مهما تكن نجوميتك في هوليود، فدائمًا خلف الكاميرا مخرج يتابع أدق التفاصيل؛ ليخرج بعمل لا هفوة فيه.
وفي مصر عندما تكون نجمًا، فإنك تصبح إلهًا تقول للشيء كن فيكون، حتى وإن كنت لا تمتلك حد الكفاف من الموهبة أو الهواية، فقط يكفي أن يكون لك اسم رنَّان، وسيحبو إليك المؤلفون، ويتهاوى عليك المنتجون، وينساق وراءك المخرجون.
لا تفرح؛ فأنت بهذا تجني على نفسك، وفي حالات كثيرة تكشف نقاط ضعفك في بعض الأداءات، وتصيبك نفس اللعنة التي أصابت نجومًا عظماء؛ بسقوطهم في فخ أنهم نجوم فوق توجيه المخرج.
سأقتصر في كلامي على بعض النجوم الكبار، لا الطفيليين الذين فرضتهم بيئات معينة؛ لأستعرض بعض النماذج من المصابين بلعنة النجومية، ومنهم الفنان الكبير نور الشريف في دوره الذي أجاده ببراعته المعهودة في فيلم ناجي العلي، الحائز على جوائز عالمية، حيث إن الأداء الصوتي لم يكن أداء شاميًّا، ومنهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ عندما أصر على أن يغني "لا تكذبي"، فنبه النقاد إلى أن عنده طبقة صوتية واقعة، خاصة عندما تقارنه وهو يكرر "لا لا لا.. لا تكذبي" بالطبقة الخفيضة العريضة بنجاة الصغيرة.
ومنهم الفنان القدير محمود عبد العزيز في مسلسل جبل الحلال، فرغم تميزه المعجز، إلا أنه لم ينجح في الأداء الصوتي كما نجح مثلاً عبد الله غيث، الذي وصل إلى أن يقلده بعض الصعايدة.
والمثال الفج هو أحمد حلمي في فيلم عسل أسود، وهو حسب دوره مولود في أمريكا، ويسخر من الإنجليزي المصري، بينما هو لم يستطع أن ينطق حرفًا صحيحًا، حتى أبسط كلمة، بقوله "يا يا"، نطقها بالإنجليزي الفلاحي.
أيضًا الفنانة العظيمة عبلة كامل قامت بدور جبَّار، لكن نطقها للصعيدي بتعطيش الجيم وما شابه لم يكن كافيًا ليقنع بأن من تتكلم صعيدية.
وهناك ناجون من لعنة النجومية؛ حيث تميزوا بذكاء نجومي، فقاموا بأدوار لا تكشف نقاط ضعفهم، وهم كثيرون، أبرزهم نجيب الريحاني أيقونة البؤس والكوميديا السوداء، والأشرار محمود إسماعيل وعادل أدهم ومحمود المليجي، فحافظوا على برستيجهم النجومي.
وهناك نجوم ركبوا جميع الأدوار على تناقضها، ومن أقوى الأمثلة الأسطورة زكي رستم، الذي جعلنا نلعنه، ونرجمه في أعمال، وقطَّع قلوبنا من غلبه في أعمال أخرى، ويقاربه الفنان العُقْر حسين رياض ويوسف وهبي.
وفي الغناء نجد من يضاهيهم ويفوقهم بمراحل.. كوكب الشرق أم كلثوم، التي صعدت سلم الغناء من البدرون في زمن أغاني "أمان يا لاللي" ومنيرة المهدية والغناء الأخنف، الذي كان طربًا وقتها، حتى ارتقت به للقمة، متجاوزة السحاب، وطوال رحلتها الفنية لم تترك شيئًا، ورغم ذلك حققت في جميع أغانيها ما لن يحققه أحد.
وكنا نجد الملحنين الذين يقفون على "بُقِّ" المغنين العظماء؛ لضمان أداء الأغنية بالشكل الذي وضعوه، بل منهم من كان يُشذِّب الصوت نفسه، فموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان يهتم بالنحت قبل اللحن، وأوضح مثال ما فعله مع وردة الجزائرية، التي كان يطلق عليها اسم "وَرْدَح"، عندما سنفر حنجرتها الردَّاحة إلى طرب، وبالفعل بعد تحجيم فرشحة صوتها، صرنا ننشكح ونحن نسمع صوتًا يأخذنا لعالم تاني.
الأمثلة في هذا المجال لا تنتهي، ولكن ما يعنيني هنا هو التأكيد على أن المخرج أو الملحن عندما يوجه فنانًا مهما تكن شهرته، فإنه يبرز نجوميته أكثر، فهو لا يعيب فيه، وليست بينهما نفسنة ولا صراعات على الزعامة، وإنما هو يوجه لأنه هو من يرى كيف سيخرج المنتج النهائي؛ لذا نجحوا في تقديم فن مستمر حتى يومنا هذا، وسيبقى.
ولكن في زمننا الـ (...) تَحوَّل المخرج إلى كبير مصورين، يوجههم للقطات، ثم يجلس يحتسي الشاي لحين الانتهاء من المشهد، وصار الدور الأكبر للملحن أن يضبط إيقاعًا على الصوت المعدل بالتقنيات الحديثة، وهو إيقاع في جميع أحواله دوشجي، فطفت على السطح كمية من الطفيليات التي لا تصلح أن تكون سمِّيعة لا مغنين، فتحولت لعنة النجومية علينا.
لذا لا تعجب عندما يتراجع الفن المصري أمام السوري أيام انتشاره، والهندي والإيراني، والكوري، وأي حاجة من أي حتة بعيدا عن مستنقع الفن المصري الآسن.