حكاية مهاجر..2

السبت 11 يونية 2022 | 02:53 صباحاً
كتب : بلدنا اليوم

بقلم/ ناجى مطش

بداية الفكرة بنهاية عام الحزن..

توقف بى الزمن بعد وفاة والدتى رحمها الله وبدت الأيام تمر كئيبة ثقيلة على نفسى التى تجرعت الأحزان وأبا عام 81 على الرحيل حتى تلقيت الصدمة الثانية فى السادس من أكتوبر، هذا اليوم الذى تحمل له نفسي مشاعر الفرحة والزهو والأنتصار فاذا به يحمل مشاعر الحزن والألم والأنكسار جلست أتابع العرض العسكرى كعادتى على شاشة التلفاز وكلى فرح وسعادة وأنا أرى القائد الذى ذقنا على يديه طعم الأنتصار يمشى شامخا مرفوع الرأس ككل مصرى عايش هذا الزمان وعيناى تبحث فى شوق بين الحضور لمن أعرفهم من الأحباء وفجاءة ينقلب الفرح الى مأتم ويغتال الرئيس محمد أنور السادات وتصدر من أعماقى صرخة تحمل معها كل مشاعر الحزن والألم ..كيف ..ومن ..ولماذا..؟.

أكاد لاأصدق وعلى يد من ...من أخرجهم من السجون ..من فتح لهم المعتقلات ..من أقام معهم الحوار ..من حاول أن يشركهم معه فى الحياة السياسية ..لا لايمكن أن يكون هؤلاء مصريون أبدا ..المصريين على مدار تاريخهم لم يعرفوا هذا الغدر والعنف والدم ..كنت أتأمل دائما وأنا أقرأ القراّن أن كل نبى كان يخاطبه الله بأسم قومه مبعوثا لهم ..قوم لوط ..قوم صالح..قوم عاد الا مصر خاطبه الله بأسم حاكمها وأمر سيدنا موسى بأن يذهب اليه ويقول له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى وفى هذا معنى كبير لخاصية فريدة للشعب المصرى.

فماذا حدث له ومعه وهنا وفى تلك اللحظة الأليمة داخلنى الأحساس أن هناك عطب وخلل أصاب المجتمع يجعلنى أفكر جديا فى الرحيل عنه ولكنه كان رحيلا بالجسد والروح مازالت ترفرف فى جنباته حتى الجسد يشتاق لترابه...

لم يكن حبى للرئيس السادات نابعا من عاطفة فوارة ولكن شاء الله أن ألتصق عن قرب بقادة ومقربون له وفى الوقت ذاته بأشد معارضيه شراسة فأتيحت لى الفرصة برؤية دقيقة ومعرفة بخفايا الكثير منها لا نستطيع حتى يومنا هذا بالكشف عنها وكلها تؤيد وتدعم حكمة هذا الرجل وحصافته وذكاءه السياسي وكيف لا وهو من أستطاع خداع زعماء العالم والتلاعب بهم ومايثيره البعض من أقاويل تشكيكا سواء فى حربه ونصره أو معاهدته للسلام لم تكتمل لديهم الصورة ...هذا الرجل الذى فقد أحب وأقرب وأصغر أشقاءه فى أول يوم للحرب وكان يمكنه تجنيبه تلك المخاطرة ..هذا الرجل الذى قال فيه فضيلة الشيخ الشعراوى.

لو لم يكن له من حسنة سوى حرب أكتوبر ونصره لكفته...

والذين يتندرون بأحداث سبتمبر من ذات العام لايعرفون حقائقها ولذا وأثناء زيارتى الأخيرة لمصر قمت بزيارة لأشد معارضا له وله صيت دولى ومكانة فى قلبى زرته بمنزله وأسترجعت معه ذكريات كثيرة وقلت له أسألك سؤالا أستحلفك بالله ولله وللحق أن تصارحنى هل تعرضتم لتعذيب أو اهانة أثناء فترة أعتقالكم فقال لى ...لا...لم يحدث !!.

ذهبت الى منزل أحد المقربين جدا من أصدقاء الرئيس السادات حيث تربطنى علاقة صداقة بأبنائه ومكثت داخل مكتبته المنزلية ثلاثة أيام أطالع فى شغف وثائق لعلى أصل للجواب الذى أبحث عنه ولكنى تأكدت بأن هناك سرا لن نعرفه فى حياتنا !!.

كان يوم جنازته يوما عصيبا على نفسي وحمل جثمانه للدفن أربعة رجال أبنه جمال ونجل شاه أيران وحارسه الخاص وصديق عمرى الدكتور أحمد نعينع..

ومرت عدة سنوات والقرار يلاحقنى بالهجرة حتى وفقنى اليها الله بحدث غير عادى ولا أعتيادى أيضا ومن يومها وأنا أحرص فى كل زيارة لى لمصر على زيارة قبره وقراءة الفاتحة لروحه لتنعم فى سلام.