كتب:صالح المسعودى
حديثٌ هام كان دائماً ما يدور في رأسي أثناء حل النزاعات بين الناس لا لشيء إلا أنني أرى تصرفات بعض الأشخاص وكأنهم في عِداد الأموات أو يستحقون ذلك بالفعل ، فليس كل مَن مات ( وقُبر ) في أعداد الأموات ، وليس كل مَن هو لم تخرج له ( شهادة وفاة ) يعتبر من الأحياء ، فإن الإنسان في كل الأحوال عبارة عن ( ذكرى ) مع العلم بأنه هو من يكتب تلك الذكرى فإن أحسن كتابتها كان حياً أمام الناس حتى لو ( قُبر ) وخرجت له ( شهادة وفاة ) ، وإن هو أساء كتابة ذكراه و ( ذكره ) كان ميتاً حتى وهو لم يُقبر وهنا أتذكر قول الشافعي ( عليه رضوان الله )، فقد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم وقد عاش قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ.
أضف لذلك أيضاً أمور كثيرة مرتبطة بحياة الميت أو موت الحي ( كالخوف ) وهنا لابد أن نذكر الفارق بين ( الشجاعة والجُبن ) على سبيل المثال ، فالشجاع يموت في العمر مرة واحدة في حين أن الجبان يموت في اليوم ألف مرة ، فالخوف نوعٌ من الموت البطيء أو قد يؤدي للموت الحقيقي ( أي مفارقة الحياة ) ، فالخوف من شيء ما ومجرد توجس الخيفة الدائم يجعل الشخص يموت كل يوم دون أن يدري، ومن أسباب موت الأحياء وهم ينظرون موتهم البطيء ( القلق ) ، فالقلق أيضاً لا يقتصر على ( الأرق ) والتوتر البسيط بل القلق شيء أعم مثل القلق على المستقبل ، والقلق من أحداث لم تحدث بعد ، والقلق من النتائج المترتبة على كذا وكذا ، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى مداومة انشغال الفكر والقلب بأمور قد تحدث وقد لا تحدث ، ولكنها تطغى على الحيز الأكبر من التفكير.
ومما لا شك فيه أن ( البُخلُ ) أعاذنا الله وإياكم منه من أهم أسباب موت الشخص وهو على قيد الحياة ، فالبخل والشح لا يميتان ( الذكر ) بعد الموت فقط ، بل إنهما يميتان الشخص وهو حي أما ( الكِرام ) فها هم يحتلون القلوب ، بل ويحتلون ذاكرة التاريخ ، فمن ماتوا منهم منذ قرون عديدة مازلنا نتذكرهم ونتباهى بأن نسمي أبناءنا بأسمائهم تيمناً بهم وتشريفاً للمولود ، فأي فضل ذاك الذي يحفر اسم صاحبه في ذاكرة التاريخ التي لا تحابي أحدا ، وهناك الكثير ممن يموت ذكرهم قبل وفاتهم الحقيقة من شاكلة عديمي المروءة والنخوة والشهامة وزد عليهم أهل ( النذالة ) ، وهنا أتذكر مقولة قديمة يقول صاحبها النذل ميت وهو حي ما حد يحسب حسابه، يشابه الترمس الني اللي حضوره يشبه غيابه ، عزيزي القارئ إن أهون أنواع الموت هو الموت ( الحقيقي ) الذي تخرج له ( شهادة وفاة ) طبيعية ، لأننا جميعاً سنموت وهذه أكثر حقيقة مؤكدة في العالم إن عاجلاً أو آجلاً ، لكن أصعب أنواع الموت هو أن يموت الشخص وهو على قيد الحياة إما بسبب خوفه أو قلقه وهما بالتأكيد بسبب ( ضعف إيمانه بمسبب الأسباب ) وهو هنا يحتاج إعادة التفكير وبسرعة في علاقته مع ربه حتى تعود له الطمأنينة والهدوء النفسي الذي يعطي للحياة قيمة ، وإما بسبب تصرفاته وبخله اللذان يوديان به إلى سوء العاقبة في الدنيا و الآخرة لذا كان لزاماً عليه أن يتعجل التوبة والأوبة لله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، أما من قلت مروءته ونخوته فيكفيه سوء عاقبة أن يقبع في ( مزبلة التاريخ ) دمتم بخير.
ننشر المزايا المقدمة من القوات المسلحة لـ أسر الشهداء