لافتات معلقة داخل أماكن مقدسة، يأتي إليها الناس تائبون يرجون العفو والمغفرة من الله، فتلك اللافتات معلقة على حوائط بيضاء، أعلاها رسومات ونقشات إسلامية، وأوسطها أسماء الله الحسنى وآيات قرآنية، وأسفلها أناس جالسون ومضطجعون عليها منهم القاريء والذاكر ومن بداخله حكايات يفضفض فيها مع ربه.فلو تجولت في أنحاء مصر بين القرى والبلدان، سوف تجد حتمًا في جانب صغير من القرية مأذنة شامخة في السماء مرفوعًا عليها هلال أزرق وكلمة الله، وفي أسفلها مساحة واسعة بداخلها رجال كثيرون، منهم الراكع والساجد، وعند الدخول تجد في وجهك لافتات معلقة على الأعمدة والأبواب، تُرهب المسلمين وتبعدهم عن أداء الصلاة وهى الممثلة في «احذر السرقة.. المسجد غير مسئول عن امتعتك.. خلي بالك من متعلقاتك» هنا من مصر مرحبًا بكم في مساجد المحروسة. ورغم انتشار الدعوة الإسلامية وحب الناس لهذا الدين العادل الذي يساوي بين العبد والسيد والغني والفقير، لكن بدأ المسلمون يبتعدون عن الصلاة وعن المساجد عامة، فمنهم من قطعها كسلًا وتهاونًا، ومنهم من تركها خوفًا على أمتعته، والسبب في ذلك هذة اللافتات المعلقة على أبواب المساجد، ولم تتوقف أيضًا على إبعاد الناس عن الصلاة فقط، بل كانت وسيلة لفتح أبوابًا كثيرة للإستغلال والفوضى داخل المساجد في شتى بقاع المحروسة، فقد استطاع الكثير من تحقيق الكسب غير المشروع بسبب هذه اللافتات، وأدت إلى انتشار الإهمال داخل بيوت الله، وترك سلوكًا وطابع سيئ لايليق بالأمة الإسلامية، لدى الوافدين من البلاد الأخرى، بل تتمثل هذه الظاهرة في عدة محاور وهى التي نتناولها عبر السطور التالية.سبوبة المساجد.. «الجزمة بـ5 والشبشب بـ3» فور نزولك من السيارة المتوجة إلى القاهرة، وبسؤالك عن أشهر المساجد تجد الجميع يوجهك إلى مسجد «الحسين»، ففي أحد الأحياء الأثرية بالقاهرة تجد مأذنة مرتفعة في السماء، تراها من بين الشوارع والعمائر الكثيرة، رغم بُعد المسافات لكنها واضحة كالقمر في الليلة الظلماء، وعند الوصول تجد جماعات كثيرة يجلسن تحت الشجر في ساحات المسجد، منهم المُمسك في يده مسبحته، والآخر حاملًا على كتفيه خبزًا وطعام يوزع على الزائرين والمقبلين قائلًا: «اتفضل من نفحات سيدنا الحسين». وعند النظر إلى المسجد تجد أربعة أبواب ورجالًا كثيرون يصطفون واحدًا تلو الأخر ينتظرون الدخول لأداء الفريضة، فمن أراد الدخول لابد أن يقف في هذا الصف، وفي المقدمة رجلًا يبلغ من العمر حوالي ستون عامًا، يرتدي جلبابًا سوداء وعمامته البيضاء، وخلفه ألواح خشبية مقسمة إلى أدراج وممتلئة بالأحذية، بينما يتحرك الصف خطوة تلو الأخرى، وبعد مرور خمس دقائق تجد نفسك أمام هذا الرجل، لتعطيه حذائك لتتفرغ لأداء الصلاة، ولكن يكون الرد من الرجل الستيني «هات بركة من جيبك لسيدك الإمام الحسين». فقد يخطر ببالك أن هؤلاء الرجال موظفين من إدارة الأوقاف، ولكن في الحقيقة هم رجالًا عاميون مثلك تمامًا، وحينها تضع يدك في جلبابك لتعطيه شيء مقابل حفظ أشيائك، فالكثير يتقدم له بالمال الذي لا يتعدى جنيهان، ولكن يكون الرد من هذا الرجل متعصبًا وتتغير ملامح وجهه في لحظات قليلة « الجزمة بـ5 جنيه والشبشب بـ3 جنيه خلص بسرعة يا توسع لغيرك »، وهنا تظهر الحقيقة أن هؤلاء الأشخاص يستخدمون بيوت الله وظائف لهم يمارسونها كل يوم ويتقاسمون في أموال الناس. وبعد هذه المشاهد الدرامية التي لا تراها قط في أي بلد أخرى، تحصل على رقم قد يكون 45 لتعرف به رقم حذائك، وعند الدخول إلى ساحات المسجد تجد لافتات أخرى معلقة بين الأعمدة، مكتوبًا عليها «الطريقة الرفاعية..الطريقة الهاشمية.. الطريقة الصوفية» وغيرها من الطرق الكثيرة، ورجال جالسون على شبه حلقات ترتفع أصواتهم بالذكر والشطح بأجسامهم يمينًا ويسارًا، بينما أنت في حيرة من أمرك إلى أي من الجماعتين أستمع ومع من أجلس لكي أتعلم فرائض وتقاليد هذا الدين الحنيف، ترتفع الأصوات أكثر فأكثر، وتزداد الأعداد داخل المسجد والجميع يهرولون من هنا إلى هناك، وفي أحد اللحظات تسمع صوت الأذان قد حان وقت الصلاة. «شخلل عشان تتوضا» وعندما يرفع المؤذن الأذان تتوجه مسرعًا إلى حمامات المسجد لكى تتهيئ إلى الصلاة، ولكن عند الدخول تجد صفوفًا كثيرة، أمام الحمامات متجاورة بجانب بعضها، وأمامها رجالًا كثيرون ينتظرون خروج من بداخلها، وعلى الجانب الآخر ثلاث رجال تتراوح أعمارهم مابين الخمسين والستين، كل وأحد منهم يجلس على مقعده أمامُه مكتب لا يعلوا عن الأرض بكثير، مُمسكًا في يده علبة صغيرة موضوعًا بداخلها جنيهات فضية والبعض من الجنيهات الورقية، ويتلفظون بكلمات غريبة قد تدخل الرعب والخوف في قلوب المصلين «خلي بالك من جيبك.. الحرميين منكم فيكم.. حرص على نفسك.. هات حاجاتك معايا».ألفاظ كثيرة قد تجبر المتوضئون على الذهاب إليهم وترك جلبابة أو قميصه ومتعلقاته الشخصية مع أحد الأشخاص الجالسون مقابل مبلغًا ماديًا قليلًا يعطيه له عند الخروج، فقد استطاع هؤلاء الرجال من فرض السيطرة على المصلين والزائرين، وظلوا حتى الآن يمارسون الفوضى الإستغلال على البشر موجودين من شتى بقاع المحروسة، يمارسون عملهم «على عينك ياتاجر»، لايخشون الله ولا يعبرون مسئول أو وزارة، بل هذا هو الواقع الذي يمارسونه كل يوم. السجاد..« مطرح ما تحط راسك حط رجليك» المكان والزمان مخيمان بالمسك والعطور، ورائحة لا تكاد تجدها إلا داخل هذه البيوت الربانية، التي يذكر فيها أسم الله، حوائط بيضاء أنوار تضيئ المكان، أعمدة معلقًا عليها مصاحف قرآنية، وسجاد منظفة تعطى لمعه جميلة مع هذه الأضواء، وعندما تضع عليها ناصيتك ساجدًا تجد رائحة العطور، ولكن أين هذه المواصفات فقد تتحدث عنها وكأنك تتكلم عن شيء يحدث في الخيال، فقد تحول السجاد إلى مكان يوضع عليه احذية ومتعلقات إنسانية أخرى.. يأتي أحدهم من عمله وقد ضاقت به الدنيا بما رحبت، فيلجأ إلى بيت الله ليفضفض مع ربه وما بداخله، ولكن يجد رجال على هيئة وحوش منتظرين على الأبواب، وخلفهم هذه الألوح الخشبية، موضوعًا فيها الأحذية التي يحميها من السرقة بمقابل بضع الجنيهات. ولكن من اين لايوجد لديه فبذلك يضطر أن يضع حذائه بين يديه ويدخل به إلى ساحات المسجد، ووضعه أمامه على السجادة في الصلاة، فتلك الحذاء التي يمر بها على الأرض ويبطش بها في كل مكان، تسيطر عليه مخلفات الأهالي، موضوعة أمامه في موضع سجوده يحملها ويضعها كيف ما يشا، وليس هناك رقابة من إدارة المساجد بل من إدارة الأوقاف ذاتها، كلهم يعتبرون بمثابة موظفين على الأوراق، كل مايشغلهم هو الحصول على الراتب الشهري، فلا يوجد أهتمام ولا خوفًا من الله، وبذلك تحولت المساجد إلى ساحات للمرح ووضع المتعلقات في أي مكان بداخل بيوت الله، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل تعدد حتى يصل إلى ارتكاب الحرمانية والمعاصي التي تغضب الله عزوجل. اللافتات تتسبب في إرتكاب المعاصي عمدًا ذات يوم وقت صلاة الظهر مباشرةً، بينما يمر أحد الأشخاص من طريق ما يرتدي ملابس صفراء يبدو أنها الزي الرسمي لإحدى الشركات، معلقًا على كتفيه حقيبته الصغيرة، موضوعًا بداخلها مصحف يقراء فيه في وسائل المواصلات، وقد سمع أذان الظهر ينادي في أحد المساجد القريبة، فعلى الفور خلف الطريق متوجهًا إلى المسجد لأداء الفريضة، بينما أنت تنظر من بعيد وكأنك تراقبه، فقد دخل إلى المسجد وعندها تذكر حالات السرقة من اللافتات المعلقة أمامه في مدخل المسجد. ففي ثواني سيطرت عليه حالة من التوتر وعدم التركيز والحيرة تغلب على تفكيره، ماذا يفعل، أمامه وسيلتان فالأولى يترك حقيبته في الخارج حتي لا يرتكب ذنبًا وهى تعتبر بمثابة التضحية بأمواله وما بداخل الحقيبة، والوسيلة الثانية هي أن يدخل بها في دورة المياة لكى يحافظ على نفسه من السرقة، فعبد حيرة من التفكير ونظرات كثيرة لهذه اللافتات، وأنت ترى المشهد من بعيد، كان القرار هو الدخول إلى الخلاء بالحقيبة لأداء الفريضة، فالحقيبة التي بداخلها متعلقات دينية، وكلمات ربانية يدخل بها هذا المكان الذي يحتوي على المخلفات والمياه الغير طاهرة، خوفًا من السرقة والتعدي على أشيائه، فبذلك يرتكب الشخص ذنبًا متعمدًا وعالمًا أن هذا العمل غير مقبولة على الإطلاق ولكن يضطر إلى فعل هذا الذنب خوفًا على نفسه من السرقة، وحبًا في أداء الصلاة. تشويه صورة الإسلام كل هذه الفوضى واللا إنسانية التي تشاهدها أمام عينك، هي بسبب هذه اللأفتات المعلقة في المساجد التي اتاحت الفرصة إلى العديد من هؤلاء في ممارسة الأعمال المنافية شرعًا وقانونًا، ولا تتوقف هذه المهذلة عند الكسب الغير المشروع الذي يستخدمه هؤلاء، ولكن اشتملت على محاور عديدة وإبتكارات جديد، فقد تمكن هؤلاء الأشخاص من تشوية صورة الإسلامة والأمة الإسلامية جميعها في شتى بقاع المحروسة بسبب هذه الأفعال.فمصر يأتي إليها الزائرون من كل أنحاء العام، ليتمتعوا بجوها المعتدل وحضاراتها القديمة التي تترك أثرًا عظيمًا في كل الحضارات، ولكن عندما يأتي إليها السائحون من الدول الإسلامية ويريدون الدخول إلى أحد المساجد لأداء الصلاة وفجأة يجد في وجهه لافتات معلقة على الأبواب «احذر السرقة..خلي بالك من متعلقاتك»، فعندها بلاشك سوف يتغير شعوره نحو مصر وكل من فيها.ويؤكد هذا الكلام «عمر» البالغ من العمر 20 عامًا، جاء من أندونيسيا لطلب العلم في جامعة الأزهر منذ سنوات، ويأتي إلى الحسين كل يوم عقب صلاة الظهر، للجلوس بين رجال الطريقة الرفاعية التي ينتمي إليها منذ قدومه إلى مصر، يوضح أن مصر من أعظم البلاد العربية، والتي تسيطر على قلبه من الناحية العاطفية، ولكنها تحتوي على العديد من الأشخاص الذين يشوهون صورة الدولة والدين. وأكمل «الأندونيسي » حديثه موشيرًا بيدة إلى الرجال الجالسون على الأبواب قائلًا«هؤلاء يستغلون الموصلين بطريقة لا تليق بالأمة الإسلامة، وفي كل الأوقات عند الدخول إلى المسجد أكن في اضطرار أن ادفع لكي أدخل إلى ساحات المسجد واجلس في مجالس العلم التي أصبحت عاملًا أساسيًا أذهب إليها كل يوم. مُؤذن الحسين: « زهقنا من السرقة ونريد تدخل الأمن » وعقب هذه الرحلة الطويلة التي استغرقت بضع أيام، في معظم مساجد المحروسة توجه محرر «بلدنا اليوم» إلى مسجد الحسين ورصد الحالة التي تسيطر هناك، ومعرفة ردود الأفعال من الجالسين والمستوطنين في هذا المكان، فقال «عم محمد» مقيم شعائر ومؤذن مسجد الإمام الحسين، أن هذه المسجد يأتى إليه العديد من البشر مايقرب 10 الآف مصلي في يوم الجمعة، ما يتسبب في حالات كثيرة من السرقة داخل المسجد، والأمن لا يستطع السيطرة على المسجد من كل الإتجاهات وغالبًا مع هذه الأعداد الكبيرة من المصلين.وبدأ الرجل الخمسيني يروي بعض الوقائع التي شاهدها مقام الحسين، من حالات السرقة والتعدي، فذكر أنه من شهرين تقريبًا تم ضبط شاب في مقام الحسين متلبسًا بسرقة أحد الزوار، وعلى الفور تمكن رجال الشرطة من القبض عليه، ولكن هذه حالة من العديد من الحالات التي تستمر في سرقة المصلين.وأما عن الجالسون على الأبواب، فقد أشار أن الأوقاف لا تصرح بهذه الأشياء، ولكن هم يمارسون هذا العمل للحفاظ على متعلقات المصلين مقابل مبلغ بسيط من المال لا يتجاوز جنيهان، ومع العلم أن معظم هؤلاء يستخدمون العمل للاستغلال وإثارة الفوضى بين المصلين للحصول على المال. وزارة الأوقاف ترد: « لم نصرح بتعليق هذه اللافتات» قال الشيخ شوقي عبد اللطيف وكيل وزارة الأوقاف سابقًا إن هذه اللافتات المعلقة داخل المساجد، التي تحذر الرواد من السرقة، ليس فيها أدنى مشكلة، بل هى شيء يحافظ على امتعتك وتعطي الأفراد الفرصة في الحفاظ على متعلقاتهم الشخصية، وهى بذلك لا تضر بالعبادة ولا تضر بالمساجد، مؤكدًا:«مهما يكون في المسجد من العمال لابد أن يكون المصلي حريص على أشيائه».وأضاف عبد اللطيف أن هذه اللافتات تركت طابعًا سيئًا لدى الرواد من الدول الخارجية المتمثلة في اندونيسيا وغيرها من البلاد الإسلامية، فقد يعتقد البعض أنه ليس هناك أمان داخل المسجد، ومن المفترض ان يكون الزائر حريص على متاعه، ويكون العامل لديه نظرة قوية في التفريق بين المصلين، ولكن لابد من الإهتمام الجاد من العمال في المساجد الكبيرة مثل مسجد الحسين وغيره من المساجد، لكثرة الرواد اليها.وهل أعطت الأوقاف تصريحًا لهؤلاء الأشخاص باستخدام هذه الظاهرة، وأجاب على ذلك «الوكيل السابق»: أن الأوقاف لم تصرح بهذه الظاهرة قط، لأنها تترك طابع غير لطيف لدى الجميع سواء في مصر أو غيرها من البلاد الأخرى لأن هذه اللافتات أتاحت فرصة كبيرة لدى العديد من الأشخاص، في استغلال الزوار وخاصة في المساجد الكبيرة، أما عن الجالسون على أبواب المساجد يتقاضون أجر مقابل حفظ متاعك، فهذا يعتبر مخالفة للوائح القانوينة، لأنه يعتبر تشويهًا للصورة الإسلامية والأوقاف لم تسمح بهذا على الإطلاق.
«احذر السرقة».. «لافتات» ترهب المواطنين من الصلاة في المساجد
السبت 17 مارس 2018 | 08:57 مساءً
اقرأ ايضا