الصحفية الشابة ماري مراد، البالغة من العمر 26 عامًا، وهي مسيحية الديانة، لم يخطر ببالها ولو للحظة واحدة أن تتحدث إلي جريدة الأزهر أو أن تكتب بها يومًا: "هي جريدة كما عُرف عنها أنها مخصصة للمسلمين"، إلا أن ذلك حدث حينما تواصل معها رئيس تحرير صوت الأزهر، وطلب منها كتابة مقال رأي كصحفية مسيحية في بيان الأزهر: "الحقيقة سابلي الحرية المطلقة ولا اشترط عليا حاجة ولا قيدني بقيود معينة، فقط كان يريد رؤيتي في البيان".
بالطبع كانت فرصة عظيمة لـ"ماري" أنها من أوائل المسيحيات اللاتي كتبن في جريدة صوت الأزهر، ولكن ما كان يشغل بال "ماري" آنذاك أمرٌ آخر: "بعيدًا عن إني أول مسيحية هتكتب للمجلة أو خلافه"، ونقلة مهنية أخري للصحفية الشابة،: "أول مقال رأي ليا هيتنشر في جريدة بعراقة صوت الأزهر"، وهو ما رأته أنها خطوة كبيرة وشرفٌ حظيت به ونقلة في حياتها المهنية، بالإضافة إلي أنها ستظهر بطبيعتها دون أن يطلب منها شخص تغطية شعرها أو لبس معين: "الأزهر يؤمن بالتعددية والاختلاف، ودي حقيقة بيحاول البعض إنكارها، إلا أن الواقع يفضحهم".
ربما لم يكن من الطبيعي عند الكثيرين أن تظهر سيدة غير محجبة علي غلاف جريدة صوت الأزهر، لذا هاجموا المسئولين عن خروج ذلك الملف من الجريدة وظهور سيدات غير محجبات بغض النظر عن ديانتهن: "عارفه إن اللي حصل ده كان مفاجئا لناس كتيرة (إذا كنت أنا متفاجئة)، والغلاف فعلًا لم يكن يخطر ببالنا نحن فكنا نظن أنها مجرد مقالات مجمعة"، ولكن لا يوجد مبرر للهجوم، فهذا الملف نقلة نوعية في تاريخ تجديد الخطاب الديني، يؤكد أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، يدعم المرأة فقط، دون أي مكملات أخري، عينة: "محجبة أم متبرجة، مسلمة أم مسيحية، متعلمة أم غير متعلمة".
تلك الخطوة التي فاجأت الكل من الأزهر، لم تكن خارج إطار المجهودات التي يقوم بها الأزهر أو هي فريدة من نوعها: "تلك الخطوة استكمالًا لمجهودات عظيمة تقوم بها المشيخة والإمام"، مستدلة في ذلك بموقف الأزهر من دعم المناضلة الفلسطينية عهد التميمي، وتدشين عام 2017 لتكريم المرأة ورفض زواج القاصرات، والإكراه في تزويجهن: "عنوان الإمام السند، فعلًا في محله، وأبلغ ما يعبر عن شعور كل سيدة تجاه الإمام الأكبر.. سند لينا بجد".
أما عن السلفيين الذين صرحوا لبعض الصحف السعودية، أنه يجب محاكمة المسئول عن هذا الغلاف الموصوف لديهم بـ"الجريمة"؛ تقول الصحفية المسيحية، إنهم متطرفون ولا يرون أحدًا صحيحا سوي فكرهم المعقد "عاوزين الكل منتقبات وبضوابطهم كمان، والعالم يشوف مصر كده"، تؤكد الفتاة أنها كغيرها من المصريات اللاتي لن تعطيهم تلك الفرصة: "لازم يفهموا إن إيماننا ومعتقداتنا أمر خاص جدًا، ومينفعش حد زيه يكون رقيب عليه ويقوله إعمل وما تعملش".
وأكدت "ماري" أن السلفيين والمتطرفين لن يقبلوا هذا الكلام أو يغيروا من معتقداتهم المتطرفة، "للأسف هما مش هيستوعبوا الجهود المضنية التي يبذلها الأزهر لتجديد الخطاب الديني، وإظهاره بصورة متسامحة والأخلاق الحميدة والوسطية، بل يحاولون تشويه تلك الصورة وهم يضرون الإسلام ولا ينفعونه"، فالقائمون علي الملف أحدثوا عملا تاريخيا، وأكدوا أن الأزهر يقبل الاختلاف والتعددية وأن شيخه سند للجميع.
وعن رأيها في البيان، تقول ماري، "قبل ما يطلبوا مني أكتب عن الأزهر، قريت البيان وانبهرت بالفعل"، خاصة أن شيخ الأزهر في هذا البيان لم يكن كغيره من الذين يحملون الفتاة مسئولية التحرش أو الظروف أو اللبس وغيره، لأن التحرش من الأساس يخالف الشريعة الإسلامية بغض النظر عن أي شيء آخر، "أكيد كلنا كنا محتاجين بيان زي ده من زمان يطلع من مؤسسة بحجم وعراقة الأزهر"، فهذا أخرس ألسنة المتمسحين بالدين والأزهر، وهم أبعد ما يكونوا عن الدين الوسطي، من وجهة نظر "ماري".
وأوضحت أن البيان أنهي المعاناة التي كانت تمر بها الفتاة وغيرها من الشابات، "الناس دي كانت الأول بتخرج تبرر للمتحرشين أفعالهم القذرة، بلبس البنات بشكلهم بمشيهم لوحدهم، وغيره من أشكال التخلف"، هؤلاء ما جعلوا تلك الفعلة القذرة مبررة لدي العديد من الشباب، حتي كاد يصل لهم أنهم حينما يفعلون ذلك فهو لن يحاسب، وأنهم يحاربون انفلاتا أمنيا- علي حد فهمهم-.
وتابعت أن الأزمة ليست في الحجاب أو الحديث والدفاع ليس عن الذين لا يرتدون الحجاب أو يلبسون بحرية، "الأمر وصل بيهم من التنطع والتشدد، إلي إباحة التحرش ببعض المنتقبات، التي يرون أنها لم تطبقه علي هواهم كما يرون أنه صحيح"، وهي كارثة بالطبع يمر بها المجتمع المصري، زادت من عدد الذئاب البشرية وجعلت السيدة تمكث في بيتها خوفًا من أن يحدث معها شيء من هذا القبيل، ففي دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين أظهرت إحصائية مفزعة، أن "حوالي 90% من المصريات يتم التحرش بهن ولكن بأشكال وأساليب مختلفة".
وتسرد بعض الوقائع التي ترصد تخلف الكثيرين في التعامل مع ظاهرة التحرش،: "الفترة الأخيرة كانت سيئة جدًا علينا جميعًا، شوفنا فيها المتحرش بيتشهر وعايش حياته والضحية بتطرد من شغلها وهي اللي بتدفع تمن غلطته"، في إشارة منها لـ"واقعة التجمع"،: "شوفنا ناس شايفة إن المتحرش دمه خفيف، وإن البنت هي اللي مش كويسة وهي اللي إدتله فرصة إنه يقرب منها ويكلمها".
"ظلت البنات مطاردات"، كما تكمل "ماري" بهذا الفكر المعقد والشباب مستندين لأراء المتشددين حتي جاء الأزهر ببيانه الواضح الذي شع منه نور الأمل للسيدات بأن لهن سندا بعدما اهتم بالقضايا التي شغلت السوشيال ميديا، "الأزهر بالتأكيد متابع جيد للقضايا المطروحة علي مواقع التواصل الاجتماعي، والجميل في الأمر إنه مش بيكتفي بالمتابعة، لكنه بيتخذ خطوات حاسمة وحازمة وأحيانا ما تكون غير مسبوقة زي البيان الأخير، لإصلاح ما يمكن إصلاحه".
وأشارت الفتاة إلي دور الأزهر في الرقابة علي تلك القضايا التي تشغل الرأي العام: "الأزهر يتابع قضايا الرأي العام، وكمان وسائل الإعلام، بدليل إنه طلب منها عدم بث أي مواد تشجع علي التحرش، أو تظهر المتحرش بأي شكل يدعم الفعل دا"، وهو ما كان منتشرا في العديد من منصات الإعلام التي تناولت لقضية "متحرش التجمع"، كان مؤسفا للغاية.
وتمنت الصحفية تكرار تلك التجربة بعد نجاحها: "الضجة اللي حصلت دي كانت أكبر إثبات علي نجاح العدد ووصول فكرة عزم الأزهر علي تجديد الخطاب ومساندة المرأة مهما كانت الانتقادات ويشرفني تكرارها"، كما أكدت أن مشيخة الأزهر والقائمين علي الصحيفة وعلي رأسهم رئيس التحرير أحمد الصاوي، كانوا متوقعين الضجة، لكنهم أخذوا تلك الخطوة علي إيمان أنها لا تتعارض مع ثوابت الدين بأي شكل من الأشكال.