محمد سلطان يكتب.. عالم موازي!!

عالم موازي

الثلاثاء 06 سبتمبر 2022 | 04:14 مساءً
محمد سلطان
محمد سلطان
كتب : محمد سلطان

تتشابه وجوه البشر وهيئتهم، تجمعهم ملامح عامة معروفة تجعلنا نشعر بالألفة الفطرية مع غالبيتهم وكلما زاد التواصل زاد القرب وزادت المحبة لاحقاً، تلك التي تأتي كنتيجة خبراتنا مع هذا أو ذاك وكل حسب درجة ما قدمه لنا من مشاعر إنسانية ومواقف حياتية يترجمها القلب والعقل بشكل تلقائي وتُحدد مكانة صاحبها داخل أنفسنا بطريقة عفوية لا يفسدها شيء سوى ذنبين أولهما تجردنا من إنسانيتنا وإقحام ذواتنا في لعبة الحسابات المعقدة والتوازنات من أجل تحقيق مصالح شخصية زائلة ونيل مكاسب وهمية على حساب فطرتنا الصحيحة التي تدرك وحدها الصالح من الطالح لكننا للأسف لا نستمع لها إلا بعد فوات الأوان، السبب الثاني وهو الأهم إننا فعلا نكاد لا نعرف شيئا عن حقيقة الآخرين، ما نعلمه عنهم فعليا لا يتعدى عٌشر الحقيقة أما السواد الأعظم بداخلهم فهو إما صورة مثالية مزيفة ومفتعلة مغايرة للواقع يتم تصديرها لغرض ما من صاحب الشأن أو على النقيض نجد نسخة سلبية مبتورة مشوهة يتداولها عنه أعدائه أو حتى كانت الصورة في معظمها مجرد دائرة صماء مغلقة مظلمة تماما لا يعلم حقيقتها إلا الله، على أرض الواقع مع النضج والتعلم من خبراتنا السلبية قبل الإيجابية تتطور قدراتنا على قراءة ما بداخل الغير لكننا حتما لن نصل سوى لربع الحقيقة على أقصى تقدير!!

- هذه ليست دعوة للشك في نوايا البشر أو التشكيك في حقيقة ما نعلمه عنهم ولا هي رحلة نبش فضولي في أعماق الغير من أجل إطلاق أحكام الإذعان أو فرض الوصاية، لكنها إقرار لحقيقة إننا لا نعلم عن غيرنا شيء إلا ما أرادوا إعلامنا به، الحقيقة مجهولة دائما، صحيح المقدمات تؤدي لنتائج وصحيح أكثر إن العِشرة والمواقف المتتالية تُسقط القشرة الخارجية اللامعة وتكشف الشدائد أو حتى النِعم المعدن الحقيقي للبشر وتتعرى بواطن النفوس لكنها أبدا لن تصل بنا لأعمق نقطة في قاع المحيط النفسي مهما حدث وكل يوم نتفاجىء بجزء خفي لم نكن نعلم عنه شيء عن أقرب الناس إلينا وهذا شيء منطقي بل وطبيعي جدا فالإنسان نفسه لا يعلم حقيقته كاملة، كل يوم بل كل ثانية نتعرض فيها لمواقف جديدة مختلفة تكشف لنا شخصياً عن جوانب لم تكن معلومة فى شخصياتنا حتى إننا أحيانا قد نستعين بأطباء متخصصين من أجل فهم أنفسنا فما بالك بالغير!! ناهيك على إن الإنسان بطبعه متغير عكس المفهوم السائد وعلى سبيل المثال وليس الحصر فالمنصب، السُلطة، الشهوة، الحب، الكراهية الطمع، الشهرة، التغير المفاجئ في الحالة الاجتماعية أو الظروف المُحيطة كلها عوامل تؤدي لتغيرات بسيطة عند بعض البشر وجذرية عند غالبيتهم!!

- عالم الآخرين هذا هو عالم موازي قائم بذاته، عالم مجهول ملء بالصراعات، الانكسارات أو الانتصارات الداخلية الغير مُعلنة ورغم ذلك فإن افتراض حُسن النوايا هو الأساس وما نحسب الغير عليه دائما هو الخير والفطرة السليمة أساس لأي علاقة إلى أن يثبت العكس لكن مع توخي الحذر الشديد في ظل التحول المادي الرهيب لكل شيء وأي شيء، فنحن في عصر سيئيعلو فيه صوت الباطل ويخفت فيه صوت الحق حتى كاد ينكتم قهراً، عصر خبيث يلتبس فيه الخير بالشر وأرخص ما فيه هو مشاعر البشر التي تُباع بلا ثمن وتسقط بلا قيمة أمام أطماع بشرية بصبغة شيطانية وتطلعات لا تنتهي!! مؤخرا تم تكذيب مقولة شهيرة كانت منسوبة للإمام عمر بن الخطاب وهي (ولو اطلع الناس على ما في قلوب بعضهم البعض لما تصافحوا إلا بالسيوف) وأنا لست بباحث ديني متخصص حتى أجزم بصحة المقولة من عدمه لكني مع الزمن أدركت المعنى(الصحيح)من وراء قولها إذا (حدث أساسا)وهو إننا نلقى بأنفسنا للتهلكة فعلا إذا حاولنا كشف أوراق غيبية لم يشأ الله كشفها لنا بعد، لا داعي لتتبع عورات الغير ومحاولة تعرية ذاته التي سترها الله عنا لمعرفته بقدر الحزن الذي سيقتل قلوبنا حين معرفة ما كان لا يجب علينا معرفته، أكبر معاناة نفسية يصنعها الإنسان لنفسه هي السقوط في دوامة الشك والتفسيرات اللا نهائية لكل كلمة وكل لقطة، سراديب الشك هي الهلاك بعينه فهي سموم عقلية قاتلة لن تقود أبدا لأي حقيقة لأنها ببساطة غير مكتملة وكل صورة وكل كلمة لها ألف وجه لا نعلم منهم إلا القليل!!

- شخصيا وبمناسبة الصراعات الداخلية المكتومة اكتشفت مؤخرا سبباً يدعو للسعادة والتصالح مع النفس والغير أيضا ولو قليلا وهو ببساطة انتصاري أخيرا بعد معاناة طويلة جدا على نفسي في أكثر من معركة عاصفة لم ولن يعلم عنها أحد أي شيء .. انتصار جزئي لكنه بالنسبة لي انتصار جلل نلت شرف تحقيقه بعد سنوات من الصراع الدامي في عالمي الموازي الذي علمتني دروبه ودهاليزه أن ألتمس لغيرى ألف عذر فقد يكون هذا الغريب أو حتى هذا الحبيب لا زال عالقاً هناك في عوالم خفية لا أعلم ولا أريد أن أعلم عنها أي شيء!!.