قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن واقع الجدل الشعبي العربي حول مسألة الدولة وشكل الحكم الأمثل، أو الحكم الرشيد بحسب المفهوم الذي تناولته الأدبيات الفكرية والإصلاحية منذ مطلع القرن الماضي، يكشف عن وجود تيارين اثنين شديدي التباين والاختلاف.
وأشار إسميك، إلى التيار الأول يستلهم مفردات الحداثة والمعاصرة فيؤكد أهمية نقاش هذه المسألة في إطار مفهوم الدولة الحديثة والأفكار التي ترتبط به، كالمواطنة والديموقراطية والحرية الفردية والقيم الليبرالية وحقوق الإنسان.
وحول التيار الثاني، أوضح إسميك، أنه يمكن وصفه بالتقليدي مجازاً، خصوصاً أنه يتبنى ويدعم الدعوة الصريحة لنموذج الحكم والسياسة الذي ساد الدول الإسلامية المتعاقبة، وحتى دويلاتها، خلال الثلاثة عشر قرناً الماضية، رافضاً بذلك مفهوم الدولة الحديثة شكلاً، وجميع الأفكار الأخرى المرتبطة بها مضموناً.
ولفت إلى أن هذا الجدل بين التيارين ليس شعبيا بالمطلق، إذ يمكن رد هذين الاتجاهين المتناقضين إلى خطاب النخب العربية المثقفة التي اشتغلت، وما زالت تشتغل، على التنظير الفكري المدافع عن كل تيار. حتى لقد بات التفريق بينهما بديهيا تحت مسميين اثنين: اتجاه الإسلام السياسي، والاتجاه العلماني، مع الأخذ بالاعتبار ما يسببه مصطلح العلمانية من لغط في الوعي العربي العام، الذي يدفع كثيرين إلى تفضيل مصطلح «المدني» أو «المدنية»، بحيث تعني «الدولة المدنية» شكل الحكم الأمثل مقابل مفهوم «الدولة الدينية».
وذكر الكاتب حسن إسميك، أنه في المقابل، يحاول أيضاً تيار الإسلام السياسي إنكار علاقته بـ«الدولة الدينية»، بينما يؤكد خصومه أن إنكار التسمية في الظاهر لا ينفي أبداً المضمون الديني لمفهوم الدولة لدى أنصار الإسلام السياسي.
أضاف أنه يجب التفكير في السؤال عن السبب الذي يجعل فريقاً شعبياً واسعاً يؤيد الموقف الرافض للحداثة في واحدة من أهم القضايا التي لم ينقطع الفكر العربي عن الانشغال بها، خصوصاً أن هذا الرفض يكشف عن موقف مضاد لجوهر التقدم التاريخي، الذي يُبنى على ضرورة عدم التشبث بالماضي والتعصب له، بل وأهمية الموقف النقدي من هذا الماضي لضمان حاضر أفضل.
وأكد أن التفكير في السؤال السابق يعكس ما يعتقد أنه المشكلة الرئيسة التي يتمحور حولها الفكر العربي المعاصر، وهي ليست مشكلة فكرية فحسب، بل وعملية أيضاً توضح جانباً من التأخر الحضاري الذي يعاني منه العرب مقارنة بغيرهم من المجتمعات.
ونوه بأن هذه المشكلة تتمحور حول موقفنا الذي ما زال مُعلّقاً من التراث، والذي يتسبب بتعليقه غياب التحديد المفاهيمي والواضح له، ما أدى في أحيان كثيرة إلى الخلط بينه وبين الدين، أي بين النسبي والمتغير وبين المطلق والثابت. الأمر الذي جعل الكثيرين يتعاملون مع قضية «الحكم والسياسة» باعتبارها أصلاً ثابتاً في الدين لا يجوز التفكير فيه ولا تغييره، ولتنتفي عنها في الوقت ذاته سمتها التاريخية التي تجعلها قابلة للتبدل مع تقدم الإنسان وتطور وعيه وتفكيره.