اعلم انك يا عزيزي القارئ ستبادرني بتهكم وابتسامة ساخرة يتبعها سؤال فيه كثير من المعاني وأنت تقول ( ماذا دهاك يا رجل ؟ وعن أي شيء تتحدث ؟ هل تحاول أن تحسن الصورة في وقت اشتد سواد ليله وتغيرت أنفُس الناس في نهاره ؟ أو أنك تحاول أن تكون مصدقاً لنفسك عندما تتحدث عن أناس اندثروا منذ زمن بعيد ؟
هل انتهيت يا عزيزي القارئ من استغرابك ؟ معك حق فقد أصبحت ( القلوب البيضاء ) عملة نادرة في زمن طغت فيه الماديات على كل شيء فلم يعد هناك الوقت الكافي لنبحث عن قلوب صافية مازالت تحمل الخير والود لجميع الناس ، هذه قد تكون وجهة نظرك التي احترمها بالطبع ، أما أنا يا عزيزي فأؤكد لك أننا في مصر وفي معظم الدول العربية نتمتع بوفرة من أصحاب القلوب البيضاء.
فقد أفادني بشكل كبير حبي للسفر والسياحة وخاصة في وطني الغالي مصر ، فأنا ازعم أنني قد تنقلت في معظم ربوع مصر من مدنها وحضرها إلى ريفها وقراها ماراً بصحرائها وباديتها فشاهدت الكثير من أهل المحروسة في أماكنهم فوجدت فيهم الخير الكثير من كرم وإيثار وحفاوة في استقبال الضيف وهذا بداية لتأكيد أن أهل القلوب البيضاء في كل مكان وبوفرة، لأننا لابد أن نتحدث عن مقارنة بين باطن الإنسان وظاهره وهل تَظهر بواطن القلب على تصرفات الشخص.
من المتعارف عليه حتى عند العرب قديماً أن الكرم يَظهر في الوجه فترى الكريم ذو وجه مشرق يتهلل في وجه ضيفه من بعيد فيكاد يحمل ضيفه على بساط طائر ليوفر له كل سبل الراحة والسعادة وهذا النوع وبشهادة الجميع متوفر إلى حد كبير في مصرنا الغالية فالمصري مضياف بطبعه ولا نهضم حق أهلنا في جميع دولنا العربية فهم كذلك أهل جود وكرم ، وما أردت أن ادلل عليه هنا ليس الكرم بذاته ولكن كنت اثبت لك أيها القارئ المحترم مقارنة مهمة فكما أسلفنا أن الكريم ذو وجه صبوح ومشرق وهذا اكبر دليل على صفاء الصدر وبياض القلب.
في حين أن الإنسان ذو ( القلب الأسود ) كما يسمونه بالتأكيد لن تجده على شاكلة الكريم ، فسواد القلب يطغى على الوجه فتجد كدارة الشكل ( بغض النظر عن لون البشرة سمراء كانت أم بيضاء ) فلا تجد أريحية في معاملة هذا الشخص فهو شخص منفر وأعتقد أننا لو طبقنا عليه قول رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) إن صح عنه ( أن الله إذا أحب عبداً نادى في ملائكته أني أحب فلان فأحبوه وبالتالي ( يكتب له القبول في الأرض ) فتجدك تحب الشخص وتدفعك نفسك للحديث معه دون أن تعرفه وهذا الأمر بالتأكيد ينطبق على الشخص سمح الخلق الذي لا يحمل الضغينة في قلبه لأحد أي أن ( قلبه أبيض ) فيظهر بياض القلب في الوجه.
في الوقت نفسه نجد أن العكس صحيح فإن الشخص الحقود والذي يحمل الغل والحسد في قلبه والذي أيضاً يظهر في وجهه وتصرفاته كما أسلفنا ينطبق عليه نفس الحديث ولكن في الجزء الآخر من الحديث الذي يتحدث عن الشخص الذي يبغضه الله ( عز وجل ) فتجده منبوذاً من الناس لا يطيق أحد مجرد الحديث معه فقد اسود قلبه من كثرة حمله للغل والحسد للناس بالإضافة إلى البخل والشح ، فهو يبخل بالمشاعر الطيبة قبل الطعام والشراب وهنا أيضاً تجد تصرفات الشخص تُظهر مكنون القلب مما يستوجب كدارة الشخص والنفور منه.
من اجل ذلك كنت ومازلت أصر على أن أهل القلوب البيضاء والذين يحملون مشعل السماحة والصفاء موجودون بكثرة في كل زمان ومكان مهما ساءت الظروف وتقلبت الأحوال فهذه الأمور في الدم تحملها الجينات الوراثية فتتوارثها الأجيال تلو الأجيال لتثبت أننا مازلنا بخير ، وما علينا إلا أن نحسن الظن بالله ونحاول أن نصفي وننقي سريرتنا حتى يصلح الله ( سبحانه وتعالى ) علانيتنا مما يكون له المردود الجميل في أخلاقنا بل وفي خلقتنا.