإن كانت الطبقات الأدنى هي الأكثر تألمًا كالعادة، بصفتها المستهلك الأكبر لتلك الخدمات، بعدما لجأ القادرين للقطاع الخاص، الذي ليس بأفضل شيء، لكنه على الأقل يقدم الحد الأدنى لها!!
أدرك تمامًا أن التوازن شيء حتمي وأساسى بين أضلاع هذا المثلث، لأنه لا تعليم بدون إيواء ولا يوجد بالطبع أي داعٍ للتسكين والتعليم إذا اعتل الجسد، وفقد الشخص قدرته على العمل والحياة، رغم ذلك أرى أن ملف التعليم يجب أن يستحوذ على الاهتمام الأكبر على كافة المستويات، لأن كل التجارب الناجحة في نقل مجتمعات العالم الثالث إلى العالم الآخر جاءت عقب الرهان على التعليم، كرأس حربة فريق التنمية الشاملة، لخلق جيل جديد يقود قاطرة الإقتصاد والنهضة الحقيقية.
ما يدعو للتفاؤل هو أن وزير التعليم الحالي يبدو رجل مُطلع مختلف عن سابقيه، وضع بجرأة محمودة اللبنة الأولى على طريق تعديل المنظومة كيفًا وليس كمًا فقط، مثلما فعل سابقيه، فكل المحاولات السابقة انحصرت تقريبًا في عملية بناء أكبر عدد ممكن من المدارس لاستيعاب أعداد لا تنتهى من الطلبة، ولكن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح، لأن العلم يقول إن الاهتمام بمعالجة الكم فقط لن يجدى مهما تعددت المحاولات.
فالحل في معالجة الكيف أولًا وهو ما تنتهجه الوزارة الحالية، بعدما عدلت نظام الثانوية العامة وأقرت نظام المجموع التراكمي للثلاث سنوات النهائية، وأدخلت أيضا تعديل جوهري على نظام الإمتحانات، من حيث نوع الأسئلة وعملية التصحيح، لدرجة السماح بدخول الطلاب بالكتاب المدرسي فى بعض المواد، بالإضافة أيضًا للبدء فى تغيير وتطوير المناهج لكل الطلاب، بداية من المرحلة الإبتدائية.
النقطة الهامة أيضًا هى التعديلات الأخيرة على التعليم الفني والصناعي، وهذه نقطة فيصلية فى المنظومة الإقتصادية بشكل عام، لأن تكدس الطلاب وسوء توزيعهم على أنواع التعليم المختلفة هو سبب رئيسي في رداءة جودة الخدمة المقدمة، وكذا اختلال ميزان العمل لاحقًا بشكل يجعل العرض أكثر من المطلوب في سوق العمل، ومن هنا تفشت ظاهرة القهوجى ذو المؤهل العالي.
لن ينتهي الحوار على أهمية التعليم وحتمية تطويره حتى نخرج من عنق الزجاجة الخانق، ونلحق بالعالم المتقدم، وينسى كل أبناء جيلي ذكرياتهم الأليمة مع حفظ أسئلة الإمتحانات المتوقعة، وكذا إجاباتها النموذجية قبل نسيان كلاهما بعد لساعات معدودة من كتابتها، في نظام عقيم أفرز عقول أكثر عقمًا تدور غالبيتها فى دوائر مغلقة حتى إشعار آخر.