أيمن شرف يكتب عن "صنم العجوة" إبراهيم عيسى و"الدعارة الفكرية" في قناة الحرة الأمريكية

الثلاثاء 01 مارس 2022 | 11:49 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

مع من تعمل يا "هيما"!!! (2)

كيف يخدم إبراهيم عيسى توجهات اليمين الأمريكي – الإسرائيلي؟ حلقة "أزواج النبي.. حكايات متناقضة" نموذجاً "للدعارة الفكرية"

على مدار السنوات الثلاث الماضية وابتداءً من الأحد 18 مارس 2018، وظَّف عيسى المحتوى الإعلامي لبرنامجه "مختلف عليه" الذي يتسم بالمغالطات والتعميم وانعدام الدقة العلمية لصالح السياسة التحريرية لقناة "الحرة" الأمريكية، والتي تحوم حولها شبهات قوية في استخدام "نقد الإسلام" و"معتقدات المسلمين" لخدمة مصالح دولة أجنبية (إسرائيل) و"اليمين- اليهودي الأمريكي" المتطرف الموالي لها.

وتحت شعار مواجهة "التطرف الإسلامي" و"حرية التعبير والاعتقاد" قدم إبراهيم عيسى في 126 حلقة أسبوعية معالجات منحازة تفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية الإعلامية، والتي تقتضي تقديم وجهتي النظر المختلفتين في موضوع بعينه، واكتفى في جميع الحلقات باستضافة من يقدمون وجهة نظر نقدية للوقائع التي يتناولها في التاريخ الإسلامي والتفسير والفقه، لتدعم وجهة نظره الأحادية.

من بين الموضوعات التي تناولها: المشايخ وجنايتهم على الإسلام - زوجات النبي.. حكايات متناقضة - القرآن في المختبر - معاوية.. الأكثر جدلا في التاريخ الإسلامي - خالد بن الوليد.. قائد أم سفاح؟ - الإسراء والمعراج.. ما بين الأسطورة والحقيقة - اليهودية وتأثيرها على الإسلام - فراس السواح وأفكاره المقلقة حول الإسلام (حلقتان) - السيدة عائشة.. تاريخ مفخخ - الجواري والغلمان والعبيد.. ما بين الفقه والتاريخ - الناسخ والمنسوخ - الحلال والحرام.. في الخمر والتبني وفقه النساء - الشعراوي بين الدعاة والمثقفين - الشيعة والإمامية، من هم؟ وما معتقداتهم؟ - سيد القمني.. آخر حوار قبل رحيله – وغيرها من الحلقات.

لنأخذ حلقة "أزواج النبي.. حكايات متناقضة" كمثال على عدم المهنية الإعلامية، إبراهيم عيسى يختار ضيوفاً منحازين بداية، بمعنى أنهم يرفضون التفاسير والسرديات السائدة والمعروفة فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي، (وهذا أمر وارد عموماً ولكل أن يرى ويعتقد ما يشاء)، لكن ما يثبت الانحياز المسبق لتوجيه رسائل محددة تفتقر إلى الموضوعية أن هؤلاء الضيوف لا يقدمون في سردهم أي مصادر علمية محددة يمكن الرجوع إليها، وكأنهم هم المرجعية لما يقولون، ولا يشيرون حتى إلى مصادر أخرى تطرح ما يخالف وجهة نظرهم، ولا يستضيف إبراهيم عيسى من يقدم وجهة النظر المقابلة.

مثلا الضيفة الأولى والرئيسية في حلقة "أزواج النبي.. حكايات متناقضة" هي هالة الوردي، باحثة وأستاذة جامعية تونسية (جامعة تونس المنار) (مواليد 1973)، أطروحة الدكتوراه 2001 في الأدب الفرنسي في جامعة السوربون الجديدة، حول موضوع: أدب المرآة في العمل الروائيّ لـريمون كينو، من مؤلفاتها: "الخلفاء الملعونون" 2019. (بالفرنسية: Les Califes maudits)، "لعنة فاطمة" و"آخر أيام محمد"، وهي ضيفة معتادة على "البي بي سي" وعلى "فرانس 24" (وهاتين القناتين لهما توجهاتهما المعروفة)، وعناوين كتبها كفيلة بتوضيح توجهاتها، ناهيك عن أن الدراسات الإسلامية ليست من تخصصها فعنوان رسالتها الدكتوراه يشير إلى الأدب، لكن إبراهيم عيسى يقدمها بلقب "أستاذة الحضارة في الجامعة التونسية".

من بين ما قالته هالة الوردي: "تزوج محمد أكثر من 25 امرأة".. "بمعدل زوجتين أو ثلاث في السنة".. ولم يكن السبب من أجل التقارب مع القبائل، بل بالعكس.. لم يكن يتزوج كثيراً من القبائل الأخرى، وكانت معظم زيجاته من قريباته، زينب بنت جحش بنت عمته، أم حبيبة بنت أبي سفيان هي أرملة ابن عمته عبد الله بن جحش (أخو زينب)، أم سلمة هي أرملة ابن عمته الآخر ورضيعه عبد الله المخزومي، ميمونة بنت الحارث هي أخت زوجة عمه العباس وخالة خالد بن الوليد، عمرة بنت يزيد كانت زوجة ابن عمه الفضل بن العباس، وكذلك خطب أم هانيء أخت علي بن أبي طالب، وأراد قبل موته أن يخطب ابنة عمه العباس".. "كان يميل للزواج من قريباته"، وكذلك زوَّج بناته من أقاربه" "ولو كان يتزوج لأسباب سياسية لتزوج من الأنصار، لكنه لم يتزوح منهم إلا واحدة اسمها ليلى، لكن الزواج لم يتم، أو أنه طلقها بسرعة لأنها كانت غيورة".. "وهناك جوانب أخرى مريبة.. أنه أنجب من خديجة وحدها ست بنات" ولم ينجب من هذا العدد الكبير من الزوجات (وبينهن من كانت لديها أطفال من زيجات سابقة) إلا من جاريته ماريا القبطية التي أنجب منها ابنه إبراهيم في آخر أيامه"، و"الغريب في ذوقه أنه كان يفضل النساء المطلقات أو الأرامل، ونستغرب كيف تزوج من عائشة وهي البكر الوحيدة التي دخلت بيته".

وعن "أحاديث الفراش" كما سماها عيسى قالت الدكتورة هالة الوردي إن "عائشة كانت تحكي تفاصيل مخجلة.. فعلا مخجلة" "كانت تقول أيكم يملك إربه كما يملكه الرسول، وكأنها تفتخر بقدراته الجنسية على سائر الرجال، والهدف من هذه الأحاديث ليس لتقديم الرسول كقدوة، بل كحالة استثنائية".

في الحلقة نفسها استضاف إبراهيم "يوسف هريمة"، هو باحث مغربي، حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية، تخصص مقارنة الأديان بجامعة الحسن الثاني، بوحدة البحث والتكوين "مستقبل الأديان والمذاهب الدينية بحوض البحر الأبيض المتوسط".

قال يوسف هريمة بداية إن "قضية الاستشراق عرَّت ما يمكن أن نسميه الجرح النرجسي في الثقافة العربية، فليس كل ما يقوله المستشرقون بدافع ما يسمى المؤامرة، على العكس تماماً، كل ما قاله المستشرقون هو جزء من ثقافتنا، وجزء من تاريخنا، سواء شئنا أم أبينا".

وذكر هريمة أن خطبة الوداع تضمنت وصية من النبي للرجال بالنساء، "«ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان" وتوقف عند وصف محمد للنساء بالعوان، وأن تفسيرها أنهن أسيرات عند الرجال،" وتساءل مستغرباً "كيف يعتبر المفسرون أن هذه الخطبة أساس حقوق المرأة إذا كان النبي يصف النساء بالأسيرات".

قال هريمة أيضاً إن "مجموعة من العلماء أثبتوا العلاقة بين الأصوليات والحرمان الجنسي"، وقال إن "هناك عالم ألماني نفسي مختص بالشؤون الجنسية اسمه "فيلهوم رايش" قام بتجربة حول الزهد والحرمان الجنسي، ونقل عنه قوله إن "التصوف الإسلامي هو حنين لا شعوري إلى لحظة الذروة الجنسية".

ونقل عن عالم أمريكي آخر قوله إن "الزوجات الأمريكيات اللاتي يعانين من الحرمان الجنسي يلجأن إلى التدين كتعويض عن الحرمان".

الحقيقة أن رسالة مثل هذه "الحلقة الإعلامية" ليست مجرد طعن أو تشكيك في صورة ومكانة الرسول عند المسلمين، بل هي تحقير له ونيل منه كإنسان ينتمي إلى زمانه ونطاقه الثقافي والمعرفي (تحت دعوى أنسنته كما اعتاد إبراهيم عيسى أن يقول، بمعنى إنزاله من المقدس إلى الإنساني)، فالدكتورة هالة الوردي (التي لم تحدد مصادرها العلمية، لنعرف إن كانت مصادر أخبار موثوقة أم لا) لم تذكر مثلاً كم كان عدد زيجات الرجال من علية القوم عند العرب في ذلك الوقت، سواء من المشركين أو المسلمين، ولم تفرق بين زيجات محمد التي تمت والتي لم تتم، فاعتبرت نيته الزواج من واحدة زواجا، واعتبرت خطبته لواحدة زواجا، ولم تفسر لمشاهديها معنى أن ينزل وحي يقيد زيجات الرسول وما هي تفاسير هذا التقييد، وإنما اكتفت فقط بالتركيز والاستغراب من أنه "كيف يتزوج بعد هذا التقييد"!!!

والدكتور يوسف هريمة لم يحدد مثلاً دوافع المستشرقين، وهم كُثر، وهم مختلفون في الرؤى والأطروحات والأزمنة، وزوايا النظر التي انطلقوا منها عند دراسة التراث الإسلامي، ومدى الانتقائية والموضوعية في طرحهم، (والحقيقة أن موضوع نظرة المستشرقين إلى الإسلام ودراساتهم عنه لا يمكن الإحاطة به هكذا في عجالة عابرة)، والإقدام على مثل هذه الأحكام العامة من جانب الباحث يوسف هريمة لا يندرج أبداً تحت عباءة العلم، أو تحري الدقة العلمية.

أما عن إشاراته إلى الصلة بين التدين والحرمان الجنسي ونقله عمن سماه عالماً ألمانياً أن "التصوف الإسلامي هو حنين لا شعوري إلى لحظة الذروة الجنسية"، فكلام يندرج في الحقيقة فيما يمكن أن نسميه "العبث" أو "التطرف" أو "الحذلقات العقيمة" أو "التفاهات العقلية" أو "الهوس ضد الظاهرة الدينية في المطلق".

والخلاصة من متابعة هذا "السيرك الإعلامي" مدفوع الأجر من محطة يديرها يميني أمريكي متطرف (ألبرتو ميجويل فرنانديز الذي أتى بإبراهيم عيسى ليقدم برنامجا في قناة الحرة الأمريكية هي أننا أمام نوع حديث من "الدعارة الفكرية".

ابراهيم عيسى

اقرأ أيضا