ظل ملف الوحدات التجارية والسكنية المؤجرة وفق قانون الإيجار القديم لسنوات طويلة موضوعًا شائكًا وحساسًا، تجنبته الحكومات ونواب البرلمان السابقين، إلا أن الحكومة الحالية والبرلمان قررا أخيرًا الاقتراب من هذا الملف الصعب، الذي يعد من أكثر الملفات حساسية في مصر.
مع استمرار مطالب أصحاب الوحدات السكنية بإصدار قانون يتيح لهم تحقيق قيمة إيجارية عادلة أو إعادة تحرير عقود الإيجار بقيمة مناسبة أو استعادة أملاكهم، ورفض المستأجرين لهذه المطالب، اعتبرت الحكومة هذا الملف واحدًا من أكثر الملفات حساسية وخطورة نظرًا لتأثيره على ملايين المصريين، لذلك اتخذ مجلس الوزراء والبرلمان خطوات مهمة مؤخرًا لمعالجة هذا الملف.
وكشفت وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية في إحصاء لها، أن عدد الوحدات الخاضعة لقانون الإيجار القديم يبلغ 42 مليونًا و973 ألف وحدة، منها 38 مليونًا و84 ألف وحدة سكنية، مما يعكس سبب حساسية الملف بالنسبة للسلطات التنفيذية والتشريعية.
_قوانين سابقة
تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر في مصر 15 قانونًا صدرت منذ عام 1920 حتى اليوم، أبرزها القوانين التالية:
- قانون 49 لسنة 1977: صدر في السبعينات وألغى جميع قوانين الإيجار السابقة.
- قانون 136 لسنة 1981: صدر في الثمانينات وأدخل ضوابط توازن لصالح الملاك وسوق الإيجارات.
- قانون رقم 4 لسنة 1996: حرر العلاقة الإيجارية وأعادها إلى أصلها، مما ترتب عليه تحرير العقود وفقًا للقانونين رقم 49 لسنة 1979، ورقم 36 لسنة 1981.
- قانون رقم 137 لسنة 2006: شمل تعديلات إضافية على القوانين السابقة.
- قانون رقم 6 لسنة 1977: نص على زيادة الأجرة القانونية للوحدات غير السكنية.
- قانون رقم 14 لسنة 2001: عدل قيمة الزيادة السنوية المركبة من 10% إلى 1% أو 2% حسب تاريخ إنشاء الوحدة، وهو ساري المفعول حتى الآن.
توقف العمل بقانون الإيجار القديم بعد صدور قانون رقم 14 لسنة 2001، ولكن استمرت مشكلة العقود المحررة طبقًا للقوانين السابقة، ولحل هذه المشكلة، تشكلت لجنة حكومية برلمانية في 3 فبراير الماضي لتعديل وصياغة القانون، بعد اجتماع حكومي برلماني مشترك برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بهدف الوصول إلى صيغة تُعيد التوازن بين المالك والمستأجر.
_إجراءات دقيقه لتحقيق التوازن
قالت النائبة ميرفت عازر، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، بأن قانون الإيجار القديم يُعد من القضايا الكبرى التي تتطلب التعامل معها بحذر شديد، موضحة أن اللجنة تقوم حاليًا بإجراء دراسات دقيقة لتحقيق التوازن بين المستأجر والمؤجر، مشيرة إلى أن مشروع قانون الإيجار القديم قيد المناقشة، وقد عُقدت ثلاث جلسات حتى الآن، تم خلالها تقديم طلب إلى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لحصر الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم، وأفادت بأن الحصر الأولي أسفر عن وجود حوالي 38 مليون وحدة سكنية، مضيفه أن اللجنة طلبت إجراء حصر تفصيلي لتحديد الوحدات الشاغرة والمغلقة والمؤجرة من الباطن.
وأضافت النائبة ميرفت عازر في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن اللجنة تعمل حالياً على الاستماع إلى آراء ومقترحات النواب، مؤكدة أن القانون لن يُطبق بشكل مباشر بل ستوجد مرحلة انتقالية لتوفيق الأوضاع لمن سيُطبق عليهم، مشيرة إلى أن غالبية هذه الوحدات يسكنها ورثة المستأجرين، بالإضافة إلى وجود مشكلة خطيرة تتمثل في أن العديد من هذه الوحدات مهددة بالانهيار في أي وقت.
واستطردت عازر: "نسعى جاهدين للوصول إلى أفضل النتائج لتحقيق التوازن والعدالة بين المستأجر والمؤجر. لم يتم تحديد موعد استكمال المناقشات بعد، وأطمئن المواطنين بأن القانون سيصدر بدستورية وشرعية تامة."
_صدور القانون يلزم إعطاء الضوء الأخضر
قال أسامة الأمير، المحامي بالنقض ومقدم مشروع قانون الإيجار القديم لعام 2016، بأنه عقد اجتماعًا مع مجموعة من الملاك والمستأجرين للاستماع إلى شكاوى الملاك، موضحا أنه قدّم مقترحًا لتعديل قوانين الإيجار القديم، مشيرًا إلى أنه تم إعداد دراسة قانونية تم توجيهها إلى الجهات المختصة بالدولة.
وأضاف الأمير، في تصريح خاص ل"بلدنا اليوم"، أنه تم إرسال المقترح إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس النواب في عام 2016، ثم أُرسل إلى مجلس الوزراء الذي رد عليه في عام 2017 بضرورة إحالته إلى مجلس النواب لاتخاذ قرار تشريعي، إلا أنه لم يتم الرد علي حتى الآن.
وأشار الأمير، إلى أن الدولة نفذت بعض التوصيات الواردة في الدراسة، ومن بينها ضرورة التزام الدولة بتوفير المسكن الملائم للمستأجرين غير القادرين في إطار الإسكان الاجتماعي.
وشدّد أسامه الأمير، على أهمية صدور قانون إيجار الأماكن الموحد لتنظيم العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر وتلافي أي قوانين مخالفة، متوقعاً بعدم اتخاذ قرارجديد بشأن قانون الإيجار القديم إلا بإعطاء الضوء الأخضر من قبل الجهات السيادية في مصر، وبدون حدوث ذلك لأن يصدر قانون الإيجار القديم.
_ مقترح ملاك العقارات للحكومة
أكد مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة، أنّ عدد الشقق السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم يُقدّر بحوالي 3 ملايين شقة، منها 2.5 مليون شقة مأهولة، بينما تبلغ نسبة الشقق الشاغرة 500 ألف شقة فقط، مشيراً إلى أنّ المشكلة الرئيسية تكمن في هذه النسبة القليلة من الشقق الشاغرة، ممّا يُعيق عملية تجديد العقارات وتحسين ظروفها.
وفي هذا الصدد، تقدّم ائتلاف ملاك العقارات باقتراحٍ للحكومة يتضمن تحمّل ملاك العقارات لمقدمات الشقق السكنية التي ستُمنح للمستأجرين غير القادرين على شراء شقق جديدة، موضحا أنّ هذا المبلغ سيتمّ خصمه من قيمة الإيجار الذي سيتُحصّله الملاك من المستأجرين خلال فترة توفيق الأوضاع التي ستُقرّ بعد تعديل قانون الإيجار القديم.
وأشار عبدالرحمن، إلى أنّ هذا الاقتراح يتوافق مع تصريحات رئيس الوزراء المصري المُعلن فيها عن تكفّل الدولة بتوفير الشقق السكنية للمواطنين غير القادرين على شرائها، ويُناغم أيضًا مقترح النائب إيهاب منصور الذي يدعو إلى حلول مماثلة.
وبشأن الوحدات التجارية الخاضعة لقانون الإيجار القديم، أكّد عبد الرحمن أنّ تطبيق نفس الحلول عليها غير منطقي، مُقترحًا اتّباع نهجٍ مختلفٍ يتناسب مع طبيعة هذه الوحدات واحتياجاتها.
واختتم حديثه قائلاً: إننا نطالب بتنفيذ توصيات الرئيس عبدالفتاح السيسي في مؤتمر حكاية وطن ، بشأن قانون الإيجار القديم.