فكرة إنشاء أكاديمية قضائية لتكون هى المعنية بتدريب المتقدمين للعمل في النيابة العامة والهيئات القضائية المختلفة أي المدخل الأساسي الى القضاء، كما يكون من مهمتها التدريب المستمر لتكون ضمانة أساسية ليس فقط لتحسين الأداء والكفاءة ، وانما لتتحقق العدالة والإستقرار المجتمعي من خلال مبادئ أساسية وشروط عامة مجردة بمعايير تقوم علي الكفاءة العلمية والأهلية التي يحددها القانون ،خالية من التمييز الطبقي والعنصري وتحد من الإستحواذ والتمكين الممنهج .
واستجابة لحاجة المجتمع لما يتناسب مع الجمهورية الجديدة بتشريع مشروع قانون الأكاديمية القضائية بحيث تتولي إعداد لجنة رفيعة المستوى ، لتحقيق فكرة تحويل المركز القومي للدراسات القضائية إلي أكاديمية القضاء تشتمل علي ثلاثة معاهد أولها للقضاء ،وثانيها للخبراء والطب الشرعي ، وثالثها لأعوان القضاة.
وذلك ليكون تعيين رجال القضاء والنيابة العامة وسائر أعضاء الهيئات القضائية من خريجي هذه الأكاديمية إقتداء بما نهجته الكثير من الدول المتقدمة وبعض الدول العربية .
وتتمثل أبرز المحاور في جعل الدراسة بهذه الأكاديمية دراسة داخلية مدتها ثمانية عشر شهرا ، تشمل الجوانب النظرية والتطبيقية والميدانية ، وبحيث لا يجري التعيين في أدني الوظائف القضائية سالفة الذكر إلا من بين من اجتازوا تلك الدراسة .
تحقيق هذه الفكرة التي طرحت في فترات سابقة وتم عرقلتها وإحباطها عندما تقدم بها وزراء العدل السابقين بداية من المستشار فاروق سيف النصر حتي المستشار ممدوح مرعي والمستشار أحمد الزند .
ومما لاشك فيه أن المنظومة القضائية خلال السنوات الأخيرة تشهد مستجدات متواترة لتحقيق العدالة الاجتماعية، عبر تمكين الأكفاء من الحاصلين على إجازة القانون بالتعيين في النيابة العامة والهيئات القضائية بهدف توسيع دوائر العدالة وامتصاص غضب ممن يتم استبعادهم دون مبرر إجرائي عادل .
وشهد المشهد القضائي مستجدات وجه بها الرئيس عبدالفتاح السيسي بتطبيقها ، وفتحت باب الأمل أمام الجميع، مما يعيد المنظومة القضائية إلى مسار التاريخ الحضاري القضاة والقضاء والعودة إلى السلف الصالح ، وهو مسار حافل تذخر به الموسوعة التاريخية القضائية .
والتي تجسدت في ضوابط وإجراءات أكثر دقة وشفافية .. من إجراء فحص ملفات المرشحين في الرقابة الإدارية لجميع المرشحين ، وإجراء الإختبار النفسي ، والإلتحاق بالأكاديمية الوطنية للشباب والاختبار التحريري الذي تم الغاءه بعد أن كان سببا في سقوط اعداد كبيرة من المحظوظين في حجز أماكنهم في هذه الوظائف أصحاب التقديرات المتدنية ، ومنع التكرار في التعيين في الهيئات القضائية كما كان يحدث سابقا بصورة ممنهجة .
ولاشك أن الإجراءات والضوابط والإختبارات تدعو إلى التفاؤل ، بإستكمال باقي الإجراءات ووجود إرادة قوية وعزيمة حقيقية علي أرض الواقع من أصحاب السلطة المنشئة للقرارات ، ونظر رؤساء وأعضاء المجالس إلي المرشحين بعين مجردة دون وضع مهن بعينها في الحسبان واستبعاد المرشحين من غير أبناء هذه المهن التي تستحوذ علي النصيب الأكبر في القرارات التي تمت وتتم في الدفعات التي يتم تجهيزها حاليا ، ولإنهاء حالة السخط التي تسود الشارع المصري بقبول وترشيح الأكفاء من بين جميع الفئات بغض النظر عن مؤهل الأبوين التي وضعتها بعض المجالس السابقة وتستديعها مجالس أخري وتدعمها شخصيات ورؤساء نوادي بالمخالفة للدستور والقانون وتوجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي ، والعمل علي الحد من المحاصصة لفئات بعينها لغير المستحقين ..حتي الوصول إلي الغاية المثلي بتحقيق العدالة الإجتماعية و الاستقرار النفسي بين أبناء الشعب و مبادئ الجمهورية الثانية ،والإقتداء بالسلف الصالح ، وتنفيذ وتوجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص والتوازن النفسي ، والتخلص من المرض المزمن الذي يعاني منه البعض .
واختم مقالي برسالة "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه التي أرسلها إلى الأشتر النخعي والي مصر، حين كانت تابعة لحكمه، وفيها يقول:
" ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر في الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تستشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقَفُهُمْ في الشبهات، وآخَذُهم بالحجج، وأقَلُّهم تبرماً بمراجعة الخصوم، وأصبرهم على كشف الأمور، وأصرمهم على اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر من تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال عندك..
في هذه الرسالة أيضاً: أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تَظْلِم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وكان لله حرباً، حتى ينزِع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد.