أصبح من الواضح أن كل من موسكو وبكين يوجهان أنظارهم نحو القارة السمراء، فقد باتت إفريقيا هدف إستراتيجي للدب الروسي والتنين الصيني، من أجل التوسع في الشراكات الإقتصادية والتنموية، ولما لا وأفريقيا هي الأرض الواعدة، التي لم تنضب خيراتها بالرغم من تعرضها للنهب منذ عشرات السنين.
ولعل ما يؤكد ذلك هو الجولات المتتالية من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ونظيره الصيني تشين جانج التي شملت عدة دول إفريقية على رأسها مصر، التي كانت أساسية في جولة كلا الوزيران، كما زار لافروف أيضا كل من والكونغو وأوغندا وإثيوبيا، بجانب مالي والسودان وموريتانيا في جولة تالية، فيما زار جانج خلال جولته كل من إثيوبيا والجابون وأنجولا وبنين.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن كثيراً ما أكدت موسكو رغبتها في إنضمام العديد من دول إفريقيا لمجموعة بريكس التي تضم بين أعضائها جنوب إفريقيا، كما أن للقارة الإفريقية مكانة كبيرة في مبادرة حزام وطريق الذي أطلقتها الصين قبل سنوات، وأكدت أنها مستعدة لرفع البنية التحتية في البلدان الإفريقية من أجل ربطها بهذا المشروع الضخم.
هذا وتتزامن تحركات روسيا والصين، مع إستفاقة إفريقية حول الوجه الحقيقي للغرب ونواياه الاستعمارية المستمرة بالقارة السمراء، حيث أنه لايزال حتى الآن ينهب ثرواتها وخيراتها.
القارة السمراء تمثل محور مهم في الصراع بين أقطاب العالم
هذا وقد أوضح اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق و أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية في تصريحات خاصة لـ بلدنا اليوم، أن الصراع بين الدب الروسي و التنين الصيني من جهة، وبين الغرب من جهة أخرى، هو صراع دائم و يشمل جميع أنحاء العالم.
إلا أن اللواء نصر سالم أكد خلال تصريحاته، أن القارة السمراء تمثل محور مهم في هذا الصراع، وذلك نتيجة لما تمتلكه إفريقيا من مقومات وموارد طبيعية و مواد خام ،ونتيجة لذلك فإن الهيمنة الاقتصادية على إفريقيا، نقطة محورية لأقطاب العالم.
ودلل سالم خلال تصريحاته على ذلك، بالإشارة إلى خطوات الصين الكبرى بإفريقيا ضمن مبادرة حزام و طريق، بجانب مساعي روسيا لتكوين شراكات اقتصادية مع الدول الإفريقية، مشيراً إلى أن هذه التحركات أشعرت الولايات المتحدة والغرب أنهم يفقدون سيطرتهم على القارة الإفريقية شيء فـ شيء.
الغرب لم يقدم لإفريقيا إلا الإستعمار
ولفت اللواء نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق خلال تصريحاته، إلى أن الغرب لم يقدم لإفريقيا سواء الإستعمار والاستعباد نهب الثروات، لذا فإن أي بديل عنه سيكون أفضل، وفي الوقت الذي تأتي فيه الصين إلى إفريقيا بمشروع عملاق مثل حزام وطريق، وتسعى روسيا للدخول في شراكات اقتصادية و تجارية مع الدول الأفريقية، فلا شك أن يكون هناك ترحيب لذلك من القارة السمراء.
وخلال تصريحاته تحدث اللواء نصر سالم عن الأزمة الجزائرية الفرنسية الأخيرة، مشيراً إلى أن هذه الأزمة أوجدت نوع من المواجهة من قبل دول القارة السمراء ضد الاستعمار الفرنسي، فلا شك أن الاستعمار انتهاء في الجزائر والأزمة اشتعلت بين الجانبين لأسباب سياسية، إلا أن هناك بعض الدول الإفريقية لم تتخلص بعد من هذا الإحتلال، ومواقف الجزائر احي روح التضامن بين دول القارة السمراء لمقاومة هذا الاستعمار، وهو ما ظهر في موقف تشاد و مالي الذي طالبوا فرنسا بضرورة خروج قواتها من بلادهم.
وأضاف اللواء نصر سالم خلال تصريحاته، أن روسيا لها دور كبير في مساعدة الدول الأفريقية التي لا تمتلك قوات عسكرية قوية و منظمة، في توفير الحماية و الإستقرار، وذلك من خلال قوات فاجنر غير الرسمية، حيث أفاد أن روسيا تحقق أهدافها من خلال هذه القوات، دون صبغة رسمية لتحمي نفسها من أي مسألة دولية، حول عمل أو تحرك هذه القوات.
مصر بوابة إفريقيا
هذا وقد تطرق اللواء نصر سالم إلى دور مصر فى التقارب الروسي و الصيني لأفريقيا، حيث أكد أن مصر تمتلك آليات مُهمة في القارة السمراء، والممثلة في عضويتها في العديد من المنظمات الأفريقية، مثل منظمة الوحدة الأفريقية وهي ما تعطي مصر أولوية في العلاقات التجارية مع بلدان القارة، مشيراً إلى أن هذا سينعكس على أى شراكة اقتصادية من قبل موسكو و بكين مع القاهرة، حيث ستفتح أمامهم أبواب السوق الإفريقي، وعلى أثر ذلك فإن مصر تعتبر بوابة موسكو وبكين لإفريقيا.
وإختتم اللواء نصر سالم تصريحاته، بقوله أن القارة العجوز وواشنطن يمثلون لإفريقيا القوى الاستعمارية، أما الدب الروسي والتنين الصيني، فيمثلان شركاء التنمية و الاستثمار للقارة السمراء.