حزمة التيسيرات الضريبية الجديدة بين الواقع والمأمول

الاثنين 12 مايو 2025 | 03:43 مساءً
د.ياسر حسين الخبير الاقتصادي
د.ياسر حسين الخبير الاقتصادي
كتب : محمود حاحا

قدمت مصلحة الضرائب المصرية حزمة من التيسيرات الضريبية الجديدة في محاولة تستهدف التوسع في المجتمع الضريبي المصري، وللحد من الاقتصاد غير الرسمي والتوسع في الاقتصاد الرسمي، والسعي لإنهاء أكبر عدد ممكن من النزاعات الضريبية، مع استهداف زيادة الحصيلة الضريبية.

وأكد الخبير الاقتصادي ياسر حسين أن واقع مجتمع الأعمال في مصر يحتاج إلى مزيد من التيسيرات والتسهيلات الإدارية والضريبية، من أجل تنقية مناخ الأعمال في مصر وتوفير بيئة اقتصادية أكثر جاذبية للاستثمار والأعمال.

وأشار "حسين" في تصريحات خاصة لـ بلدنا اليوم إلى أن عنوان دعاية الإعلان للتسهيلات الضريبية عبارة عن (لا تقديرات جزافية بعد الآن)، دليل واضح على أن تعامل مصلحة الضرائب في الماضي كان بتقديرات جزافية، مما يستوجب أن يتم تقديم إعفاءات وتيسيرات وتسهيلات بشكل أكبر للممولين عن الفترات السابقة، وذلك من اعتراف المصلحة.

واقترح عددًا من الاقتراحات لجعل هذه التيسيرات والتسهيلات أكثر فعالية، وأكثر جذبًا للاستثمار، وأكثر شمولًا لملايين المشروعات بالاقتصاد غير الرسمي لضمهم إلى الاقتصاد الرسمي.

وتضمنت هذه الاقتراحات الآتي:

يجب أن يتم وبوضوح الإعفاء الضريبي لكافة المشروعات متناهية الصغر والصغيرة عن الفترة من 2014 حتى 2024، لكونها فترة شهدت حدوث خمس تعويمات للجنيه وانكمشت معها رؤوس الأموال للمشروعات إلى الخُمس، كما أن هذه الفترة كان بها أزمة وباء كورونا وأزمة روسيا وأوكرانيا وأزمة إسرائيل مع غزة، شكلت ضغوطًا ومعاناة على أصحاب تلك المشروعات.

يجب رفع الحد الأدنى للتسجيل بضريبة القيمة المضافة من نصف مليون جنيه أعمال سنويًا إلى 2 مليون جنيه أعمال سنويًا، ذلك لأن قيمة الجنيه المصري اختلفت وانكمشت عن فترة تحديد حد النصف مليون جنيه الساري الآن للتسجيل بضريبة القيمة المضافة، واقترح زيادة ورفع الحد إلى 2 مليون جنيه كتيسير ضريبي مطلوب يتماشى مع التضخم المعاصر وانكماش قيمة الجنيه.

من الضروري التوسع في السلع والخدمات المعفاة من ضريبة القيمة المضافة لتخفيف الضغوط التضخمية عن المنتجين وعن المواطنين المستهلكين بالحصول على سلع وخدمات غير محملة بضريبة القيمة المضافة، فالسعر السلعة أو الخدمة سيكون أقل، مما يخفف الضغوط عن كل من المنتج والمستهلك.

النافذة الإلكترونية للضرائب لا تقبل الأنشطة غير المرخصة، مما يفقد التيسير مسماه، ويصبح هناك حائلٌ ومانعٌ للانضمام بالمنظومة للملايين من مشروعات الاقتصاد غير الرسمي غير المرخصة، وللتيسير يجب أن تقبل المنظومة الانضمام لكل مشروع له بطاقة ضريبية.

هناك صعوبة في التقديم عبر النافذة الإلكترونية لمصلحة الضرائب يواجهها الملايين من أصحاب المهن والحرف البسيطة، مما يجعلهم يصرفون النظر عن الانضمام ويفضلون بقائهم في الاقتصاد غير الرسمي، والصواب هو فتح الانضمام عبر مسار المنظومة الإلكترونية أو عبر مسار التوجه لمصلحة الضرائب مباشرة.

التيسيرات الجديدة وضعت ضريبة قطعية من حجم الأعمال وألزمت بها كل ممول يرغب في الانضمام والاستفادة، ولكن معلوم أن هناك مشروعات نتيجة أعمالها السنوية خاسرة، مما يشكل تناقضًا فجًا، ويجب إعفاء المشروعات الخاسرة، كما يفترض خيال مأموري الفحص الضريبي تطور المشروع ونموه من متناهي الصغر إلى صغير إلى متوسط، على خلاف الواقع، مما يعد وجهًا جديدًا منفّرًا من وجوه التقدير الجزافي البغيض.

المأمول من هذه التيسيرات الضريبية أن يكون بها إلغاء للفوائد المتراكمة على الممولين من أصحاب المشروعات، للتخفيف عنهم طالما أن العنوان لهذه التيسيرات هو صفحة جديدة.

أرى أن تُفتح المأموريات أبوابها لأصحاب البطاقات الضريبية الملتزمين بتقديم الإقرارات في مواعيدها في السنوات السابقة بانتظام ولم يتم محاسبتهم ضريبيًا، ويتم محاسبتهم بشكل مبسط للغاية وسريع، وهو كالآتي:

عدد سنوات المحاسبة الضريبية × قيمة الضريبة القطعية من حجم الأعمال السنوية وفقًا للبطاقة الضريبية والإقرار

مع استلام المخالصة الضريبية بمجرد السداد من الممول للمصلحة، بعيدًا عن الروتين والبيروقراطية، ولزيادة الحصيلة بكفاءة وفاعلية.

واقترح أن كل صاحب مشروع متناهي الصغر تحت حد الانضمام للقيمة المضافة وأوجد لنفسه فرصة عمل واستخرج بطاقة ضريبية وسجلًا تجاريًا وبرنت تأمينات يُعفى ضريبيًا عشر سنوات، ولا يتم إلزامه بالإيصال الإلكتروني، وذلك لأنه خفف عن الدولة من إشكالية التشغيل والتوظيف وأوجد لنفسه فرصة عمل وساعد في الحد من البطالة، مما يعطيه فرصة للنمو والتوسع والمحاسبة الضريبية مستقبلًا.

يجب على صناع القرار مراجعة التكلفة الكبيرة لاستخراج الأوراق التي يتم بها تسجيل المشروع في الاقتصاد الرسمي، فعلى سبيل المثال فتكلفة السجل التجاري وحده الآن عدة آلاف من الجنيهات، فما بالنا ببقية متطلبات تسجيل المشروع بالاقتصاد الرسمي؟ فالتكلفة كبيرة تحتاج لإعادة النظر، لكونها حاجزًا ماديًا عاليًا منفّرًا للمشروع في الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي.

واختتم حديثه بأن المجتمع الاقتصادي المصري يحتاج لمزيد من التيسيرات والتسهيلات الإدارية والضريبية بشكل أكبر من المتاح الآن، فما زالت بعض أجهزة الدولة تتعجل الحصاد من المشروع المتناهي الصغر أو الصغير بجباية ومغالاة تجعل الانضمام للاقتصاد الرسمي منفّرًا (فكيف تطلب من الكتكوت اللحم والبيض؟ والمطلوب المنطقي هو فترة زمنية للنمو والتطور ثم بعد ذلك يتم جني وحصاد اللحم والبيض باستدامة).

وأشار إلى أن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة تحتاج إلى مدة نمو للتطوير وللتوسع في حجم أعمالها لتنطلق كي تكون مشروعات مستدامة وليست وقتية، وهو المطلوب للتنمية المستدامة في مصر.