شكلت قضية تحديث واستكمال البنية التشريعية توجها أساسيا للدستور المصري في جميع مواده وبنوده، وتبوأت المواد الخاصة بالعدالة القضائية مكانة كبيرة في دستور ٢٠١٤ وتعد تشريعات الضرورة، وأكدت على ضرورة تطوير مختلف التشريعات والقوانين لتواكب حركة التغيير في المجتمع المصري في مختلف المجالات.
ولأن التشريع هو حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، ولأن القانون يحكم كل شئ ويرتفع فوق الأشخاص مهما علا قدرهم وأرتفع شأنهم، فهو الفيصل بين الحق والباطل، والمباح والمحرم، والمصلحة والضرر والصحيح والباطل، وهو المعيار الذى يصنعه المجتمع على هدى معتقداته وقيمه وتقاليده لصيانة حركته للأمام، وحمايته من الفتن ومعاول الهدم والضلال وهو الأساس الصلب الذى تقوم عليه عملية الإصلاح الاجتماعي في شتى صورها.
ومن ثم يجب أن تعطى عملية سن القوانين أهمية بالغة وينظر إليها بأنها قمة الواجبات الوطنية التي تتطلب بحثا مضنيا ودراسة مستفيضة وتستوجب العمل لوجه الله سبحانه وتعالى من أجل الوطن، ولتحقيق الاستقرار في البنيان الاجتماعي والاقتصادي والبعد عن الهوى والغرض، والحكم على نجاح اى عمل تشريعي يقوم على ما يحققه من فائدة حقيقية للشعب، وما يدفعه من ضرر وما يرسيه من أساس للمستقبل.
ومن ثم تحققت غاية المشرع في المادة 186 من الدستور التي نصت علي أن «القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان في عملهم لغير القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات ويحدد القانون شروط إجراءات تعيينهم وإعارتهم وتقاعدهم وينظم مساءلتهم تأديبياً، ولا يجوز ندبهم كلياً أو جزئياً إلا للجهات وفى الأعمال التي يحددها القانون، وذلك كله بما يحفظ استقلال القضاء والقضاة وحيدتهم ويحول دون تعارض المصالح ويبين القانون الحقوق والواجبات والضمانات المقررة لهم» كما نصت المادة 239 من الدستور المصري باب الأحكام الانتقالية بأن «يصدر مجلس النواب قانوناً بتنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب الكلى أو الجزئى لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائي أو لإدارة شئون العدالة أو الإشراف على الانتخابات، خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور» وتعني المواد الدستورية علي أن انتداب القضاة سواء الكلى أو الجزئي إلا في حالات محددة، مثل وجودهم في الهيئة الوطنية للانتخابات الخاصة بالإشراف على الانتخابات أو في إدارة شئون التشريع وما يتعلق بها أو في إدارة شئون العدالة أو التفتيش القضائي أو في بعض الحالات مثل العنصر القضائي في المزايدات والمناقصات ،كما أن الدستور منح مهلة للمنتدبين الحاليين بتصفية وإنهاء انتدابهم وأعمالهم خارج القضاء في مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ إقرار الدستور أى منذ ثلاثة أعوام أي في نهاية عام ٢٠١٩ كان لزاما أن يتم إنهاء الانتداب كلياً أو جزئياً ،وهنا أراد المشرع بهذه النصوص الحفاظ على استقلال القضاء وتفرغ القاضي للعمل في القضايا المتداولة في المحاكم والفصل فيها.
ولما لهذا التشريع من أولوية قصوى وضرورة حتمية فكان لزاما على ان يسعى مجلس النواب فى سن مشروع قانون تنظيم ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية " الذي يعد من أهم وأكثر القوانين للقضاة والمتقاضين ، وترجمة للمواد الخاصة بالندب في الدستور، و الذي تم إعداده ومهيأ لاتخاذ إجراءات استصداره ، رغم تجاوز مدة الخمس سنوات المحددة لإصدار القانون دون مبرر . وأصبح النص الدستوري مهملا ، وينظم الندب من خلال كتاب دوري من رئيس مجلس الوزراء وقرارات رؤساء الهيئات والجهات القضائية، ومؤخرا أنيط الي وزير العدل الموافقة على الندب لتقليص اعداد أعضاء الجهات والهيئات القضائية المنتدبين لدى الوزارات والمصالح الحكومية نظرا للتكلفة الكبيرة التي تتكبدها خزانة الدولة من مكافآت مالية كبيرة يحصل عليها المنتدبين ،بالإضافة الي مخالفة النص الدستوري وتعطيل الفصل في القضايا المتداولة بأروقة العدالة المختلفة ، كما جاء في الكتاب الدوري الصادر من رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، والذي تم تعميمه على الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات والأجهزة التابعة لها، لإلزامهم بإتباع آليات إدارية جديدة بخصوص طلبات ندب القضاة للجهات الحكومية للاستعانة بهم في الاستشارات القانونية ، بموافقة وزير العدل، مما يلزم الوزارات والمصالح الحكومية بعرض طلباتها بشأن ندب أعضاء الهيئات القضائية أو تجديد ندبهم على وزير العدل وليس بموافقة المجالس الأعلى والخاص للجهات والهيئات القضائية التي ينتمي إليها العضو.
ولاشك أن هذه التعليمات صدرت الهدف منها تقليص أعداد المنتدبين للعمل كمستشارين قانونيين بالوزارات والجهات والمصالح الحكومية ، تنفيذا للإجراءات التقشفية التي تتخذها الدولة لترشيد الإنفاق الحكومي.، وبالرغم أن هذا الإجراء وغايته ضمن أهداف تنظيم الندب إلا أنه لم تتحقق غاية توجيهات رئيس الجمهورية بشأن تنظيم الندب ، وكذلك ما نص به الدستور في المادة 239 الذي ألزم مجلس النواب بإصدار قانون ينظم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب الكلي والجزئي في غير الأعمال ذات الصلة القضائية، وذلك خلال خمس سنوات من تاريخ العمل بالدستور عام ٢٠١٤، مستهدفًا بذلك تحقيق الحيدة والاستقلال القضائي.