احتفل العالم أمس باليوم العالمي للاحتفال بالشعوب الأصلية، والذي تحتفل به الأمم المتحدة للتذكير بتراث الشعوب المختلفة، وتتمتلك مصر تراث متنوع قديم يمتد منذ عصور المصريين القدماء مرورا بالتراث بعهد البطالمة وووصولا للعهد الإسلامي وما تلاه من عصر النهضة بداية من حكم محمد علي باشا.
الإفروسنتريك هجمة شرسة للاستيلاء على تراث مصر
تواجه مصر هجمة شرسة للاستيلاء على تاريخها الفرعوني تحديدا من الحركة الناشئة في ثمانينيات القرن الماضي والمعروفة باسم "الأفروسنتريك"، فتنسب الحركة الحضارة الفرعونية لأصحاب البشرة السمراء من سكان إفريقيا، مستخدمين في ذلك شتى أنواع التأثير وتزوير الهوية والتي كان آخرها فيلم كليوباترا الذي تم بثه عبر منصة نتفيليكس الأمريكية.
ويذكر الباحث المصر الدكتور صبحي وحيدة في كتابه الشهير والأصيل "في أصول المسألة المصرية"، أن التاريخ المصري عقب عصر الفراعنة-المصريين القدماء- تأثر بقدوم البطالمة وما أضافته من مظاهر ثقافية واجتماعية واختلاط عرقي امتد على طول سواحل المدن المصرية على البحر المتوسط قبل أن يتسرب إلى الداخل، وأعقبه تأثير الفتح العربي وقدوم هجرات من شبه الجزيرة العربية ساهمت في صنع التراث الإسلامي المصري، ولا تزال العائلات العربية المنتشرة دليلا على التأثير والتأثر المتبادل بينهما.
ينتقل صبحي وحيدة في كتابه إلى هجرة أخرى أثرت في قوانين الحياة المصرية حينها وهي فترة حكام المماليك الذين آتوا من أواسط أسيا كرقيق قبل أن يعتلوا الحكم وينشروا قوانينها والتي استمد أغلبها من كتاب جنكيزخان المعروف باسم "ياسة" والذي وضعه كدستور للحكم بعد انتصاره على أونك خان، ويختتم حديثه عن آخر التأثيرات التي امتزجت بالمصريين ما ورد من الدماء الأوربية على فترات متباعدة منذ الحملات الصليبية مرورا بالحملة الفرنسية ووصولا إلى التقارب وقت حكم محمد علي باشا وما تبعها من فترة الاحتلال البريطاني والتي تغلغل الأوربيون حينها في الحياة المصرية فتزوجوا وتاجروا واستوطنوا مصر.
ولا نجد ذكر من بعيد أو قريب لتأثير إفريقي -زنجي- علي الحضارة المصرية كما يروج أعضاء الحركة المشبوهة "الإفروسنتريك"، فمن أين جاء ادعائهم وما الأهداف التي يسعون لها؟
الدكتور وسيم السيسي.. الإفروسنتريك ذراع للصهيونية العالمية
يؤكد دكتور وسيم السيسي عالم المصريات والباحث في التاريخ المصري القديم أن الحقبة الفرعونية التي امتدت على مدار ثلاثين أسرة حاكمة لم نجد أسرة واحدة من بينهم لها أصول زنجية، كما تدعي الحركة المسماة بالأفرو سنتريك، ويضيف أن ما تدعيه هذه الحركة وغيرها من الحركات أشبه بالقضية الفلسطينية وما سبقها من تمهيد عبر روايات مشابهة تهدف للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والصهيونية العالمية من وراء تلك المخططات جميعها بطريقة مباشرة أو عن طريق عدد من أذنابها.
وسيم السيسي
ويرى أن هذه الحركة قد تشهد تطورات على الساحة المصرية إذا لم نلتفت لدخول الأفارقة بأعداد كبيرة إلى مصر وتنامي هذا العدد وتضاعفه على مدار أجيال عدة قد يودي بمقدرات المصريين ويجعل من تستصيفهم مصر الآن من الدول المجاورة شوكة في ظهرها مع تبنيهم لرؤية وأفكار الإفروسنتريك ومحاولة خلق صراع داخلي بيننا كمصريين وبين هؤلاء الوافدين الذين يروجون الآن ملكيتهم وصناعتهم للحضارة المصرية القديمة ليصبحوا بذلك هكسوس هذا العصر والعصور المقبلة، وإذا لم نلتفت لتداعيات هذه الدعاوي من الآن فربما نرى أياما تشبه ما مرت به البلاد أيام الهكسوس من فقد لأبنائها وتوقف النساء عن الإنجاب من هول المعارك التي ستطول البلاد.
وأكد أن الصهيونية العالمية تستخدم أصحاب البشرة السمراء في شمال أمريكا للترويج ودعم هذه الدعاوي الباطلة، مشيرا أن الدليل العلمي القاطع أثبت بطلانها من خلال معهد ماكس بلانك برئاسة العالم السويدي الحاصل على جائزة نوبل عام 2022، «سفانتي باب»، أصدر دراسة أجراها اثنين من العلماء التابعين له (ولف جانج هانك، ويوهانس كلاوس) لنتائج دراساته على المومياوات المصرية التي عثر عليها في منطقة أبوصير ويمتد تاريخها إلى 1200 أو 1300 سنة قبل الميلاد وحتى سنة 600 بعد الميلاد، وجاءت جميع النتائح لتثبت عدم وجود أي عرق إفريقي –أصحاب البشرة السمراء- في التكوين الجيني لمومياوات المصريين القدماء التي تنتهي حقبتهم مع دخول الإسكندر الأكبر، أي أن انتهاء الحقبة الفرعونية أعقبه 900 سنة دون أي ظهور للإثنية العرقية الإفريقية في الجينات المصرية، وعندما ظهر بعد 600 ميلاديا ظهر على حياء شديد للغاية بسبب وفود العبيد والتجارة البينية، ولا يوجد رد أبلغ وأعمق من هذه النتائج ويجب إبرازها وتوضيحها لكافة المصريين للرد على هذه الدعاوي في أي مكان كي لا يطمس أحد حضارتنا أو يستولى عليها.
والأهم في الدراسة هو التطابق الجيني الكبير الذي وجده علماء معهد ماكس بلانك الأمريكي بين مومياوات أبو صير والمصريين المعاصرين، وبشكل شخصي اعتبر النتائج صفعة على وجه الإفروسنتريك، بما لا يدع مجال للشك في أننا أصحاب الحضارة الفرعونية ويدحض هذه الافتراءات.
وتابع أن السلاح الأهم في مواجهة الدعاوي المختلفة للاستيلاء على حضارتنا، يأتي عبر التنوير والمقصود به إضاءة المساحات المظلمة في العقل الجمعي، والتي قد تكون دينية أو سياسية أو تاريخية أو آي فرع من فروع المعرفة، لذا فدورنا ودور المفكرين ورجال الثقافة والإعلام وكل الأطراف ذات العلاقة بإضاء هذه المساحات المظلمة وإفهام الأجيال الجديدة عظمة تاريخنا ومن نحن وما حققه المصريين القدماء من تطور وإبداع في شتى مجالات العلوم قبل ظهور أي إلى الأن شامخة لا تفصح عن أسرار بنائها ولم يستطع العلم كشف الطريقة التي اتبعها أجدادنا في البناء.
الروائية سلوى بكر.. المؤامرات تحاك ضدنا منذ عهد محمد علي باشا
وتشير الروائية سلوى بكر أن وجود عرق نقي حاليا غير منطقى على الإطلاق وأن الأمم المتحدة عليها أن تقوم بتغيير هذا اليوم الذي أراه يدعو لتضخيم الإثنيات والعرقيات على مستويات عدة داخل الوطن الواحد ما يؤجج نير الحرب الأهلية ويضعف من الشعوب، فالتنوع الثقافي يفيد الجميع ولا ننكره ولكن ننكر محاولات تأجيج الصراع التي تقودها الصهيونية العالمية عبر أذرع مختلفة لطمس الهوية المصرية وتفتيت شعبها إلى أثنيات وأقليات عددية، لذا من المهم أن نعمل على إزالة المسميات التي من شأنها إثارة الفتنة وتغذية الشعور بالاضطهاد، فالأقباط على سبيل المثال يمكن أن ترى إسهامهم في الحياة المصرية الاقتصادية والسياسية فهم شركاء وطن ولا نسمح بالتدخل الخارجي لبث روح الفرقة بما يدفع المسيحين للتقهقر والانزواء داخل الكنيسة.
الإفروسنتريك لا يمكن قراءته إلا أنه ضمن خطط استهداف مصر
واستكملت الروائية سلوى بكر أن مشروع الإفروسنتريك لا يمكن قراءته إلا أنه ضمن خطط استهداف مصر طوال الوقت بأشكال متعددة، مضيفة أن السبب الرئيسي لدعاويها؛ يكمن في الأهداف السياسية ومحاولة تقزيم دور مصر باستمرار عبر الاستيلاء على آثارنا وحضارتنا بالتوازي مع إضعاف دورنا الحيو للمنطقة لصالح دول أقل عمرا من مصر، فالعالم كله رأي مصر وكيف تبدل حالها وشكلت تهديدا على العالم كله في عصر محمد علي باشا، ومنذ ذلك الحين، والمؤامرات المختلفة تحاك ضدنا بأشكال عدة من أطراف مختلفة، فحينا نرى الصهيونية تدعي بناء الأهرامات والآن الإفروسنتريك، وليس هذا فقط بل أن خلال زيارة لمدينة «بيدروم»التركية وجدت آثارنا المصرية تعرض في المتحف وتنسب إلى الأتراك فكيف حدث هذا؟ لا أحد يدري؟! الأغرب أن تمتد هذه المحاولات إلى دول شقيقة تريد سحب الريادة والحضارة المصرية، وبالأساس قدوم إسرائيل للشرق كان موجها لإلهاء وإنهاك مصر، في حروب متتالية فقدنا فيها الغالي والنفيس، بل وتم استعمالها أحيانا كشماعة لأخطاء الأنظمة المصرية الحاكمة.
واعتقدت بكر أن مواجهة المؤامرات الخارجية وعلى رأسها حركة الإفروسنتريك التي تشهد نشاطا ملحوظا يبدأ من تدريسنا للغة المصرية القديمة واللغة القبطية في المدارس، فمن غير المعقول أن نكون أبناء الحضارة المصرية ولا نستطيع قراءة ما خطه الأجداد على جدران المعابد والبرديات، يجب تغذية الشعور القومي بعظمة حضارتنا لدى الأبناء منذ الصغر كي يتمكنوا من مواجهة المخططات الرامية للاستيلاء على تراثنا وتاريخنا.
واستطردت أن وزارة الآثار لها دور كبير في تنمية الوعي وزيادة المعرفة بحضارتنا وآثارنا ويجب أن لا تغفل هذه الدعاوي، متابعة أن المجتمع المدني أيضا بحاجة إلى تبني مشروع لمواجهة التزوير الثقافي والتاريخي الي تتعرض له حضارتنا الفرعونية، ونحن نمتلك قامات ونخل قادرة على المواجهة لكن بكل أسف يعوقها التوحد حول الهدف وتعاني من صراعات حب الظهور وتصدر المشهد وغلق المجال الثقافي العام على أفراد محدودة وإغلاق الفرص أمام الشباب للمساهمة في صد الهجمات الثقافية وتفعيل المشروعات التنموية من خلال مؤسسات المجتمع المدني.