شهدت الفترة الأخيرة زيادة في توافد العديد من الأجانب إلى مصر، وخاصة من الدول العربية التي تعاني من صراعات داخلية وحروب أهلية، واستجابة لهذا التحدي، قرر مجلس الوزراء المصري اتخاذ إجراءات لتوفيق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر بطرق غير شرعية، وتقنين إقامتهم خلال فترة ثلاثة أشهر، وفي إطار هذا القرار، يتوجب على المقيمين تسديد رسوم إصدار الإقامة التي تصل إلى 1000 دولار.
ففي هذا الشأن سنتعرف على الاحتمالات والتأثيرات المحتملة التي يعكسها القرار علي العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياحية.
عضو لجنة العلاقات الخارجية: ما تقوم به الحكومة هو ممارسة سلطاتها وحقوقها على أراضيها
وقالت النائبة سهام مصطفى، عضوة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، إن قرار مجلس الوزراء بتوفيق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر جاء متأخرًا، وذلك من وجهة نظرها الشخصية، وأشارت إلى أنه يعمل على زيادة الصعوبة وكان يجب تنفيذه والشروع في تطبيقه منذ بداية دخول الأجانب إلى مصر.
وأضافت البرلمانية، أن مصر شهدت إقبالاً كبيرًا من اللاجئين السوريين والليبيين والسودانيين، وكان من الضروري اتخاذ هذا القرار لتنظيم هذه الأعداد والتعرف على توجهاتهم ووضع نظام يحكمهم وفرض الرسوم عليهم، وهو أمر طبيعي، مشيرة إلى أن مصر ليست الوحيدة التي تفرض رسوم على المقيمين في أراضيها، وأشارت أيضًا إلى الشروط والضوابط التي تفرضها دول أوروبا في إصدار التأشيرات والإقامات.
وتابعت: هناك بعض الدول التي تمارس سياسات صارمة فيما يتعلق بمنح تأشيرات الدخول، وغالبًا ما تفرض رسوم غير قابلة للاسترداد قبل إصدار التأشيرة، وقد يتم رفض طلبات التأشيرة بدون ذكر أسباب محددة، وهذا يمكن أن يكون محبطًا للأشخاص الذين يحاولون السفر إلى تلك الدول.
على الرغم من أن هذا الأمر قد يبدو غير عادلًا، إلا أن منح التأشيرات ورفضها يعتبر جزءً من سيادة الدولة وحقها في تحديد من يمكنه الدخول إلى أراضيها، وغالبًا ما تستند سفارات الدول إلى معايير محددة لاتخاذ قراراتها بشأن تأشيرات الدخول، مثل الأغراض المقصودة للزيارة، والوثائق المقدمة، والظروف الشخصية للمتقدم.
وأوضحت سهام مصطفى، أن ما تقوم به الحكومة هو ممارسة سلطاتها وحقوقها على أراضيها، وهذا أمر ليس فيه مشكلة أو نقاش، باستثناء أصحاب الأغراض الخاصة، أشادت بالحكومة لأنها وضعت نفسها في موقف صعب بسبب تأخرها في صدور القرار، وأشارت إلى أن الحكومة تسعى الآن إلى تقنين أوضاع الأجانب المقيمين بطرق غير شرعية وتحديد أماكنهم وأعدادهم ووجهات اللجوء التي جاءوا منها.
وأعربت النائبة، عن تقديرها وشكرها للحكومة بسبب تحمل قرارها بتأخير صدور قرار تنظيم أوضاع الأجانب المقيمين بطرق غير شرعية، وأشارت إلى أن الحكومة تعمل الآن على تحديد أعداد ومواقع الأجانب ومصادر اللجوء التي جاءوا منها، وهذا يأتي في إطار سعيها للتصدي لدخول أي شخص غير مرغوب فيه إلى أراضي مصر والإقامة فيها.
كما أكدت مصطفى، أن الأجانب الذين يقيمون في مصر بطرق غير شرعية غالبًهم يأتون من مناطق تعاني من صراعات داخلية وتواجد جماعات إرهابية ومتطرفة، وأشارت إلى قدرة مصر على تنفيذ هذا القرار.
وفيما يتعلق بالتهديدات التي يشكلها العدد الكبير من الأجانب على الأمن القومي واستنزاف الموارد، أوضحت النائبة مصطفى أن هناك مناطق في دول يتجاوز عدد الأجانب فيها عدد السكان المحليين، ومع ذلك لا تواجه صعوبات في التعايش معهم بسبب قوة الأنظمة الحاكمة في تلك المناطق، فلا أحد يستطيع أن يغير الملامح الهوية المصرية.
وأكدت عضو لجنة العلاقات الخارجية، أن مصر قادرة على تطبيق هذا القرار، وأنها دولة عريقة وذات مؤسسات قوية، وأوضحت أن وضع الأنظمة واتخاذ القرارات سيساعد على ضبط وحوكمة الأجانب في مصر، وأنه من خلال النظام والقوانين يمكن السيطرة على الأجانب المقيمين بطرق غير شرعية.
واختتمت حديثها بأن هذا القرار لا يؤثر على العلاقات الخارجية والدبلوماسية مع الدول الأجنبية، وأنه حق مكتسب لمصر في تحديد وفرض الرسوم على إصدار التأشيرات والإقامة داخل أراضيها، ولا يحق لأي دولة أو منظمة أن تتدخل في شؤون مصر أو قراراتها.
السفير رخا أحمد: القرار لا يؤثر على العلاقات الخارجية والدبلوماسية مع الدول الأخرى
وفي تصريحات للسفير رخا أحمد، أحد أعضاء المجلس المصري للشئون الخارجية والمساعد السابق لوزير الخارجية، أكد أن الهدف الرئيسي لقرار مجلس الوزراء المصري هو ضبط إقامة الأجانب المقيمين في البلاد، وأشار إلى أن هذا القرار لا يؤثر على العلاقات الخارجية والدبلوماسية لمصر، بما أن دول العالم جميعها تفرض رسومًا على إصدار تأشيرات الدخول إليها، وهذا النظام شائع ومعتاد في جميع أنحاء العالم وليس بالجديد.
وأضاف أحمد، أنه في الفترة الأخيرة، شهدت مصر زيادة في توافد العديد من الأجانب، خاصة من دولة سوريا واليمن وليبيا والسودان، ولاحظ أن العديد منهم يقيمون في مصر بدون تأشيرات أو تصاريح إقامة، وإذا كانوا يرغبون في الاستمرار في البقاء في البلاد، فعليهم أن يسارعوا في تقديم طلباتهم لتوفيق أوضاعهم، وسيتم دراسة هذه الطلبات من قبل الحكومة لاتخاذ القرار المناسب.
وأشار أيضًا إلى وجود بعض الأشخاص الذين يحملون إقامات منتهية المدة واستمروا في البقاء في البلاد دون تجديدها، وعند رغبتهم في تجديد الإقامة، سيتعين عليهم دفع الرسوم بالعملة الأجنبية وليس العملة المحلية، وذلك بموجب هذا القرار، وأوضح أن هناك دولًا كثيرة تفرض شروطًا محددة لإصدار تصاريح الإقامة بها، مثل الاستثمار بمبالغ مالية ضخمة داخل الدولة بالعملة الأجنبية، وهذا يعادل ملايين الدولارات، في حين تفرض دول أخرى رسومًا بسيطة ومتوسطة.
المستشار الإعلامي لوزارة السياحة: هذا القرار لا يتعلق بالسياحة ولا يؤثر علي السائحين في شيء
ومن جانب آخر، وتعليقًا علي قرار مجلس الوزراء بتوفيق أوضاع الأجانب المقيمين في مصر قالت نيفين العارف المستشار الإعلامي لوزارة السياحة، أن هذا القرار ليس له علاقة بوزارة السياحة ولا يخص السائحين بشيء، ولا يحدث أي تأثير على النشاط السياحي ،وانما يخص الأجانب المقيمين في مصر.
خبير اقتصادي: قيمة الرسوم لا تمثل عبء مادي كبير مقابل الاستقرار والخدمات التي سيحصلون عليها
ومن الناحية الاقتصادية لهذا القرار، يقول الدكتور كريم عادل الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن هذا القرار يأتي في إطار مساعي الدولة لتوفير النقد الأجنبي وهي خطوة على الطريق الصحيح التي تأخرت كثيرًا، وكان يمكن إصدارها وتنفيذها منذ فترة كبيرة للاستفادة من عدد الأجانب الوافدين والمقيمين على الأراضي المصرية وفي أعداد متزايدة بصورة سريعة من جنسيات مختلفة ، ومن الممكن زيادة هذه الرسوم تدريجيًا بحسب سنوات الإقامة المطلوبة أو التي يتم تجديدها .
وأضاف الخبير الاقتصادي، فالدولة المصرية لديها أدوات عديدة لتنمية مواردها الاقتصادية وتوفير النقد الأجنبي خاصة من قطاع السياحة ، إضافة إلى الاستقرار الأمني والسياسي والتعليمي الذي تتمتع به الدولة المصرية مما جعلها جاذبة للأجانب الباحثين عن استقرار اجتماعي واقتصادي لهم ولأسرهم .
وأوضح "عادل" فالحاجة إلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي تدفع المقيمين الأجانب لقبول هذا القرار ، إضافةً إلى أن قيمة الرسوم بالنسبة لهم لا تمثل عبء مادي كبير مقابل الاستقرار والخدمات التي سيحصلون عليها على الأراضي المصرية.
وفي نفس السياق، لا سيما وأن الغالبية العظمى من فئة المقيمين الأجانب وبعض الجنسيات منها تتمتع بوفرة مادية واستقرار مادي ، والبعض الآخر أصبح يدير مشروعات أو يعمل لدى الغير ، فمهما كان عبء الرسوم فهو أقل بكثير من العوائد المادية التي يحصلون عليها أو ما توفره لهم الدولة المصرية من استقرار أمني فقدوه في بلادهم وأصبحوا على استعداد لسداد أي قيمة مقابل هذا الاستقرار.