لا شك أن قمة جدة للأمن والتنمية، التي جمعت بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الأردن ومصر والعراق، واختتمت أعمالها مساء أمس، قد حققت عددًا من الأهداف التي عُقدت من أجلها.
بيد أنّ النتائج، التي تمخضت عنها القمة، وعبر عنها بيانها الختامي والبيان المشترك السعودي-الأمريكي والتصريحات التي تلت لقاءات القادة العرب بالرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش القمة، تبدو دون الطموح أو التوقعات، بالنظر ليس فقط إلى الزخْم الإعلامي الضخم، الذي رافق الإعلان عن القمة، ولكن أيضًا بالنظر إلى ما توقعته دول المنطقة وشعوبها منها.
فقد أكّد البيان الختامي للقمة أهمية الشراكة الاستراتيجية الأمريكية-الخليجية والعمل على تعزيزها، واتخاذ الإجراءات كافة لحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي وتطوير التعاون والتكامل بين دول المنطقة، ولا سيما مواجهة تغير المناخ.
كما كرر البيان الالتزام الأمريكي بتسوية عادلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وتأكيد ضمان خلوّ منطقة الخليج العربي من الأسلحة النووية، والتصدي للإرهاب وكل الأنشطة المزعزعة للاستقرار الإقليمي.
وأدان البيان الهجمات الإرهابية ضد الأهداف المدنية ومنشآت الطاقة في السعودية والإمارات، وضد السفن التجارية في مضيقَيْ هرمز وباب المندب.
وأخيرًا، تطرَّق البيان الختامي لقمة جدة إلى مواقف معتادة للدول المشاركة بخصوص الصراع السوري، والأزمة الليبية، والأوضاع في لبنان والعراق والسودان وأفغانستان، وملف سد النهضة الإثيوبي.
ولا شك أن قمة جدة أحدثت اختراقًا مهمًا في العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة، بالنظر إلى حالة الفتور وعدم الثقة التي عانتها مؤخرًا، حيث تم الاتفاق على أن تنعقد القمة الأمريكية-الخليجية بشكل سنوي مجددًا، كما كانت في عهد الرئيس أوباما.
ولا شك أيضًا أن الدول العربية حققت عددًا من الأهداف التي كانت تسعى إليها من وراء القمة، فقدوم "بايدن" الذي كان يرفض من قبل زيارة السعودية، يعد بحد ذاته هدفًا مهمًا، وهو اعتراف من قبل واشنطن بأهمية دول الخليج للمصالح الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة وخارجها.
وقد حصلت الدول العربية على التزام صريح من "بايدن" بعدم التخلي عن المنطقة والتزامه بضمان الأمن فيها وتعزيز التعاون مع دولها في المجالات المختلفة، وتعهد أيضًا باستمرار الضغط على إيران وعدم السماح لها بامتلاك أسلحة نووية.
وربما من أهم ما حققته الدول العربية من القمة هو إظهار قدرتها على صياغة الأجندات التي تخدم مصالحها، بعيدًا عن لغة الضغوط التي دأبت واشنطن على القيام بها أحيانًا إذا تعارضت مصالحها مع مصالح دول المنطقة، وأنها –أي الدول العربية- قادرة على أن تخط سياسات مستقلة لها.
ومع ذلك، تبدو الأهداف التي جاء للقمة من أجلها، ومنها ضمان استقرار أسعار الطاقة، حيث حصل "بايدن" على التزام بضخ النفط في الأسواق لشهري يوليو وأغسطس بنسبة تزيد على ٥٠٪ عما كان مخططًا له. وهذه كانت ضمن أهم أهداف الزيارة.
وفيما يتعلق باليمن، كان هناك التزام من السعودية بتمديد الهدنة وتعزيزها أيضًا، وهذه من القضايا التي استخدمها "بايدن" لتبرير زيارته للسعودية، بعد ما تعرض له من انتقادات داخل بلاده.
كما حصل "بايدن" على التزامات مادية من دول الخليج بقيمة ١٠ مليارات دولار رُصدت للأمن الغذائي الإقليمي والعالمي، و٣ مليارات أخرى للبنية التحتية في الدول الفقيرة.
كما أن قرار السعودية بفتح أجوائها للطيران المدني من إسرائيل وإليها يعد إنجازًا "تاريخيًّا"، على حد تعبير "بايدن" نفسه.. دون الحديث عن التوقيع على 18 اتفاقًا مع السعودية في مجالات تشمل الطاقة والفضاء والصحة والاستثمار.
ولكن "بايدن" لم يحصل على كل ما يريد، إذ لم يكن هناك أي حديث، لا في البيان الختامي لقمة جدة ولا في الكلمات التي ألقيت، عن تشكيل تحالف إقليمي أو "ناتو" أوسطي من الدول العربية وإسرائيل ضد إيران.
كما لم يكن هناك أيضًا أي إشارة إلى توسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية لتشمل السعودية، والتي أكد "بايدن" ومستشاروه مراتٍ عدة أنها في صُلب أهداف الزيارة.
ولم تحصل الولايات المتحدة على ما كانت تطمح إليه من تأييد عربي لموقفها من الحرب الروسية-الأوكرانية.
وعكَس البيان الختامي للقمة تفَهُّم واشنطن لموقف التحوّط الاستراتيجي الذي اختارته دول مجلس التعاون الخليجي تجاه طرفي الحرب "روسيا وحلفائها من ناحية وأوكرانيا والغرب من ناحيةٍ أخرى"، والذي يقوم على الانخراط مع الطرفين دون التحيز لأي منهما، والتزام ما يعرف بـ"الحياد الاستراتيجي" تجاه مجريات الصراع.
إذًا، حققت القمة بعض الأهداف المهمة لكلا الطرفين، وهنا تكمن أهميتها. ولكن القمة، إجمالاً، تبقى دون المستوى أو التوقعات، بالنظر إلى الأهداف الرئيسية التي كان كلا الطرفين يسعى لتحقيقها، والتوقعات المتزايدة بشأنها.
والخلاصة أنّ قمة جدة لم تُفضِ إلى إعادة توجيه العلاقات الخليجية-الأمريكية، وإنما حاولت إعادتها إلى سيرتها الأولى.