المخدر كلمة عندما نسمعها قد ترد في أذهاننا بمعنيين متضادين المعنى الأول كنوع من المسكن أو مما قد يدخل في الدواء أما النوع الثاني, فهو أخطر وأبشع بل هو الداء بحد ذاته ولعلنا لا يغيب عن أذهاننا ما يقود له تعاطي هذا الداء من إدمان و خراب نفسي وبدني ليس فقط على المستوى الشخصي, كدمار فرد واحد بل على مستوى المجتمع كله كدمار عائلات وأسر كاملة كانت سعيدة.
ولعلنا عند ذكر هذا الاسم أو سماعه تستحضر أذهاننا صورًا عن الخراب والألم والأذى اللاحق بهذه الأسرة سواءً كانت صورًا واقعية أو مشاهد عرضتها لنا السينما والتيلفزيون في فيلم أو مسلسل بغرض زيادة الوعي بمخاطر المخدر وتعاطيه وإدمانه بل وظهرت العديد من الأغنيات والإعلانات التوعوية مبادرةً من الحكومة والسيد الرئيس بهدف حماية الشباب من هذا الخطر بأنواعه المعروفة التي شاهدناه وقرأنا عنها في نشرات التوعية أو في تلك الأفلام والمسلسلات لكن النوع الذي نتحدث عنه اليوم هو نوع لم يسبق لنا رؤيته حيث لا يمكننا أن نرى أو نلمس هذا النوع أو ندركه بعيوننا.
نوع جديد من المخدر خطر العصر الرقمي:
إننا نقف اليوم يا سادة أمام نوع جديد من المخدر، نوع يواكب العصر الرقمي الذي نحياه الآن، نوع لا يمكن أن نكتشف مدمنيه بالكشف الطبي أو حتى الأشعة السينية نحن أمام المخدرات الرقمية.
ويتم تعاطي هذا المخدر عن طريق الاستماع لنوع معين من النغمات ووضع السماعات في كلتا الأذنين، فالإيقاعات الموسيقية الصادرة من هذه الملفات تكون متباينة بين الأذنين، ومن خلال العصب السمعي تنتقل الإشارات المدركة سمعيًا إلى الدماغ لتؤثر على مستوى التفاعل الكهروكيماوي للنواقل العصبية بين خلال الدماغ والجهاز العصبي.
ما هو المخدر الرقمي:
ووضح أخصائي العلاج النفسي "ناصر بن راشد الغداني" أن الأمواج الصوتية التي يستمع إليها كمخدرات رقمية تكون مختلفة التردد، فلو تعرضت الأذن اليمنى إلى موجة 325 هرتز واليسرى إلى موجة 315 فيقوم الدماغ وبشكل أوتوماتيكي على توحيد الترددات بين الأذنين للوصول إلى مستوى واحد، فمحاولة الدماغ توحيد الترددين المبثوث في كلتا الأذنين للحصول على مستوى واحد من الصوت يؤدي لحدوث اضطراب في وظائف الدماغ.
كيف يؤثر المخدر الرقمي:
تحتاج المخدرات الرقمية إلى أجواء خاصة بها للحصول على التأثير المرغوب والنشوة كالانفراد في غرفة هادئة والاسترخاء وتغطية العينين والاستماع لهذه النغمات, مع وضع السماعات في كلتا الأذنين مما يحاكي تأثير المخدرات التقليدية التي يتم تعاطيها عن طريق الفم أو الحقن أو الاستنشاق، فيمكن للمخدرات الرقمية أن تحدث ذات الأثر المترتب على تعاطي الكوكايين من نشوة وتأثير نفسي من خلال بث ترددات معينة تحضر الدماغ لنشوة المخدر الحقيقي حتى لو لم يتم تعاطيه.
نتائج تعاطي المخدر الرقمي وإدمانه:
ولإن لكل مخدر عواقب وخيمة ونتائج سلبية تنتج عنه فكالعادة يسبب إدمان هذا المخدر حيث ينتج عنه: أعراض انفعالية من العصبية والاكتئاب وحدة الطباع والميل للوحدة والانعزال ,ويفسر الغداني: "ذلك بحدوث تداخل حسي ينشب عنه تهيج الدماغ بدرجتين متضادتين تتراوح بين العصبية والانبساطية بدرجة تسبب المتعة والعبث بالحالة الانفعالية مما يتسبب في إفراز هرمون الدوبامين وهو هرمون السعادة، بينما تسبب العصابية إفراز هرمون الأدرنالين والنورادرنالين وهو هرمون الانقباض والخوف وتوقع المخاطر وإفراز هرمونيين في وقت واحد قد يسبب تسممًا دمويًا وصدمة عصبية تؤدي بالفرد إلى التشنج، كما تؤدي الازدواجية وتضارب الانفعال بين الانقباض والحزن والكآبة الشديدة والفرح والسعادة والبهجة إلى حالة الاكتئاب الانفعالي (ثنائي القطب) أو الاكتئاب الهوسي، وعليه فإن العقل يحاول جاهدًا إيجاد التعادل بين الترددين، فيرهق الدماغ في محاولة لإعادة ضبط نصفيه", وبهذا يتحول متعاطي هذا النوع من المخدر إلى شخص مهزوز حاد للطباع يمتلك أعنف ردات الأفعال على أبسط الأمور وغير قادر على القيام بأبسط المهام الواجبة لحياته كإنسان من مأكل أو مشرب بل ويفقد تمامًا التواصل الكامل مع العالم الخارجي.
أنواع المخدرات الرقمية:
هناك العديد من الأنواع كما أشار الغداني، فهناك الأسطورة البلورية Crystal myth وهي نوع من النغمات الهادئة التي تبعث على الاسترخاء والهلوسة والهدوء وتبعث في النفس النشوة والشرود الذهني من خلال توارد الذكريات الأليمة وهي من النوع الدافعي الهادئ الذي يبعث أحلام اليقظة والبهجة في آن واحد، أما النوع الآخر فهو ما يعرف بالموجة العالية heavy metal وهي نوع من النغمات الصاخبة التي تتسبب في حدوث تحفيز لجميع خلايا الجسم والدماغ والعمل على تحفيز الدماغ بصورة مذهلة، بالتالي تزيد من نشاط الفرد بصورة أكبر من طاقته الحقيقية.
كما لفت الغداني إلى أن مستشار اللجنة الطبية في الأمم المتحدة طبيب الأعصاب راجي العمدة قد تحدت بأن الذبذبات والأمواج الصوتية لمتعاطي المخدرات الرقمية تؤدي إلى تأثير سيئ على مستوى كهرباء المخ كونها لا تشعر المتلقي بالابتهاج فحسب، بل تؤدي به إلى ما يعرف بالشرود الذهني، وهي من أخطر اللحظات التي يمكن أن يصل إليها الدماغ، إذ تؤدي إلى لانفصال عن الواقع، وانخفاض مستوى التركيز، كما أن تكرار حالة الشرود الذهني قد تؤدي إلى مستويات تشنج وزيادة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم، وهذا ما تم ملاحظته لبعض الحالات الذين اعتادوا تعاطيها إذ يمكن ملاحظة الهلوسة والتشنج والارتجاف وتسارع النفس وسرعة ضربات القلب.
هل قد يؤدي للوفاة:
نظرًا إلى حداثة هذه الظاهرة فلا توجد أي بحوث دقيقة تؤكد علاقة تعاطي المخدرات الرقمية في إحداث الوفاة، فالظاهرة ما زلت غير مفهومة لدى بعض المتخصصين، ويوضح حواط أنه لم يتم تسجيل حالة وفاة بسبب تعاطي المخدرات الرقمية، فهذا النوع ليس فيه تعاطي الجرعة الزائدة التي قد تؤدي إلى الوفاة، كما هي حال المخدرات التقليدية.
أثبت العلم أن المخدرات التقليدية تؤثر بشكل كامل على فعاليات الجسم، في حين تبقى المخدرات الرقمية بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لكي تقنع المجتمعات بمدى تأثيرها على صحة الدماغ.
الإدمان الخفي:
كما أشار جوزيف شارل حواط رئيس جمعية جاد، وهي أول جمعية عربية للحد من المؤثرات العقلية تأسست عام 1981م غلى أن هذا النوع من الإدمان هو"الإدمان الخفي"، فهذا النوع من الممكن أن يتعاطاه المراهق في غرفته ومع صديقيه ومن دون وجود مواد ملموسة لذلك يصعب اكتشافه، وهناك مواقع إلكترونية مجانية تروج للمخدرات الرقمية بنفس أسماء المخدرات التقليدية (الهيروين والكوكايين) لكي تكون وسيلة لجذب المراهق إليها.
كما يشير الغداني إلى أن الباحث حول معرفة المخدرات الرقمية يقف دائمًا في حالة من التعجب الكبير إزاء الحيل والأساليب الخداعية لمروجي هذه الأنواع "يومًا بعد يوم نكتشف أشياء جديدة لإغواء الشباب وإيقاعهم في هذا الإدمان الخطر، فالمروجون يدخلون بعض التسميات الجذابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد تستقطب صغار السن والمراهقين والشباب التي تجذبهم لإدخال البهجة ونسيان همومهم مثل تسميات (الوناسة) أو (المنسية)، أو بتسميات تستوحي لذة الطعم وجمال المنظر مثل (الفراولة) أو (البرتقالة) وغيرها، وبعضها يرتبط بالقوة والنشاط والحيوية وبعضها بالإغراءات".
إنكار بعض الدول لوجود المخدر الرقمي:
يرى حواط أن بعض الدول العربية لا تريد الاعتراف بوجود هذا النوع من المخدرات مع أنه موجود عالمياً، وإذا بقينا نتجاهله سيكون هو "المخدرات المستقبلية" التي ستستخدم بكثرة، مشيراً إلى غياب وجود مدمنين في العالم العربي على المخدرات الرقمية، لكن ما يوجد هو متعاطون وبعد برهة من الزمن سنصل إلى مرحلة الإدمان.
يعتقد البعض أن ما تسببه المخدرات الرقمية من خلل في كيمياء الدماغ هو موضوع مبالغ به، فلا توجد دراسات علمية مؤكدة صحة هذه المعلومات، وهذا ما يذهب إليه الأخصائي النفسي والمعالج فاروق جهلان، الذي يرى أن موضوع المخدرات الرقمية مبالغ فيه ولا توجد دراسات تؤكد حقيقة ما تقوم به هذه الملفات الصوتية التي ترسل موسيقى بذبذبات مختلفة في كلتا الأذنين.
أنواع المخدرات الرقمية:
كما هي الحال مع المخدرات التقليدية فللمخدرات الرقمية أنواع عدة وهو ما يشير إليه الغداني، فهناك الأسطورة البلورية Crystal myth وهي نوع من النغمات الهادئة التي تبعث على الاسترخاء والهلوسة والهدوء وتبعث في النفس النشوة والشرود الذهني من خلال توارد الذكريات الأليمة وهي من النوع الدافعي الهادئ الذي يبعث أحلام اليقظة والبهجة في آن واحد، أما النوع الآخر فهو ما يعرف بالموجة العالية heavy metal وهي نوع من النغمات الصاخبة التي تتسبب في حدوث تحفيز لجميع خلايا الجسم والدماغ والعمل على تحفيز الدماغ بصورة مذهلة، بالتالي تزيد من نشاط الفرد بصورة أكبر من طاقته الحقيقية.
الشفاء من المخدر الرقمي :
وفي السياق ذاته، يرى الأخصائي النفسي ناصر بن راشد الغداني أن الشفاء من المخدرات الرقمية يحتاج إلى وضع خطة علاجية مناسبة لكل حالة من الحالات التي قد تتضح مشكلتها من خلال المقابلة العلاجية، ويمكن للمعالج أن يضع برنامج علاجي لا يقل عن 14 جلسة، على أن يخضع المريض قبل الجلسات العلاجية إلى جلسات توعوية ووقائية متمثلة في إيضاح مخاطر المخدرات الرقمية، كما يمكن إخضاع المريض إلى جلسات العلاج المعرفي السلوكي.
بينما يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي والسياسي حيدر الجوراني أن هنالك دراسات أشارت إلى ثمة تأثيرات إيجابية تحصل نتيجة هذه النوع من التعاطي السمعي (المخدرات الرقمية)، كتخفيف الآلام وخفض القلق والتوترات، لكن بالوقت نفسه تشير دراسات أخرى إلى أن هذا النوع قد يكون عاملاً مساعداً من خلال مزج تعاطي المخدرات التقليدية كالعقاقير والماريجوانا مع المخدرات الرقمية لغرض تجديد تجربة التعاطي بشكل مزدوج، الذي يشكل تجربة جديدة للمتعاطي أي إنها قد تمثل عاملًا مساعد لديمومة التعاطي التقليدي.