شهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتسبب العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الماضي في سقوط أكثر من 23 ألف فلسطيني ثلثيهم من النساء والأطفال، علاوة على دمار هائل للبنية التحتية والعقارات بتدمير كلي لنحو يزيد على 50 % من وحدات القطاع السكنية وفقا لجهاز الإحصاء لفلسطيني منذ شهر، وهو ما يعني أن النسبة الان قد تقترب من 70%.
تعتبر هذه الحروب من الأحداث المأساوية التي تؤثر بشكل كبير على حياة السكان في المنطقة. تضمنت التقارير عن حرب غزة أن الأضرار البنية والبشرية كانت هائلة، مما أدى إلى تشريد الآلاف من السكان وتدهور الوضع الإنساني، ومن المهم مواصلة الجهود الدولية للتوسط والتهدئة والعمل نحو حل سياسي دائم للصراع في المنطقة.
وتقول منظمات إغاثة إنه يتعذر الوقوف على حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن الصراع في القطاع نظرا لتزايد عدد الضحايا، لكن الحال لا ينطبق على الخسائر المادية إذ ذهبت التقديرات الأولية إلى أن تكاليف إعادة بناء ما دمره القصف الإسرائيلي في غزة ربما تتجاوز عتبة الخمسين مليار دولار أي ما يعادل 46.4 مليار يورو.
وفي السياق ذاته، لم تكشف إسرائيل بعد عن خطتها بخصوص ماهية الجهة التي سوف تحكم غزة إذا نجحت في هدفها المتمثل في تدمير حماس، فيما استبعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور بغزة بعد انتهاء الحرب. تزامن هذا مع تزايد الحديث عن موضوع إعادة إعمار غزة إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا أنه نتنياهو أبلغ مسؤولين سياسيين بأن السعودية والإمارات على استعداد لتحمل فاتورة إعادة الإعمار، لكن لم يصدر أي تعليق من الرياض وأبو ظبي حيال تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية.
وفي مقال بصحيفة "فايننشال تايمز"، كتب الصحافي جدعون راشمان، كبير المعلقين بقسم الشؤون الخارجية بالصحيفة، "لقد سمعت كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يقولون بشكل صريح إن أوروبا لن تدفع تكاليف إعادة إعمار غزة (خاصة أن ما تحتاجه أوكرانيا من أموال يعد كبيرا)"، وأضاف "يبدو أن الكونغرس يعارض كافة أشكال المساعدات الخارجية".
الأونروا تقدم الجزء الأكبر من تمويل غزة...
ومع توقعات بارتفاع فاتورة إعادة إعمار غزة، تساؤل كثيرون حيال الجهة التي سوف تتحمل نصيب الأسد وتدفع الجانب الأكبر من التمويل، لكن يبدو أن الإجابة على هذا التساؤل الملح ليست بالأمر السهل في ضوء أن قضية تمويل المساعدات وإعادة الإعمار في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، دائما ما كانت تتسم بالشحن السياسي.
وتقدم الأونروا القسم الأكبر من المساعدات بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية والمدارس والعيادات الصحية إذ تعد ثاني أكبر جهة توظيف في غزة، لكنها تعرضت أيضا لانتقادات إذ صدرت تصريحات من مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية تفيد بالرغبة في التخلص من الأونروا.
أكبر 20 حكومة مانحة لبرامج وكالة الأونروا حسب أخر احصائيات
-الولايات المتحدة 343.9 مليون.
-ألمانيا 202.1 مليون.
- الاتحاد الأوروبي 114.2 مليون.
-السويد 61 مليون.
- النرويج 34.2 مليون.
-اليابان 30.2 مليون.
-فرنسا 28.9 مليون.
-السعودية 27 مليون.
-سويسرا 25.5 مليون.
-تركيا 25.2 مليون.
-كندا 23.7 مليون.
-هولندا 21.2 مليون.
-المملكة المتحدة 21.2 مليون.
-إيطاليا 18 مليون.
-الدنمارك 15.9 مليون.
-أستراليا 13.8 مليون.
- إسبانيا 13.6 مليون.
-بلجيكا 12.6 مليون.
-الكويت 12 مليون.
-قطر 10.5 مليون.
-بما في ذلك الحكومات الإقليمية.
-بما في ذلك حكومة فلاندرز.
-بما في ذلك الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
هل ستدفع إسرائيل في إعادة إعمار غزة؟
في السياق ذاته، برزت دعوات تطالب إسرائيل بدفع ثمن الأضرار التي تسببت بها على ضوء أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية أخرى تعتبر إسرائيل "قوة احتلال"، لذا يجب عليها تحمل مسؤولية إعادة البناء، وكانت إسرائيل قد وافقت عام 2010 على دفع تعويضات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بقيمة 10.5 مليون دولار مقابل المباني التي دُمرت خلال موجة سابقة من الصراع في غزة قبل ذلك بعام.
وأثارت التعويضات في حينه الجدل في إسرائيل حيث تساءل البعض عما إذا كانت التعويضات تحمل في طياتها اعترافا إسرائيليا ضمنيا بالمسؤولية، فيما طالبت منظمات حقوقية إسرائيل بدفع المزيد للضحايا، لكن يبدو أن ذلك مثل حالة نادرة وافقت فيها إسرائيل على دفع تعويضات، ومنذ بداية حرب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، وقصف إسرائيل قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني مع توسيع عملياتها البرية في القطاع ومنع دخول الغذاء والمياه والكهرباء ومعظم المساعدات إلى القطاع.
وأسفر القتال والقصف في غزة عن تدمير أكثر من نصف المباني اي ما يقدر بقرابة خمسين ألف وحدة سكنية مع تضرر أكثر من مائتي ألف وحدة أخرى فضلا عن تدمير عشرات المستشفيات ومئات المدارس والمباني الحكومية والمنشآت الزراعية. وقد جرء بناء هذه المرافق التي تم تدميرها من تبرعات الجهات المانحة.
وكان خلال موجة الصراع الأخيرة في غزة عام 2021، جرى تدمير حوالي ألف وحدة سكنية وتجارية مع تضرر أكثر من 16 ألفا من السكان وستين مدرسة فيما بلغت فاتورة إعادة الإعمار في حينه حوالي 8 مليارات دولار (7.4 مليار يورو).
وقالت مارتا لورينزو، مديرة مكتب الأونروا في أوروبا، إن الصراع الحالي غير مسبوق على صعيد الأضرار والدمار، ولا يمكن مقارنة هذا الصراع بأي حرب سابقة في غزة." وأشارت إلى أنه "من الصعب للغاية الآن معرفة تكلفة إعادة الإعمار، لكنها لن تكون مسؤولية جهة مانحة واحدة فقط، وسيتم عقد مؤتمر للمانحين مع انتهاء العنف إذ نتوقع أن يتقاسم المجتمع الدولي مسؤولية إعادة الإعمار".
هل ستشارك الدول العربية في إعادة إعمار غزة؟
ساهمت مصر عام في إعادة إعمار قطاع غزة بمبلغ 500 مليون دولار عام 2021، والان على استعداد للمساعدة مرة أخرى في إعادة الاعمار، وأيضا هناك استعدادا لدى دول الخليج لاستثمار مبالغ كبيرة في إعادة إعمار قطاع غزة، ولكن بشروط حسب ما نقلته صحيفة إسرائيلية وهما شرطين، الأول: وجود خارطة طريق لحل القضية الفلسطينية، والثاني: إجراء تغييرات كبيرة يتعين على السلطة الفلسطينية القيام بها، بما يتضمن مناصب في القيادة أيضا، وفق كان الإسرائيلية.
وخلال الأيام القليلة الماضية، كانت هناك عدة تقارير، تفيد بأن "الإمارات ستدفع بالفعل تكاليف إعادة البناء في غزة، ولكن فقط إذا تم ضمان حل الدولتين". ولكن براون يقول إن "التوصل إلى حل دائم يبدو غير مرجح في الوقت الراهن".
وكشف المركز العربي بواشنطن، أنه "في الوقت الحالي، هناك الكثير من الأسئلة دون إجابة"، مستفسر "إذا لم يكن هناك حكم شرعي في غزة، فهل سيكون المانحون مرتاحين لإرسال عشرات الملايين من الدولارات؟ يريدون بعض الضمانات لمستقبل سياسي من نوع مختلف قبل أن يرسلوا كل هذه الأموال مرة أخرى".
كما أشار إلى أنه "إذا كان الأوروبيون والأمريكيون غير راضين حقاً عن تعرض الدفيئات الزراعية والمدارس والمستشفيات التي يساعدون في بنائها لدوامات متكررة من العنف، فيتعين عليهم أن يبذلوا محاولات أكثر تصميما للمساعدة في حل الحرب الفلسطينية الإسرائيلية".
الخسائر في حالة استمرار الحرب لشهور
أكد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه في حالة استمرار الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، لشهور مقبلة، فإن حجم الضرر من الناحية الاقتصادية وما سيلحق به من خسائر لن تستطيع إسرائيل تحملها، كل يوم إضافي يستنزف الكثير من القوى العاملة المعطلة والمحاصيل الزراعية التي تتضرر وقطاع السياحة المتوقف؛ بمعنى آخر "اقتصاد معطل من الإنتاجية"، ذلك الأمر سيترتب عليه ارتفاع الدين بالموازنة الإسرائيلية، وأيضاً سيؤدي إلى الضغط على العملة أمام الدولار، الحال أيضاً بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني المنهك بالأساس، والذي يحتاج إلى عديد من المساعدات المالية والفنية.