زهران جلال يكتب.. تمكين الأكفاء والعودة للسلف الصالح

المشهد القضائي يشهد مستجدات متواترة لتحقيق العدالة الاجتماعية، عبر تمكين الأكفاء من الحاصلين على إجازة القانون، بالتعيين في الجهات والهيئات القضائية بهدف توسيع دوائر العدالة الاجتماعية وامتصاص غضب ممن يتم استبعادهم دون مبرر إجرائي عادل .

المستجدات التي وجه بها الرئيس عبدالفتاح السيسي بتطبيقها تفتح باب الأمل أمام الجميع، مما يعيد الجهات والهيئات القضائية إلى مسار التاريخ الحضاري القضاة والقضاء والعودة إلى السلف الصالح ، وهو مسار حافل تذخر به الموسوعة التاريخية القضائية ، بغض النظر عن بعض الممارسات التي تمت خلال عهود ماضية ، ومحاولات جماعة الإخوان الإرهابية في تعيين دفعات على درجة مساعد نيابة عامة وتم إحباطها آنذاك في بدية حكم الإخوان إبان تولي المستشار حسام الغرياني رئاسة مجلس القضاء الأعلى سابقا ، وتوجهات بعض من الرموز القضائية السابقة تجاه توريث الوظائف القضائية ووصفها بعضهم بالزحف المقدس ، وآخر أعتبرها سنة واجبة " بان ابن القاضي بغض النظر عن تقديره فهو من بيئة قضائية" ، ومحاولة البعض في تمكين أبنائهم الغير أكفاء من خلال مؤسسة الرئاسة في عهود سابقة ، ولنا في وزير العدل الأسبق عهد المعزول محمد مرسي مثال حي عندما اتصل بالرئيس مبارك لتعيين نجله الأصغر عمر والرابع من أبناءه بالهيئات القضائية، وغيره من الذين تحايلوا على بعض المجالس بإلحاق أبنائهم في التظلمات ، ودعا آخرين لعرقلة الإجراءات الجديدة التي استنها الرئيس عبدالفتاح السيسي لتصحيح المسار وخاصة بعد شمول بعض القرارات الجمهورية بأسماء تم تمريرها دون إعادة فحص وتحري الدقة وظهر منهم المحبوس على ذمة قضايا فساد مالي، وآثار وإرهاب، ومتهمون أيضا في قضايا تعذيب وقتل ، ومزورين لشهادتهم .

الأمر الذي فرض على الرئيس عبدالفتاح السيسي أن يتدخل بصفته الرئيس الأعلى للجهات والهيئات القضائية ، ووجه الجهات والهيئات القضائية بوضع ضوابط وإجراءات أكثر دقة ، مثل الاختبار التحريري الذي واجهه البعض برفض لما تسبب باستبعاد غير الأكفاء ، واستمر إجراء فحص ملفات المرشحين بالرقابة الإدارية مرتين بعد القرار التأسيسي من المجالس الأعلى والخاص ، ومرة أخري قبيل صدور القرار الكاشف من رئيس الجمهورية ، بجانب الاختبار النفسي ، والالتحاق بالأكاديمية الوطنية للشباب بالشيخ زايد .

فما يتم من إجراءات وضوابط واختبارات على الجميع تدعو إلى الأمل، وما يتبقى سوى أن تزيد نسب المقبولين من الأكفاء ويحد من الاستثناءات للبعض ، من أجل تطبيق العدالة الاجتماعية والاقتداء بالسلف الصالح ، وتنفيذ وتوجهات الرئيس عبدالفتاح السيسي لتحقيق عدالة اجتماعية وتوازن نفسي بين أبناء الشعب ، والتخلص من المرض المزمن الذي يعاني منه البعض بمؤسسات وأروقة العدالة، ولنا في القاضي الفقيه شريح بن الحارث الكندي أسوة حسنة، كان رحمه الله من كبار التابعين، استقضاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الكوفة، كان أعلم الناس بالقضاء، ذا فطنة وذكاء ومعرفة وعقل ورصانة، ولما أراد عمر بن الخطاب أن يولي شريح القضاء كتب إليه، إذا أتاك أمر في كتاب الله فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض به فإن لم يكن فيهما فاقض بما قضي به أئمة الهدي فإن لم يكن فأنت بالخيار.

ويوما قال ابن شريح له: يا أبت، إن بيني وبين قوم خصومة، فانظر فيها، فإن كان الحق لي قاضيتهم، وإن كان لهم صالحتهم، ثم قصّ عليه قصته، فقال له شريح ، انطلق فقاضهم ،فمضى إلى خُصُومِه، ودعاهم إلى المقاضاة، فاستجابوا له.

ولما مثلوا بين يدي شريح، قضى لهم على ولده، فلما رجع شريح وابنه إلى البيت، قال الولد لأبيه: فضحتني يا أبت! والله لو لم أستشرك من قِبل لما لمتك ، فقال شريح: يا بُنَيّ، والله لأنت أحب إليَّ من ملء الأرض من أمثالهم، ولكن الله عز وجل أعز عليَّ منك، لقد خشيت أن أخبرك بأن الحق لهم فتصالحهم صلحًا يفوت عليهم بعض حقهم، فقُلْتُ لك ما قلت.

واختم مقالي برسالة "علي بن أبي طالب" كرم الله وجهه التي أرسلها إلى الأشتر النخعي والي مصر، حين كانت تابعة لحكمه، وفيها يقول:

" ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تحكمه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر في الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تستشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقَفُهُمْ في الشبهات، وآخَذُهم بالحجج، وأقَلُّهم تبرماً بمراجعة الخصوم، وأصبرهم على كشف الأمور، وأصرمهم على اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر من تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال عندك..

في هذه الرسالة أيضاً: أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك، ومن خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تَظْلِم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وكان لله حرباً، حتى ينزِع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله، وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد.