هنا في حي المطرية، داخل شقة صغيرة يمتلكها خمس نساء سودانيات لا يربطهن أي صلة قرابة إلا آلم الفراق والغربة عن وطنهن، فتجد الطيبة في عيونهن ونفوسهن بما يقف حائلا أمام وساوس الشك والريبة وطرح الأسئلة التي نعتاد في عالم الصحافة طرحها باستمرار ، ولكن مع تفاصيل صغيرة اجتمعت أمامي، وجدت إلحاحا يزداد، رغبةً في البحث عن إجابة لسؤال واحد فقط.. ماذا يعملن ومن أين يكتسبن لقمة عيشهم؟!
مصنع أدوات تجميل وأدوية
ما إن تمعن النظر في التفاصيل المحيطة داخل شقة النسوة الخمسة، حتي تبدأ الإجابة تتبلور في ذهنك، فكل ركن يحوي أطنانا من العلب والكراتين، وأرفف تتراص عليها أنابيب وعلب تحوي كريمات ومنتجات مختلفة كلها تحت مظلة كبيرة نطلق عليها «أدوات التجميل» وتتنوع من كريمات لتفتيح البشرة وتنقيتها لزيوت لتلميع الشعر ومواد مخخصة لترطيب الجلد وغيرها من الأدوات.
ولم تقف المنتجات المرصوصة والمعبأة بعناية عند التجميل بل تجاوزتها لعالم الأدوية والعلاج فهذه مراهم لآلام الظهر والفقرات وبجوارها دهان للقضاء على حْب الشباب، كما وجدت خلطة سحرية -كما يصفونها- لتجنب القذف السريع ووصفة سودانية شعبية قادرة على إطالة العملية الجنسية.
ولم تتوقف المنتجات في هذه الشقة عند التجميل والعلاج بل امتدت لقطاع مكافحة الحشرات والآفات، وكل ما يمكن ان يباع ويشتري في هذا السوق المرعب.
خبيرة تجميل بلا مؤهل دراسي
فاطمة كوش امرأة ستينية فرت من مناطق الاقتتال في أم درمان منذ خمس أشهر، بعد سيطرت ميلشيات مسلحة علي المدينة، تقول إنها تعمل منذ ثلاث ثلاثين عاما في صناعة أدوات التجميل باستخدام الأعشاب الطبيعية والمركبات الأولية وأنها "تجيد صناعتها أفضل من خبراء التجميل أنفسهم برغم عدم حصولها على شهادة مدرسية طوال حياتها".
مصانع تحت بير السلممصانع تحت بير السلم
بحسب قولها: الخبرة أفضل من التخصص في تلك المهنة وأنا المسؤولة عن صناعة وتركيب كل هذه المنتجات، وباقي النساء فإنهن يقمنا بأدوار ثانوية كتبريد وتسخين المواد وترتيبها علي الأرفف في انتظار وصول مندوبي محلات التجميل والعطارة لشراء كمياتهم اللازمة.
لسنا الوحيدين
تمتنع فتاة ثلاثينية عن ذكر اسمها ولكنها تؤكد أن الكثير من الوافدين السودانيين يعملن في تلك المهنة، وأسر بأكملها تعيش من هذا العمل، في مناطق متعددة مثل حلمية الزيتون وعزبة النخل وعين شمس و6 أكتوبر، مضيفة أن العمل في هذه المهنة لا يتطلب سوى الشقة التي تتحول إلى معمل لإنتاج مواد التجميل.
وتؤكد المعاونة الثلاثينية أن هذه التجارة تلقي رواجا لدي أصحاب محلات التجميل والعطارة في المناطق المختلفة، ولكن للأسف يشترون تراكيبنا ومنتجاتنا بأسعار زهيدة ولا نستطيع الرفض بسبب احتياجنا للمال الذي يعيننا على الحياة في مصر، ونفت علمها بالأسعار التي تباع بها منتجاتهم في السوق، لكنها أكدت أنها عثرت مصادفة على المنتج وقد وضع عليه أسماء وعلامات تشير بأنه مستورد من الخارج ما يرفع بالتبعية من السعر.
لغز العراديب في شقق التجميل
العراديب أو ما يعرف شعبيا بالتمر الهندي نبتة أسيوية تنبت في المناطق الاستوائية، معروف لدى الكثير بفؤائدة للحامل خاصة في الشهور الاخيرة للحمل.
ويقولون أن العراديب قدرة علي امتصاص الألياف وجعلها قابلة للذوبان مما ينعكس بفوائد عديدة علي الجسم أما في هذة الصنعة فقد شاع استخدامه بكثرة حيث يضاف إلى أغلب المواد التي يجري تصنيعها مثل الصابون المذاب ومراهم ترطيب البشرة والم الظهر وكريمات التفتيح والتنقية ومواد التخسيس وزيادة الوزن الامر ليس لة في الحقيقة علاقة طبية بقدر ما ينطوي علي حيلة او حكمة قديمة تقول ان التمر الهندي يحتوي علي مادة صمغية ذات رائحة نفاثة محببة للنفس فيلجئ الية مرتادي هذة المهنة لاضفاء الرائحة الطيبة تلك لاخفاء الروائح الكريهة الناتجة من الاعشاب والتراكيب الكيماوية
فشل كلوي وضيق بالتنفس
وعن الضرر الذي يمكن أن يحدث لمستخدمي هذه المواد يؤكد الدكتور هاني الناظر استشاري الأمراض الجلدية والتجميل، أن استخدام مثل تلك التراكيب الكيميائية والأعشاب الأولية بعدم دراية أو خبرة فنية يؤدي إلي أمراض للمستخدم مثل الفشل الكلوي والالتهاب الرئوي وضيق التنفس.
ولم تقف الأضرار عند مستخدمي هذه المواد، فإحدى السيدات العاملات قالت أنها تعاني من ضائقة صدرية بسبب الروائح النفاذة التي تستنشقها خلال العمل، والأخرى شكت من تعرضها للحرق 4 مرا، منها اثنين لم تُزال أثارهما من على جسدها إلى الآن.