سمعت حوارا مطولا لنيافة الانبا بولا مع الاخ الفاضل الإعلامي حمدي رزق ، وهو حوار جد خطير ، خرج فيه علينا نيافته لمحاولة غسل الاخطاء التي يرتكبها قداسة البابا تواضروس الثاني بحق الكنيسة ، وهي محاولة مهدومة يدحضها الواقع الملموس ، فنيافته يهاجم بحذر شديد المدافعين عن إيمان الكنيسة وهوبتها الوطنية من محاولات تغلغل -- ربما تغافل عنها -- من بعض الطوائف لم يتصد لها الاقباط الحاليين الذين يقصدهم الانبا بولا الموقر ، بل تصدى لها باباوات عظام من قبله عبر التاريخ خوفا على إيمان الكنيسة وهوية الوطن ، فإن كان لا يعلم نيافته هذه الحقيقة فنحن امام كارثة حقيقية ، لان الاسقف مهمته وهدفه الاول هو الدفاع عن إيمان وتقاليد الكنيسة وطقوسها إلى النفس الاخير ، وفقا للتعهد الذي يتلوه امام مذبح الله والإكليروس والشعب ، فنيافته أكد في الحوار انفتاح البابا على الكنائس الاجنبية تحت ستار المحبة!
ومن الكارثة بل والفجيعة أن نيافة الانبا بولا ورط قداسة البابا توريطة تاريخية واعترف اعترافا مسجلا صوتا وصورة بأن قداسة البابا تواضروس الثاني لم يتطرق للخلافات العقيدية علشان ميزعلش الطوائف او علشان الوحدة مع الكنائس، وهذه وحدها كارثة، لان هدف البطريرك وفقا لقوانين الكنيسة هو الحفاظ على تعاليم وقوانين الكنيسة وإيمانها دون مجاملات على حسابات العقيدة ، لانه ينبغي أن يطاع الله اكثر من الناس , وما قاله نيافة الانبا بولا هو اعتراف ضمني موثق بأن البابا ليس هدفه العقيدة ، وأن هناك في عهده فوضى في التعليم !!! حيث اكد نيافته بان قداسة البابا غير حاسم في الرد على الاخطاء العقائدية ويتركها دون محاسبة !!!، ومن المغالطات التي لا يرتضاها ضمير حي وليس ضمير اسقف -- أو رجل دين -- هو زعم نيافته بأن قداسة البابا يحب الجميع متناسيا الحروب التي يشنها قداسته بالوكالة على الأباء الأمناء الحريصين على إيمان وهوية الكتيسة الوطنية ، والذين وقفوا ضده كي لا يذوب إيمان وهوية كنيسة عريقة بجرة قلم بعد محاولات البابا تواضروس المستميتة لتمرير مخطط الوحدة الوهمي الذي لا يستند لوحدة الإيمان ، وربما تناسى نيافة الانبا بولا العبارات التي يطلقها قداسة البابا تواضروس الثاني على معارضيه ووصفه لهم بالوقحين والمعفنين !!! في سابقة تاريخية لم تصدر من اب بطريرك عبر التاريخ .
والمفاجأة هنا أن نيافة الانبا بولا هو هو الذي أدان قداسة البابا تواضروس في عدة وقائع ، من اهمها واقعة عدم محاسبة الفس كيرلس فتحي الذي تطاول على الوحي المقدس , كما أدان قداسته بشكل علني غير مباشر مؤخرا بعد اجتماع اسبوع الصلاة من اجل وحدة الكنائس بالكنيسة الاسقفية بسبب المشاركة مهزلة توزيع القربان المشترك ، وقول نيافته بالنص : " انا لو مكان الاسقف مستحيل اعمل كدة ، لان في العقيدة مفيش أي مجاملات " !!! .
والغريب أنه يقول هذا وفي ذات الوقت يهاجم اقباط مصر الذي ينتقدون بشكل واضح وبلياقة محاولات قداسة البابا المساس بالكنيسة وإيمانها وهويتها ؟!! .. هو يدين من يدافعون عن كنيستهم وهو هو يفعل ما يفعلون!!! بل أن نيافته في إدانته لصمت قداسة البابا على محاسبة الاخطاء الإيمانية استقى معلوماته من السوشيال ميديا التي يهاجمها !!!! ويحاول الانبا بولا جاهدا التمويه على البسطاء في مغازلة مبالغ فيها وبعيدة عن الحق الإنجيلي لقداسة البابا تواضروس بقوله " إنه رجل إداري ونجح في ذلك نجاحا كبيرا " ، متناسيا أن دور رجل الدين هو خلاص النفوس وليس الإدارة فقط ، فهدف الاسقف الاول هو التعليم والرعاية وليس جمع المال وبناء المباني والقصور الفخمة ، وربما ايضا يحاول نيافة الانبا بولا التمويه للمرة الثانية على البسطاء بأنه في عهد البابا شنودة ومن سبقوه لم تكن هناك إدارة في الكنيسة وأن البابا تواضروس فقط هو الذي أتى بم لما يأته الأولين !!! وهذا الإدعاء باطل ومهدوم من الأساس ، لان الكنيسة القبطية الارثوذكسية توسعت في عهد قداسة البابا شنودة الثالث توسعا هائلا ليس في مصر فقط بل على مستوى العالم كله، وبشهادة البابا تواضروس نفسه !!!! وإن كان نيافة الانبا بولا يسفه ويحقر من إدارة الكنيسة في عهد الباباوات السابقين ، خاصة عهد قداسة البابا شنودة ، فإنني هنا اضع امامه شهادة حية ووثيقة تاريخية تؤكد عظمة الكنيسة القبطية الارثوذكسبة ليس فقط على المستوى الإيماني بل والإداري ، وهذه الشهادة ليست من قبطي ارثوذكسي بل من الدكتور القس إكرام لمعي القيادي بالكنيسة الإنجيلية عندما استشهد بمقولة هنري كسينجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق الذي قال عن الكنيسة القبطية الارثوذكسية في مذكراته : « بهزيمة 5 يونيو 1967 انهارت الدولة المصرية تماما ولم يبق منها سوى مؤسستين لم ينهارا هما الجيش والكنيسة الأرثوذكسية، لأن هاتين المؤسستين تتمتعان بنظام إدارى قوي مصمت يصعب اختراقه، لذلك استطاع الفريق محمد فوزى استعادة قوة الجيش فى ست سنوات، وكان العبور الناجح 1973 وهو ما لم يحدث فى تاريخ الجيوش المهزومة، وكذلك وقفت الكنيسة صامدة أمام كل التيارات ولم تهتز وخرجت سالمة" .
ومن المؤكد أن هذه الشهادة من وزير الخارجية الامريكي تهدم وتسحق إدعاءات ومزاعم الانبا بولا سحقا ، كما يهدم الواقع العملي المعاش هذا الإدعاء هدما !!! .
والحق اقول أن نيافته خرج في هذا الحوار لمحاولة امتصاص الغضب لدى قطاع عريض من الاقباط على كنيستهم وهويتها ، وهو غضب مشروع طالما يستهدف صالح الكنيسة والوطن، ونحن استشهدنا بواقعتين هو نفسه غضب فيهما مثلما غضب الاقباط على السوشيال ميديا ، كما أن خروجه في هذا التوقيت يعد بمثابة محاولة فاشلة لإسكات الاقباط المدافعين عن كنيستهم وتشويههم وتهديدهم !! وهذا لن يثني الاقباط عن قول الحق ، لان محاولاته هذه ضد السياق التاريخي الموثق لغيرة اقباط مصر على كنيستهم ، التي رأينا كثير من القديسين والاباء الامناء اساقفة وبطاركة وكهنة وآخرهم القديس حبيب جرجس يطالبون الاقباط بعدم التفريط ولو بحرف مما تسلمناه.. فأقباط مصر كانوا كما يذكر القنصل الفرنسي " دي مييه " في كتاب له عن أحوال مصر عبارات عن الأقباط نقلتها عنه المؤرخة مسز بوتشر في كتاب قامت بتأليفه سنة 1692 بعنوان " الامة القبطية "، حيث قال القنصل الفرنسي عن تمسك الأقباط وباباوت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بإيمانهم ورفضهم للكثلكة : لا يوجد في كل الدنيا شعب عنيد ، وصلب في أخطاؤه وتمسكه بمبادئه القديمة مثل هؤلاء الأقباط ، فإن أعظم وامهر وأحذق المبشرين الكاثوليك كانوا يشتغلون فيما بينهم سنينا عديدة بلا فائدة ، ولا نتيجة تُذكر.. ومع ذلك كله كان يستحيل بالمرة زحزحة كل واحد منهم عن ترك مذهبه ، أو تغيير معتقده مطلقا ، لذلك تعذر على جميع المبشرين الكاثوليك جذب قبطي واحد للمذهب الكاثوليكي ، رغما عما بذلوه في ذلك من المساعي الهائلة ، ولم يعتنق مذهبهم غير الذين أخذوهم من والديهم وهم أطفال من أولاد الفقراء وربوهم منذ نشأتهم على المذهب الكاثوليكي وبدون هذه الواسطة ما كان يمكن تحويل قبطي واحد عن معتقده الأصلي الأرثوذكسي"، وبعد دخول بعض الاقباط للمذهب الكاثوليكي في مصر، بدأت روما تقيم أول بطريرك كاثوليكي سنة 1899 حيث اختاروا الأنبا كيرلس مقار ، وبعد ذلك قدم استقالته البطريركية وترك مصر وذهب لبيروت ، وتم تحديد اقامته في " الجزويت " وفي فترة تحديد اقامته وضع كتاب " الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة "باللغة الفرنسية ، وفند فيه كل مزاعم كنيسة روما المزيفة ، ولم يكتف بذلك بل طلب الرجوع للكنيسة القبطية الارثوذكسية فنظرت لمطلبه بحذر ، فطلب الانضمام الى كنيسة الروم الأرثوذكس بالشام ولكن بمجرد ظهور هذا الكتاب مات الانبا كيرلس مقار في ظروف غامضة عام 1921 . وفي ذلك تقول البارونة "ناتالي إكسيل " أنه توفى وهو منفي في بيروت في شهر مايو سنة 1921 وموته كان فجأة وعلى انفراد وكان سرا غامضا " !! ، كما كتب مار اغنطيوس يعقوب الثالث في كتابه "بطاركة الشرق " عن الأنبا كيرلس مقار: " العلامة كيرلس مقار الشهير بمواقفه المشرفة مع روما ، وقد استقال أو بالأحرى أُقيل ، وأضحى سجين مقر اليسوعيين في بيروت ، حيث ألف بالفرنسية احسن كتاب عرفته المسيحية في مدى علاقات روما بالكنائس الاخرى عبر التاريخ ، وهو خير معين لمن يبغي تحري الحقائق التأريخية ، وفور نشر هذا الكتاب لقي كيرلس مقار حتفه ، في مقر اليسوعيين في بيروت في ظروف غامضة ]. كما يقول شاهد من الكنيسة الكاثوليكية وهو الاب يوحنا كابس في كتابه كتاب وتاريخ حياة الانبا كيرلس مقار بطريرك الاسكندرية للاقباط الكاثوليك " في الطبعة الاولى من الكتاب سنة 1971 ص 217 : " لقد ظل الانبا كيرلس مقار بعد تعيينه بطريركا سنينا قلائل ، مواصلا فيها اعماله الجليلة ... وتلك الايام السعيدة لم تدم طويلا ، فإن روح الخلاف أخذ يدب في الطائفة وأيدي الشقاق تعمل به ، واستحكمت حلقاته مما اضطر الانبا كيرلس إلى تقديم استقالته في 30 مايو 1908.، ومنذ ذلك العهد كثر الهرج والمرج في الطائفة وتبلدت الغيوم الكثيفة في سمائها ، وادلهمت الخطوط وتبلبلت الافكار فانحجبت شمس الحقائق وخيم على نورها الظلام الدامس .... ".
وبعد وفاة الانبا كيرلس مقار ظلت الطائفة بدون بطريرك حتى سنة 1947 حيث رسموا البطريرك الثاني باسم " انبا مرقس خزام " وظل إلى 1958 ،وبعده الانبا اسطفانوس الاول سيدراوس غالي ــ حفيد المعلم غالي ــ وتمت اقالته عام 1986 ، ورسموا في حياته الأنبا اسطفانوس غطاس في ذات العام وظل الى 2006 وأقالوه ، وفي حياته رسموا الانبا انطونيوس نجيب بطريركا للطائفة ، وأقالوه وفي حياته رسموا الانبا ابراهيم اسحق بطريركا ، كما اقنعوا ايضا اسقف على جرجا اسمه الانبا انطونيوس فليفل وانضم لهم ولكن سرعان ما رجع إلى كنيسته القبطية الارثوذكسية وطلب الحل وكتب وثيقتين بالرجوع واحدة كانت متواجدة بالطريركية واختفت والاخرى كانت لدى الشماس رشدي واصف بهمان ، ونشرها بمجلة الكرمة الجديدة عام 2013 ، وعرضوا عليه مغريات لاخذ الوثيقة ولكنه رفض تسليمها لهم .
وفي عهد قداسة البابا شنودة الثالث زاره بعد زيارته للفاتيكان في السبعينات سفير الفاتيكان بالقاهرة بالمقر البابوي ، وعرض عليه صفقة مغرية وهي ان يعطيه بابا روما كل الكنائس والاديرة والجمعيات والمدارس الكاثوليكية في مصر مقابل الاعتراف برئاسة بابا روما ،فرفض البابا الصفقة منحازا لتاريخ وإيمان ابائه والهوية الوطنية للكنيسة ، كما تم العرض في سنة 1986 بشكل اخر ؛حيث عرضوا على قداسة البابا شنودة الثالث وثيقة اسموها " وثيقة تنقية القلوب " ومضمونها ان يتم رفع الحرمانات المتبادلة بين الكنائس واعتراف البابا برئاسة كنيسة روما ولكن المجمع المقدس اجتمع برئاسة البابا شنودة الثالث وقتها واكدوا على انها لا وحدة بدون وحدة الإيمان ووإزالة نقاط الخلاف مثل المطهر وخلاص غير المؤمنين والتناول بالغمس وغيرها .
وهذا يؤكد وهو جزء من كل في التاريخ المملوء بمواقف مشرفة لباباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذين رفضوا كثلكة الكنيسة وحافظوا على هويتها الوطنية والإيمانية رافضين الإغراءات والحماية الأجنبية التي كانت تعرضها عليهم كنيسة روما .
كما أن التاريخ يسجل مواقف مشينة للكنيسة الكاثوليكية بعد الانشقاق ، حيث كانوا يعينون بطاركة ملكانيين تبعهم على كرسي الاسكندرية وينكلون بباوات الكنيسة القبطية الارثوذكسية ويستحلون الأروح ويهدمون الكنائس والاديرة لدرجة انهم قتلوا في ليلة واحدة بالاسكندرية 30 الف قبطي رفضوا الانضمام لكنيستهم والإقرار بإيمانهم ، ويذكر التاريخ بفخر الموقف المشرف لوالي مصر عمرو بن العاص الذي عندما فتح ، كان البابا بنيامين ال38 بابا الاقباط منفيا وهاربا من وجه البابا الملكاني "الكاثوليكي" ، ،حيث أعاده والي مصر عمرو بن العاص بكرامة على كرسيه وبنى له كنيسة في الإسكندرية ورد له جميع الكنائس والأديرة التي سلبها الروم ، وهذا يؤكد أن والي مصر كان منحازا للهوية الوطنية للأقباط وبسماحه بعودة البابا بنيامين كان بمثابة دعم ومساندة للاقباط الذين حافظوا على هوية كنيستهم الوطنية رافضين كثلكة الكنيسة ومحو إيمانها الذي تسلمته من الأباء.