مأساتهم كانت أكبر من أعمارهم، وما كانوا يعانون منه كل ليلة من المساء إلى الصباح لم يكن محتملًا، لم يحنوا عليهم أحد حتى أمهم وصديقتها، كانتا تفضلان التوجه للملاهي الليلة وتوزيع الضحكات والبسمات والرقص على نغمات الموسيقى تاركين خلفهم ثلاث أطفال في عمر الزهور يبكون ويصرخون حتى خارت قواهم فلجأوا للنوم حزنًا وجوعًا وإنهاكًا.
كل ليلة يتكرر المشهد بنفس تفاصيله، ولكن الليلة الأخيرة كانت تختلف كثيرًا عن سابقتها فقد تغير معها كل شىء، الأطفال كعادتهم كانوا يبكون وبعض الجيران يستمعون لصراخهم ولكن لم يهتم لهم أحد، فهم لن يكونوا أشد رحمة من تلك التي وضعتهم وأنجبتهم للحياة لتتركهم في ملاقاة مصيرهم المجهول، يتوجه الجميع من سكان البيت لينام بعضهم يطمئن على صغاره والبعض يريد أن يختلس من الليل القصير ساعتين أو ثلاثة ليرتاح ليواصل عمله بالنهار، ولا أحد يبالي لأمر ثلاثتهم.
مع أول ضوء للنهار تعود الأم وصديقتها للمنزل يستندان على بعضهما ويطلقان ضحكات عالية صعودًا إلى الدرج بميوعة وعدم اكتراث، وتخرج إحداهما مفتاحها وتفتح الباب لتفاجأ بدخان كثيف يقابلهما.
تسرع السيدتان خطواتهما للداخل، وهنا كانت المفاجأة في انتظارهما، أيقظتهما من سكرهما، فقد مكث الأطفال الثلاثة على الأرض بلا حراك، ولعل حريق محدود نشب في الشقة نتج عنه خيط دخان قد تسبب في اختناقهم.
تحاول الأم وصديقتها إيقاظ الأطفال من ركودهما ولكن هيهات لهم فقد فاضت الأرواح البريئة لرب رحيم وهناك في الحياة الأبدية جنة تتناسب مع برائتهم، وستكون مستقرهم تلازمهم فيها ملائكة الرحمة.
الصديقتان قررا الوقوف فوق الجثث يتأملاها لييفكرا سريعًا في وسيلة للهروب من المساءلة القانونية وكيف سيتخلصا من جثث الأطفال قبل أن تتكشف آثار الكارثة.
الحيرة تراودهما فماذا يفعلان، هنا استقرا على اللجوء لأشخاص آخرين لمساعدتهم في التخلص من الجثث، فكرة من هنا وأخرى من هناك حتى استقرا على وضعهم داخل أكياس قمامة سوداء، وبالفعل حملا الأطفال داخل «كيس أسود» بكامل ملابسهم وخرجوا بهم استوقفوا «توك توك»، الذي حمل الجثث وذويهم وهناك في المريوطية طالباه بالتوقف ومن ثم قما بإلقاء الكيس بجانب الطريق ثم آمروه باستكمال السير وكأنهما لم يقترفا أي ذنب يُذكر.
تصل الأم بصحبة صديقتها للمنزل، يشاهدهما أحد الجيران ليسأل عن سبب بكاء الأم وعدم قدرتها على الحديث لتجيب الصديقة بصوت خافت قائلةً:«أمها ماتت يا أخويا»، يقدم الجار التعزية وينصرف.
منذ أيام قليلة ضجة عارمة وبلبلة وغموض كبير أصاب الرأي العام، وحير رجال الأمن، تضاربت الأقوال حول العثور على 3 جثث لأطفال أكبرهم بعمر الرابعة، بعد أن لاحظ أحد المواطنين تجمع الكلاب حول كيس أسود الحجم بمنطقة المريوطية.
التكهنات والتوقعات تباينت هذا يؤكد أن الجثث ضحايا الإتجار بالبشر وآخرين يدعون أن الحادث سببه الانتقام وهذا يشير إلى أنهم ماتوا في دار أيتام.
بدورها، كشفت الأجهزة الأمنية اللغز بعد أن رصدت إحدى الكاميرات صورة سائق التوك توك، وعلى الفور سارعوا لإلقاء القبض عليه ليكشف أنه قام بنقل سيدتين للمكان وقاموا بإلقاء الجثث مؤكدًا جهله بما كانت تحويه.
بعد الضجة التي أحدثتها الواقعة لاذت الأم بالهرب برفقة صديقتها، وهو ما أرجأ إلقاء القبض عليههما لمدة 48 ساعة.