تعيش جماعة الإخوان على وقع أزمة جديدة فجرها سجال داخلي، جرى مؤخرا، حول المشروع السياسي لها، إذ أعلن مسؤول القسم السياسي في جبهة لندن حلمي الجزار، في لقاء أجرته معه قناة فضائية مقربة من الجماعة عن ما سماه "رؤية الإخوان السياسية للمشهد الجاري في مصر"، مضيفًا أنها قررت عدم المنافسة على السلطة وذلك ضمن رؤية جديدة تتبناها بناءً على مراجعات أجرتها لمسيرتها خلال السنوات العشر الماضية.
وفي المقابل، ردت جبهة إسطنبول التي يقودها محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد الوحيد، خارج السجون، والقائم بأعمال المرشد في الجبهة بأن الرؤية التي أعلنها حلمي الجزار تُعبر عن قناعاته الشخصية ولا تعكس وجهة نظر الجماعة التي تمضي في مشروعها السياسي وتعتبره جزءًا أصيلًا من مشروعها العام.
وجددت الرؤى المتناقضة حول المشروع الخلافات التنظيمية بين الجبهتين المتناحرتين، وبدا من تعاطيهم مع ملف العمل السياسي أن الخلافات حولت الجماعة لما يشبه جماعتين منفصلتين وليس مجرد جبهتين مختلفتين لجماعة واحدة.
محاولة القفز للأمام بـ"المشروع السياسي"
ولم تقدم "رؤية الجماعة السياسية" التي أعلنها حملي الجزار، مسؤول القسم السياسي في جبهة لندن والذي يشغل أيضًا منصب نائب القائم بأعمال المرشد في الجبهة وعضوية الهيئة الإدارية العليا التي تعمل كبديل مؤقت لمكتب الإرشاد أي جديد، إذ سبق أن تحدثت عنها الجماعة في مناسبات متفرقة، منها أثناء الاحتفال الذي أُقيم لتنصيب القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق، وكذلك أصدرت بيانات رسمية تضمنت إشارات لهذه الرؤية.
ووفقًا لما ذكرته جبهة لندن فإن الرؤية السياسية الجديدة تنص على أن تعتزل الإخوان المنافسة على السلطة السياسية لمدة 10 سنوات، تركز فيهم على العمل المجتمعي والدعوي، وتسعى لإعادة بناء شبكاتها الاجتماعية.
وتهدف الجماعة عبر تسويق فكرة اعتزال المنافسة على السلطة السياسية لفتح الباب أمام فكرة المصالحة معها، إذ يتزامن طرحها مع تحركات ومغازلات تقوم بها الإخوان تجاه دول خليجية.
ويركز مشروع الرؤية السياسية الذي يُفترض أنه يتضمن إطار العمل السياسي للإخوان على محاولة استقطاب القوى السياسية المعارضة للإخوان والبحث عن تفاهمات معها، بعد سنوات من نبذ الإخوان والإطاحة بها من الحكم في مصر عام 2013، وهو ما نص عليه حلمي الجزار في لقاءه التلفزيوني الأخير.
وفي الحقيقة فإن المشروع الإخواني المزعوم ليس جديدًا ولا يمثل إلا محاولة للقفز للأمام من أجل الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها الجماعة منذ نحو 10 سنوات، كما أنه يعبر عن رغبة جبهة لندن في تسويق نفسها سياسيا بصورة تختلف عن جبهة إسطنبول التي تتمسك بالإطار التقليدي للإخوان، بحسب مراقبين.
وسبق أن تحدث المرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي عن إمكانية القبول بجماعة الإخوان في المشهد السياسي مرة أخرى، كما رحب محمد أبو ديار المنسق العام لحملة المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، في تصريحات صحفية سابقة، بعودة جماعة الإخوان للمشهد السياسي مرة أخرى، قائلًا إنه لا يستبعدهم ولا يرى أنه من الطبيعي أن يتم استبعادهم أو غيرهم من المشهد.
وبدورها، اعتبرت جبهة إسطنبول، في بيان أصدرته، أن الرؤية السياسية التي نتحدث عنها حلمي الجزار تعبر فقط عن قناعاته الشخصية، ملمحةً إلى أن قيادة الإخوان بما في ذلك المتواجدين في السجون ومن تبقى من أعضاء مجلس الشورى العام يرفضون بشكل كامل فكرة المصالحة مع الحكومة المصرية من الأساس على حد تعبير البيان.
وأشارت جبهة إسطنبول إلى أن الجماعة لديها رؤية سياسية تقوم على التحالف مع القوى السياسية التي تقبل التحالف معها، لكنها ترفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على حد قولها.
خبراء: الإخوان تناور والانقسامات تفتتها
بدورهم، اعتبر الخبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أن فكرة المصالحة التي تسعى الإخوان للوصول إليها عبر ترويج فكرة المصالحة مع الجماعة ليست مطروحة من الأساس.
وقال ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن حديث حلمي الجزار، مسؤول القسم السياسي في جبهة لندن عن مشروع أو رؤية سياسية لجماعة الإخوان ليس إلا مناورة تكتيكية من قبل الجماعة ولا يعكس وجود رغبة حقيقية داخلها لتغيرها نهجها أو استراتيجيها السياسية.
وأضاف "فرغلي" لـ"بلدنا اليوم" أن هناك تحولات تكتيكية طفيفة وضعيفة التأثير حدثت في موقف جبهة لندن وتحاول أن تروجها لأنصارها وللقوى السياسية المختلفة، لكن قناعات الجماعة الحقيقية لم تتغير، وبالتالي فالحديث عن مشروع سياسي مختلف أو جديد مجرد سعي منها للحصول على مكاسب أو غسل سمعتها الملطخة.
وأشار الباحث في شؤون الإسلام السياسي إلى أن فكرة المصالحة مع الإخوان غير مطروحة كما أن الجماعة منقسمة على نفسها وكل جبهة فيها تدعي أن تتحدث باسم الإخوان ككل وهو ما يعكس عمق أزمتها الداخلية.
ومن جانبه، أوضح عبد الخالق بدران، الصحفي المتخصص في شؤون جماعة الإخوان، أن حديث حلمي الجزار لم يأت بجديد فالرؤية السياسية أو المشروع السياسي الجديد للإخوان سبق أن تم طرحه في أعقاب الخلافات التنظيمية التي حصلت بين جبهتي لندن وإسطنبول أواخر عام 2020.
وأكد "بدران" لـ"بلدنا اليوم" أن الرؤية السياسية التي يتحدث عنها حلمي الجزار هي مجموعة من الاجتهادات السياسية التي صاغها القسم السياسي للإخوان ضمن وثيقة الرؤى السياسية للجماعة بعد سلسلة من الجلسات والاجتماعات التي عقدها وشارك فيها شباب من الجماعة، مردفًا أن هدفه هذه الرؤية إعادة طرح الجماعة سياسيًا وتسويقها في خارج مصر لتحقيق مصالح ذاتية لها.