وليد الغمرى يكتب: محاولة لتفكيك المؤامرة على القوى الناعمة للدولة المصرية "1"

الجمعة 31 مارس 2023 | 12:16 صباحاً
وليد الغمري رئيس التحرير
وليد الغمري رئيس التحرير
كتب : رئيس التحرير

ليس لدى أدنى شك أنه وبالتحديد فى يوم الخميس الموافق 4 يونيو 2009 وقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى قاعة الاحتفالات الكبرى فى جامعة القاهرة، وباستخدام منصة تحمل شعار الولايات المتحدة الأمريكية، خطب أوباما فى العالم العربي والإسلامى الخطبة الشهيرة التى حملت عنوان “بداية جديدة”، لم يكن أحد وقتها يدرك حقيقة البداية التى تم تدشينها فى ثلاثة رموز تاريخية فى عاصمة المعز، هى مسجد السلطان حسن، وهضبة الأهرامات، وجامعة القاهرة.. وهكذا بدأت الحرب فعليا على الأمة المصرية.

هذه الرموز الثلاث.. الثقافية، والتاريخية، والدينية.. لم يكن أحد وقتها يدرك ماهيتها فى حروب الجيل الرابع الممهنجة، والتى أعلنت على بلادنا قبل أن تنتقل لميدان التحرير فى 25 يناير 2011.. وهى ثلاث رموز رئيسية تندرج مع غيرها تحت مسمى كبير يعرف "بالقوى الناعمة" للدولة المصرية..

ومن هنا وبمنتهى الجزم واليقين السياسي يمكن القول أن الجزء الأكبر فى الحرب التى أعلنت على مصر كان فى ضرب هذه القوة الناعمة، والتى أسستها مصر وعرفتها من قبل أن تعرفها أدبيات العلوم السياسية فى العالم أجمع، وبالتحديد من عهد الرئيس عبد الناصر... والذى تحول من مجرد رئيس دولة إلى زعيم لأمة عربية كاملة من خلال قوى مصر الناعمة.

مع بداية الألفية الثالثة ظهر مصطلح "القوة الناعمة" الذى أسس له "جوزيف ناى" هذا العسكرى السابق بالجيش الأمريكى وعن عناصر هذه القوى وتوظيفها ونظريات استخداماتها لدرجة أنه تحدث بوضوح عن الاتحاد السوفيتى قائلاً: "إننا لم ننتصر على الاتحاد السوفيتى بالقوة العسكرية، إنما بالاستخدام الأمثل لتطبيقات القوى الناعمة من داخل السوفيت أنفسهم".

ويستطرد للحديث بتفاخر عن حرفية الأمريكيين فى استخدام القوى الناعمة مستكملاً: "أنه كان من الممكن الانتصار على العراق فقط بتطويع آليات القوى الناعمة داخل العراق"، وكان من أخطر ما صرح به مؤسسو مناهج القوى الناعمة ما جاء على لسان "جين لى" "أن القوى الناعمة تسعى لتغير المفاهيم والمشاعر لدى الشعوب المستهدف هدم دولها وإعادة التأثير فيها بطرق غير تقليدية"، وهذا بالضبط ما تم ممارسته مع مصر التى اعتبروها ولا يزالون "الجائزة الكبرى" عن طريق هدم قوى مصر الناعمة داخليا وأستبدالها بغزو ناعم أعتقد أنهم نجحوا فيه حتى الأن بأمتياز؟!

بل الأخطر فى رأى المتواضع أن هناك كيانات عربية وشرق أوسطية كانت تدور فى فلك مصر منذ عقود، هى الآن أيضًا أصبحت تمارس لعبة سحب البساط من أسفل القدم المصرى، وما يحدث فى سرقة الفن المصرى والثقافة المصرية بل وحتى التأثير الدرامى من خلال صراع القوى المتنامى فى دول الشرق الأوسط، لم تعد تخطأه العين عبر منصات إعلامية ظهرت من تركيا وحتى الخليج، جميعها تستهدف الشخصية المصرية، وتطويعها لتدور فى فلك ثقافى بعيداً عن الهوية المصرية التى قادت وستظل للأبد محور الشرق الأوسط بأثره.. شاء من شاء وأبى من أبى.

أقول هذا ليس على سبيل الشيفونية السياسية، وليس بمعزل عن كم الأنتكاسات الثقافية والاعلامية وحتى الرياضية والاقتصادية التى تعيشها مصر الآن.. ولكن لإيمانى المطلق أن على هذه الأرض من يعى جيدًا قيمة الدور الغائب للهوية المصرية، وتأثيراتها فى سياق القوى الناعمة لمصر، وسط سياق أكبر لمفردات القوى الشاملة لدولة بحجم وتاريخ وقوة بلادى.

نعم هناك صحوة متأخرة لتدارك أخطاء وربما ترتيب الأولويات لمصر فى هذا المنحى.. ولكن هذا فى حد ذاته يؤكد أن هناك فى بلادى رجال للظل يعرفون جيدًا حجم المؤامرة وأتساعها حتى حينما شارك فيها الصديق قبل العدو.. وأنا أثق فى هؤلاء الرجال "فهم الحراس السريون لدولة مصر" والذى طالما تحدثت عنهم وأشرت إليهم فى مجمل ما كتبت فى الشأن المصرى.

ولكنى أصارحكم القول أن آخر ما نشر رسميا عبر منصات مجلس الوزراء، والهيئة العامة للاستعلامات فى أواخر العام الماضى حول مؤشرات تنامى القوى الناعمة للدولة المصرية وتم نشره على سبيل التفاخر والتقدم لم يكن له أى علاقة حقيقية بماهية مفردات القوى الناعمة الحقيقية، حيث أستندت الدولة رسميا وعبر منصة المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريرًا تضمن إنفواجرافات تحت عنوان «القوة الناعمة لمصر.. أين كنا وكيف أصبحنا» وذلك بعد ثماني سنوات من جهود الإرتقاء بمجالات قوتها الناعمة، وفي إطار دراسة لمؤسسة «براند فاينانس» البريطانية لمصر كواحدة من أفضل دول العالم أداءً في مؤشر القوة الناعمة..

تلك الدراسة التى اهتمت بمظاهر ثانوية للقوة الناعمة وتعمدت عن عمد تجاهل المحور الثقافى الحقيقى وما شاب المحور الإعلامى كمحور رئيسى وأساسى فى عناصر القوى الناعمة.. فنجدها مثلا تتحدث عن عدد القنوات التى قامت بتغطية إحتفالية موكب الممياوات لتؤكد على الدور الإعلامى والثقافى فى القوى الناعمة، وتجاهلت تمامًا الهوس العالمى بالحضارة المصرية لتضع مصر فى مرتبة متقدمة..

وأقولها بمنتهى اليقين لو إن فى هذا العالم مكان تحاك فيه كل المؤامرات على مصر فلن يكون غير عاصمة الضباب البريطانية.. وأعلم أيضًا أن لدينا العقول الرسمية التى تعى ذلك جيدًا.. ولكن مجرد التماهى الحكومى بدراسة نعلم ماهيتها وماهية الكيان الذى أصدرها يضعنى وغيرى فى دائرة القلق.. فالسلطة التنفيذية مازالت لم تضع يدها على الجرح والمرض الحقيقى الذى يتم استهدافه من أماكن وبقاع كثيرة على ظهر هذا العالم..

ولو كان هذا حقيقيًا فأين كانت عناصر القوى الناعمة للدولة المصرية فى ملف سد النهضة وفى عمق الجغرافيا السياسية لمصر فى أفريقيا.. وهو الملف الذى بدى جليًا فيه ماذا كانت مصر فى عهد الرئيس عبد الناصر وما وصلنا له اليوم.. بل أن كم الجهود السياسية للدبلوماسية المصرية والتى قادها الرئيس السيسى بنفسه وبشكل شخصى.. جعلتنى أنا وغيرى نطمئن نوعًا ما، وأنه على الأقل لدينا قيادة سياسية تمتلك الوعى الكافى للحاق بما فات وسقط منا فى سنوات التبلد للدولة المصرية.

وفى النهاية يجب أن أؤكد للمرة الثانية أن فى بلادنا رسمياً وشعبياً رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فى الحفاظ على مقدرات هذا الوطن بقواه الخشنة والناعمة وهم يدركون حقيقة الأقدار التى تحكم هذا الوطن ودوره التاريخى والأبدى فى هذا العالم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وللحديث بقية...