عادة ما تشكل الفرص منحنيات في حياة الأشخاص بل والمجتمعات لتتحول حياة المجتمع مائة وثمانون درجة للإيجاب بفعل فكرة جاءت في أزمة ما فاستطاعت أن تحول مجرى حياته ومن حوله من جيران ليتوسع الأمر ويصبح صناعة تجتاح المدينة بالكامل.
فعلى سبيل المثال نجد أن مجمع تاهو رينو الصناعي الواقع في صحراء نيفادا يُعد أكبر منطقة صناعية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويوجد به العديد من مراكز توزيع شركات البيع بالتجزئة الأمريكية الشهيرة وتخصص بذلك النشاط وأصبح يرتاده رواد التجارة حول العالم.
وها هي مدينة هارتلاند أكبر منطقة صناعية في غرب كند لتصبح أكبر منطقة لمعالجة البتروكيماويات في القارة الأمريكية، وتغطي أكثر من 40 شركة بتروكيماويات.
استثمرت هارتلاند أكثر من 10 مليارات دولار في مشاريع صناعية، ووفرت المشاريع ما يقارب 30,000 فرصة عمل برواتب خيالية.
وعلى الصعيد الآسيوي اشتهرت الصين بتخصص المدن لديها فى صناعات محددة حيث الصناعات الرئيسية في قوانغتشو هي السيارات العديد من مصنعي العالم قد اتخذوها مركزا لتصنيع منتجاتهم.
وعلى هذا.. أرى أن هناك فرصة قد جاءت فى الموعد.. جائت دون تأخير لبلد أراد الله بها خيرًا على مدار عصورها وجعل النصر بأيدي أبنائها، أراد بها خيرا حين أجرى على لسان نبينا يوسف أن يصف قطرها بأنه خزائن الأرض.
أراد بها خيرًا حين جعل أهلها فى رباط إلى يوم الدين وشرفها نبينا الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن اتخذ من أهلها أما لأبنه وهى السيدة ماريا وارتضى لها مقام أم المؤمنين وأوصى بأهلها خيرًا.
أننا وإذ نمر بأزمات لا تخفى على أحد لا يسعنا إلا أن نتمسك بأحلامنا الصغرى على مستوى المواطن والكبرى على مستوى الدولة.
أحلام تحقق منها البعض إلا أنه غير كافي في مواجهة سيل العقبات العالمية والداخلية.
لا أنكر بالتأكيد أن الدولة تهدف لإقامة المدن الصناعية في مختلف المحافظات وأن أغلبها قد دخل الخدمة بالفعل وأصبحت مصانعه تعمل بكفاءة لكن هذا يكفى؟
فرصة استقدام الشركات العالمية لتوطينها محليا واستخدام وتدريب الأيادي المصرية واستغلال انخفاض متوسط الأجور بمصر قياسا بالشرق الأوسط وأوروبا وخلق فرص عمل للمواطن المصري لهو أولوية كبرى، ولا أبالغ إن قلت أنني اقترح منح الشركات العالمية بمختلف المجالات أراضى مجانية قابلة للتمليك بشروط استثمارية بخطط طويلة الأجل سيدفعها لتوطين صناعاتها بمصر.. دافعنا في ذلك شبكة الطرق الحديثة التي أنجزتها الدولة من الإسكندرية لأسوان ومن البحر الأحمر إلى ليبيا الشقيقة؛ مما شكل شبكة طرق عالمية تلاها مساحات مهولة من الأراضي متاحة للتخصيص وجاهزة للاستخدام والأهم من الحافز هو تبديد المخاوف الذي يحب أن يتم بالتوازي مع الحافز.
إنني وإذ اتعامل بشكل دوري مع مستثمرين عرب وأجانب أدرك مخاوفهم.. جميعها مصدرها بعض قوانين لا تنفذ على أرض الواقع وبعض تصريحات المسئولين التي تتعلق بالاستثمار، وربما لم يتم صياغتها بالشكل المناسب للمستثمر الخارجي فتم إساءة فهمها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يسألني أهلنا في الإمارات ودول الخليج عمومًا بشكل رئيسي عن الاطمئنان الضريبي، حيث لم يعتادوا على الرضوخ لمنظومات ضريبية متعددة سوى ضريبة القيمة المضافة وهى حديثة العهد لديهم فمجرد أن يبحث عن الضرائب في مصر يقابل بمقالات ونصوص عن قانون الإجراءات الضريبية الموحدة ولا يجذبهم فيه إلا مواد العقوبات التي تصل إلى اثنين مليون جنيه والحبس في بعض حالات تتعلق بعدم تقديم الإقرار الضريبي.
أن مفهوم الحبس وتقييد الحرية ومليوني جنيه في خطأ قد يتعلق بسهو أو مشكلة عابرة حالت دون تقديم الإقرار الشهري بالموعد المحدد لهو مفهوم موتر ويبلغهم القلق ذلك أنهم يضعون اعتبار للخطأ البشري فيباغتني بسؤال مكرر بالنسبة لي..
ماذا أن سقط سهوا أو لأي سبب ما لم يتم تقديم الإقرار الشهري لضريبة القيمة المضافة.. هل سيتم حبسي في مصر بالسجون مع المجرمين واللصوص؟
ماذا أن تضايق أحد العاملين من مديره وتقاعس عن تقديم الإقرار الضريبي الشهري.. بذلك أكون قد انتهى أمري كمستثمر وأصبحت في خبر كان لوجود مكيدة بين اثنين من العاملين لا أعلم عنها شيئًا؟
ماذا سيحدث لي هل سيتم حجزي ومنعي من السفر؟ أم التحفظ على أموالى في البنوك؟.
ما هو مستوى الموظف الحكومي الذي سيحدد مصيري ومصير استثماراتي ومصير حريتي حال وقع ذلك الخطأ؟ هل هي لجنة ذات كفاءة ومدركة لكيفية التعامل مع المستثمرين أم موظف عام قد يضيع مستقبلي لمجرد أن حكمة الشخصي على سيء أو أن مزاجه معكرا فأضيع وأهلي ومالي في الطرقات؟
أقابل ذلك بهدوء وابتسامة مطمئنة وأقوم بنفي كل ذلك، وأوضح له الأمر أن تلك هي الحدود القصوى ولا تطبق ولا يوجد منع من السفر أو حظر قدوم من الأساس فهي بلدك الثاني دومًا وأن سلطة تقدير الغرامات هي سلطة المأموريات التابع لها نطاقنا الجغرافي وأنهم أهلك وحريصون عليك ولا يهدفون لعقابك بل لردع الخطأ فقط وأن السهو والخطأ لهم اعتبار بخلاف التعمد واستهداف التهرب الضريبي بالتأكيد فيرد على بنص القانون الخاص بالغرامة والحبس فيضعني في موقف لا أحسد عليه، مطالبًا إياه بأن يضع ثقته في أخيه وأن يستمع لخبرتي على مدار السنوات وأن هذا لن يطبق نهائيًا وأن الحدود الدنيا هي التي سيعمل بها حال حدوث ذلك وهى مادية فقط.. لكن طمأنتي تظل محض كلمات غير مشفوعة بنصوص قانون..
وإحقاقا للحق فأن ثقتهم في أخيهم هي من تطمئنهم إلا أن أعينهم تظل على تلك الحالة من مراقبة نصوص العقوبات فبعضهم يضع يديه على قلبه والآخر لا تكفيه العبارات المطمئنة فقط.
أنني وإذ أؤكد أنه لم أسمع أو أطلع على حالة تم تطبيق الحدود القصوى بها إلا أنني لا اتفهم وجهة نظر المشرع الأكاديمي الذي وضعنا جميعا كمستشارين ماليين مصريين موضع الدفاع عن الوطن وسمعة الاستثمار به..
والحقيقة أقول إن كل بلد ازدهرت كانت البداية في صغار المستثمرين من خارجها الذين جلبوا كبار المستثمرين تاليا.. ذلك أن مناخ الاستثمار يجذب كل باحث عن الربح ومطمئن أو ينفر كل خائف ومتردد ولديه مخاوف مشروعة وموثقة بنصوص قوانين.
مخاوف المستثمر تشريعيًا مرعبة وجميعنا يعرف أنها لا تطبق وأنها محض نصوص كوسيلة للردع لا للعقاب كهدف فلماذا نضع أنفسنا موارد التهلكة؟ ولماذا لا نستمع لصغار ومتوسطي المستثمرين الأجانب والأشقاء العرب حتى نستطيع جلب كبارهم؟
كلى ثقة أننا سنقف يومًا أمام أبنائنا فخورين بأنا أزلنا العقبات وأفسحنا الطرق ومهدنا العقول وبلغنا عنان السماء، وتحولت بلدنا من حال لحال ومن أزمة طاحنة لخير في كل الأرجاء ذلك لأننا استمعنا لبعضنا البعض وبدلنا مخاوف من حولنا طمأنينة وأمنا وكيف لا وقد قال الله في كتابه العزيز على لسان سيدنا يوسف (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) (99) سورة يوسف.
عبدالرحمن دياب
خبير الضرائب ودراسات الجدوى
المدير التنفيذي لمجموعة أجياد للاستشارات المالية