قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن خطبة الوداع للنبي صلى الله عليه وسلم التي خطبها في المسلمين في حجة الوداع تضمنت أهداف ومقاصد الإسلام الكبرى، ووصفها بأنها بمثابة وثيقة لحقوق الإنسان، سبقت دساتير العالم، كإعلان عالمي لمبادئ الإنسانية.
وشدد خالد في الحلقة السابعة والعشرين من برنامجه الرمضاني "السيرة حياة" على أن "وصايا النبي في حجة الوداع لها أهمية كبيرة، لأنه كان يعرف أنها آخر كلماته وآخر وصية لأمته وهي كلها مجتمعة معه في الحج، حيث حج معه 120 ألف، وهو أكبر عدد في تاريخ الإسلام، وراءهم نساء وأطفال ومرضى حوالي نصف مليون مسلم".
وأشار إلى إن خطبة الوداع توافر فيها كل أنواع المكانة العالية: أشرف مكان، أشرف وقت، أشرف يوم، أشرف ناس، أنقى وأقدس أرض ووقت ويوم وناس".
ولفت إلى أن النبي ألقاها في ثلاث أماكن: أمام الكعبة، في عرفة، في منى، وأخذ يكرر نفس الكلام، وكأنه يقول: أنا لدي كلام محدد، حتى في منى لم يكن هناك مكان يجمع فيه كل الناس حتى يسمعوا، فكان ينتقل من مكان لآخر بين خيم الحجاج، يقول نفس الكلام، وهذا تأكيد على أهميته.
وعدد خالد المبادئ التي تضمنتها خطبة الوداع على النحو التالي:
المبدأ الأول: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، كأن المعنى الحرمة مركبة مغلظة وليست بسيطة. لم يقل أيها المسلمون، بل قال أيها الناس، لكونها مبادئ لكل البشرية.
وقال خالد: "تضمن هذا المبدأ: حرمة الدم والمال والعرض، لأنها ضمان لاستقرار المجتمع الذي لا يقوم إلا بحماية هذه العناصر الثلاث، والمعنى: كل مكان أو زمن يحدث فيه قتل.. هو حرام حرام حرام، كأنك قتلت في مكة في يوم عرفة.. وكذا الاستيلاء على أموال الناس، كأنك أكلت أموالهم يوم عرفة، والخوض في أعراض الناس وهتك سترهم والتشهير بهم، كأنك فعلت ذلك يوم عرفة، ثم قال: "ألا هل بلغت اللهم فاشهد".
وأضاف: "المبدأ الثاني: إن دماء الجاهلية موضوعة، أي انتهت.. سامحوا لا تطالبوا بها، وأول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن عبدالمطلب ابن عم النبي، الذي قتل في الجاهلية، فسامح فيه النبي، وإن ربا الجاهلية موضوع، لو لك مال عند أحد فيه ربا.. اتركه.. سامح فيه.. وأن أول ما أبدأ به ربا عمي العباس بن عبدالمطلب.. وإن مآثر الجاهلية موضوعة.. التعالي والتفاخر .. أوقفوا ذلك.. بدلها بالتسامح والعفو.. كل الجاهلية موضوعة إلا السدانة والسقاية"، واستدرك قائلاً: "لم يلغ كل ماهو قادم ممن قبله.. تسامح ديني".
وأشار إلى المبدأ الثالث الذي حمل قيمة التعايش والمساواة وعدم العنصرية بين البشر بصرف النظر عن دينهم أو جنسهم أو لونهم أو عرقهم، إذ قال: "أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى، لا فضل لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط، ألا هل بلغت اللهم فاشهد".
وعلق خالد: "هذا ما قاله النبي قبل حقوق السود في أمريكا بـ 1200 سنة، وقبل عنصرية التنظيمات الدينية المتشددة".
وتابع: "المبدأ الرابع: خاص بالمرأة، "أيها الناس.. إن لنسائكم عليكم حقًا، إنما النساء أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد".
وقال خالد إن "أكبر غضب لله إيذاء امرأة"، فيما وصفه بـأنه "فكر جديد لم يعرفه العالم عند الارتباط بالمرأة.. أنت أخذتها بأمان الله.. هدية من الله لك. ثم قال فليبلغ الحاضر الغائب، لأن أغلب الغائبين نساء".
وذكر المبدأ الخامس والأخير في خطبة الوداع: "أيها الناس أتدرون من المسلم؟، المسلم من سلم الناس من لسانه ويده. أيها الناس أتدرون من المؤمن: المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم، أيها الناس أتدرون من المهاجر: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
وقال خالد إن هذا "إعادة تعريف للدين الإسلامي بأنه دين الأخلاق الإنسانية.. والإسلام هو مسالمة الناس والإيمان.. هو الأمانة للأموال والأعراض.. الإسلام هو الأخلاق.. التدين ليس شكلاً.. الدين هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التدين. في آخر حجة الوداع قال النبي كلامًا مؤثرًا:" حَياتِـي خَيْرٌ لَكُمْ ومَـمَاتِـي خَيْرٌ لَكُمْ".
وأوضح خالد أنه بعدما عاد النبي للمدينة، توفى رأس المنافقين عبدالله بن أبي بن سلول، وقد عاده النبي في مرضه، ولما مات أراد النبي أن يصلي عليه الجنازة، فوقف عمر أمامه: لا تصل عليه يا رسول الله.. لا يستوي هذا مع المؤمنين، فقال له: دعني ياعمر: فولله لا ينفعه صلاتي إن كان الله غاضبًا عليه ولكن أريد أن أرفق بقومه.
ثم أراد النبي أن يكفنه في قميصه، فعاد عمر، فقال النبي: دعني ياعمر وكفنه النبي في عباءته، لأنه في يوم غزوة بدر أسر العباس عم النبي، وكانت ثيابه مزقت في الحرب، وكان طويلاً جدًا فأرسل عبدالله بن أبي بن سلول ثيابه للعباس لأن كان بينهما تجارة وكان طويلاً مثله، فلم ينسها له النبي وكافأه بها في موته فكفنه في عباءته.