لازال الحديث حول أزمة سد النهضة يلقي بظلاله على الرأي العام، فمحاولات إسرائيل المستمرة لاستغلال التوتر بين مصر وإثيوبيا محاولة منها لتضييق الخناق على مصر وتحقيق حلمها بالحصول على حصة من مياه النيل خاصة أنها تعلم تماما أن النيل يعد هو شريان الحياة للمصريين، بجانب الزيارات المثيرة للجدل لرئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد لتل أبيب، ناهيك عن الاستثمارات الضخمة داخل أديس بابا، الأمر الذي رفضه الجميع.
ونجحت القاهرة في تضييق الخناق على تل أبيب في طريقها للحصول على الدعم والدعم الدولي، خاصة من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، ولكن جاءت جلسة مجلس الأمن الدولي بما لا يحقق الأهداف، حيث لم تسفر عن اتخاذ قرار بشأن الأزمة، بعد أن أعاد المجلس القضية إلى الاتحاد الأفريقي مرة أخرى، في ضربة لجهود مصر والسودان اللتين كانتا تأملان في إلزام إثيوبيا باتفاق ثلاثي بشأن تقاسم مياه السد.
تاريخ العلاقات
ترتبط إثيوبيا وإسرائيل بعلاقات دبلوماسية قديمة منذ خمسينيات القرن الماضي، ومع حلول عام 1984 تطورت العلاقات بشكل كبير بين تل أبيب وأديس أبابا في عهد رئيس الوزراء مانجستو هايلي مريام، في أعقاب أزمة يهود الفلاشا، حيث نجح "مريام" في تحقيق الرغبة الإسرائيلية في عمليات نزوح الفلاشا إلى إسرائيل.
وفي عام 2004، عززت إسرائيل من تعاونها مع إثيوبيا، وأرسلت وفدا اقتصاديا من 22 شخصية بهدف تطوير الصناعة والزراعة في إثيوبيا.
ومع حلول عام 2014، تقدمت أكثر من مائتي شركة إسرائيلية للحصول على تراخيص تجارية للعمل في مجالات مختلفة في إثيوبيا.
عدد يهود إثيوبيا في إسرائيل
ورصدت إحصائية حول عدد اليهود من أصول إثيوبية في إسرائيل نحو 140 ألف شخص.
أصابع الاتهام
على الرغم من نفي السفارة الإسرائيلية في القاهرة تورط تل أبيب في أزمة السد، مشيرة إلى أن "لديها ما يكفي لسد احتياجاتها"، إلا أن خطوات تل أبيب باتت واضحة منذ بدء إنشاء سد النهضة، لتحقيق حلمها بأن تكون من دول المصب على النيل منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث تم رصد بطاريات صواريخ إسرائيلية تحيط بجدران السد لحمايته في أكتوبر عام 2019، بجانب أنظمة دفاعية إسرائيلية لحماية سد النهضة، بالإضافة إلى ضخ ملايين الدولارات بهدف الاستثمار بإثيوبيا.
حجم الاستثمارات
ذكرت شركة "جيجاوات جلوبال" الإسرائيلية، قالت إنها ستستثمر بـ500 مليون دولار أمريكي في إثيوبيا فى مجال الطاقة المتجددة وتنمية الموارد البشرية.
وفي فبراير 2020، أعلنت السفارة الإسرائيلية في أديس أبابا بصورة رسمية نية بلدها إقامة مشاريع مرتبطة بالمياه في إثيوبيا.
أهداف خفية.. وأديس أبابا بوابة المرور لإفريقيا
الجميع يعلم تماما أن العلاقات الإسرائيلية الخارجية تستند على استغلال العديد من التناقضات الدولية لتحقيق مصالح تل أبيب خاصة مع الدول العربية التي تعتبرها معادية، معتقدة أن هذه الدول تهدد أمنها القومي، وهو الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية لتبادل الزيارات مع إثيوبيا بهدف الدخول إلى إفريقيا عبر بوابة أديس أبابا وخاصة دول شرق إفريقيا وحوض النيل.
زيارات متبادلة
في عام 2016، قام رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بزيارة للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتوقيع عدة اتفاقيات مع رئيس وزراء إثيوبيا السابق.
وفي مايو 2018، زار الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أديس أبابا برفقة رئيس الحكومة آنذاك بنيامين نتنياهو.
وفي أغسطس 2019، زار رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد تل أبيب في أول زيارة رسمية له.
ومن هذا التوقيت، بدأت العلاقات الإسرائيلية - الإثيوبية في العودة بقوة على الساحة السياسية، وأعلن الجانبين عن أهداف الزيارات أنها لتعزيز التعاون الاستراتيجي ومجالات الاقتصاد، وهو الأمر الذي دفع العديد للقول أنه هذه الأهداف المعلنة ما هي إلا أهداف ظاهرة ولكن في باطنها العديد من الأهداف لدى تل أبيب.
ومع اندلاع أزمة سد النهضة، بدأت إسرائيل في التدخل بقوة على خط الأزمة ومد آبي أحمد بالتمويلات اللازمة لإنشاء السد، أملا في الحصول على حصة من المياه، الأمر الذي أغضب الجميع خاصة الجانبين المصري والسوداني.
صفقات عسكرية
برز التعاون العسكري بين تل أبيب وأديس أبابا خاصة في عام 2003، حيث بلغ مجموع الواردات من إسرائيل إلى إثيوبيا نحو 25 مليون دولار.
ولم تكتف إسرائيل بإرسال خبراء ومعدات عسكرية لإثيوبيا، حيث قدمت برامج متنوعة للتجهيزات العسكرية ولعل أبرز الأسلحة كانت مقاتلات "ميج – 21" التي يستخدمها سلاح الجو الإثيوبي.
ووفقا لما ذكرته البيانات الصادرة عن وزارة الحرب الإسرائيلية، فإن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا في مختلف المجالات تضاعف نحو 30 مرة خلال السنوات القليلة الماضية.
لغة المصالح.. وخطورة العودة للاتحاد الإفريقي
وحول العلاقات الوثيقة بين آبي أحمد وتل أبيب، وتبادل الزيارات الدبلوماسية، وما تم تداوله من اقتراحات حول قدرة إسرائيل على حل أزمة سد النهضة، أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن موضوع الاستعانة بإسرائيل في ملف أزمة السد الإثيوبي يعد "كلام عشوائي" لا يجب تناوله، حيث أن هذا الحديث لا يمثل إضافة ويمس بالأمن القومي خاصة أن مصر لا تستعين إطلاقا بإسرائيل، ويزيد من تفاقم الأزمة وارباك المشهد بصورة أكبر فمن الممكن دخول أكثر من طرف على خط الأزمة وهو أمر غير مقبول.
وتابع حديثه قائلا: إسرائيل اقترحت منذ 10 سنوات فكرة إقامة بنك للمياه في الشرق الأوسط تستخدم منه أجزاء من المياه وتقوم بتوزيعها، وبالتالي تل أبيب غير بمنأي عن هذا الأمر، لافتا إلى أن إسرائيل لا تعاني من أزمة مياه، حيث نجحت خلال الـ 5 سنوات الماضية في إقامة العديد من شركات التحلية للمياه، بجانب سعيها لتصدير المياه.
وأضاف "فهمي"، بمقتضى اتفاق بين تل أبيب وعمان منذ أيام، صدرت إسرائيل كميات من المياه للأردن، بجانب رغبتها في بيع المياه للعراق وسوريا، مما يؤكد أنها لا تعاني من أزمة مياه.
ولفت في الوقت نفسه، إلى أن إسرائيل لديها مخططات بترعة السلام، وهذا لا يعني البحث لها عن دور في هذا التوقيت بالقول إنها تستطيع حل الأزمة بدور مباشر، بالإضافة إلى أنها ترغب في تكون دولة من دول حوض النيل.
وحول عودة إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب، أكد أستاذ العلوم السياسية، أن هذا الأمر من شأنه أن يحدث كارثة في الفترة المقبلة خاصة أنها لا تملك الإمكانيات والقدرات مما يسبب العديد من المشكلات، مضيفا أن دخولها في هذا التوقيت سيؤدي إلى توابع ونتائج شديدة الخطورة خاصة وأن تل أبيب قد سبق طردها من الاتحاد الإفريقي عام 2003، مما يثير الشكوك ويزيد التساؤلات حول المخططات التي تدار بالاتحاد الإفريقي ضد مصر.
فمن سمح بعودة إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بعد سنوات من طردها ؟.. وما هي الدول الآخرى الداعمة؟.. ولعل السؤال الأبرز هو؛ كيف تعود إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي مجددا وهي لا تزال دولة احتلال بما يخالف النظام الأساسي للاتحاد الإفريقي؟.
واختتم أستاذ العلاقات السياسية، حديثه قائلا: إن إسرائيل جزأ كبير من مخططات لتقسيم المياه في دول حوض النيل، لافتا إلى أنها تستخدم إثيوبيا ودول آخرى كأوغندا وكينيا لتحقيق أهدافها داخل إفريقيا.