عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، مساء اليوم الأربعاء، الندوة الخامسة على الإنترنت بعنوان: "معضلة سد النهضة" بحضور نخبة كبيرة من الخبراء والمتخصصين، بهدف القيام بعصف ذهنى متكامل الأركان فنى واقتصادى وقانونى وسياسى، لما يجب أن يكون عليه التوجه المستقبلى لمصر في المفاوضات، لكى تحتفظ بحقها في شريان الحياة، مع احترام حقوق الآخرين في ظل المرحلة التفاوضية الحالية والسيناريوهات الممكنة، وما يجب أن تقوم به مصر والدول الأفريقية بشكل عام، ودول حوض النيل بشكل خاص، لاستقرار العلاقات وتحقيق التنمية المستدامة للقارة.
وقال محمد قاسم الأمين العام للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية ورئيس الندوة، إن مصر وصلت مرحلة كبيرة من الفقر المائى، وهو ما يزيد من أهمية تأمين مواردنا المائية، مشيرا إلى أن المناقشات خلال الندوة تسعى لطرح مجموعة من الأسئلة الهامة والإجابة عنها، سواء حول موقف الاتفاقيات الدولية حول مياه النيل، ودور إعلان المبادئ الذى تم توقيعه عام 2015، وهل يعد تدخل الاتحاد الأفريقي مؤخرا مفيدا أم ضارا لمصر؟ وهل هناك حلول طويلة الأجل لمشكلة فقر المياه في مصر؟ وما هو تقييم المشاركين لدور مجلس الأمن في المشكلة؟
من جانبه أوضح السفير عزت سعد مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن هناك 7 آلاف مليار متر مكعب ميار أمطار تهطل على النيل سنويا، يسقط منها 920 مليار متر مكعب على دولة إثيوبيا، وهو ما يعنى أن إثيوبيا ليس لديها مشكلة مياه.
وأضاف سعد، أن استراتيجية إثيوبيا منذ الأزل هو التحكم بشكل كامل في مياه النيل، وهو ما يعلمه صانع القرار جيدا، لافتا إلى أن مصر استثمرت كثيرا في بناء علاقات تجارية واقتصادية مع إثيوبيا خلال العقد الأول من هذا القرن، لدعم الثقة بين البلدين، ولكن شهدت المفاوضات في قضية سد النهضة تعثرا نتيجة التعنت الإثيوبى، ولكن كان هناك مشروع اتفاق متكامل نتج عن مفاوضات واشنطن يلبى 80% من مطالب مصر، رغم أن إثيوبيا لم تحضر الاجتماع الأخير.
وأشار إلى أن اتفاق إعلان المبادئ الذى وقعته مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015 لم يتضمن آلية قانونية لتسوية النزاعات، موضحا أن الظروف التاريخية التي مرت بها مصر خلال تلك الفترة تسببت في توقيع إعلان غير ملزم لأحد، وهو ما انتهى الآن إلى لجوء مصر لمجلس الأمن الدولى لإحاطته بتطورات المفاوضات التى استمرت 10 سنوات، مطالبا بضرورة إقناع إثيوبيا بعدم اتخاذ أى إجراءات أحادية حتى لا يضر بالأطراف الأخرى.
وأعرب سعد عن تفاؤله بالتوصل إلى حل بناء على ما تم إنجازه في جولة مفاوضات واشنطن بمشاركة الإثيوبيين.
وقال الدكتور محمد سامح عمرو رئيس قسم القانون الدولى العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمياه النيل ولكن إثيوبيا ليست طرفا فيها جميعا أو محل نظر في القضية، مثل اتفاقيتى 1929، و1959 والتي لم تكن إثيوبيا طرفا فيها، ولكن تحكمنا في هذه القضية اتفاقية عام 1902 وهى اتفاقية ملزمة وقعها امبراطور إثيوبيا في ذلك الوقت، والحديث عن توقيعها في الحقبة الاستعمارية ليس له أي أساس من الصحة، كما يوجد أيضا بروتوكولا تم توقيعه بين مصر وإثيوبيا عام 1993 يتناول أوجه التعاون بين البلدين ومنها نهر النيل، ولكن لم يدخل حيز النفاذ.
وأوضح عمرو، أن اتفاقية عام 1902 تنص على أنه لا يجوز لأثيوبيا إقامة مشروعات على نهر النيل بدون موافقة مصر، ولكن للأسف لا تنص أي من الاتفاقيات التي سبق توقيعها على آلية لفض المنازعات، وهو السبب الرئيسى لإصرار مصر على وجود آلية لفض المنازعات في المفاوضات الحالية، وهو مطلب أساسى لمصر وتشاركها في ذلك السودان.
وأكد أن إثيوبيا لا ترغب في الوصول إلى اتفاق وليس لديها رغبة في ذلك ولكنها تروج لعكس ذلك دوليا، وتعتبر أن السد مبنى بأموالها وعلى أرضها وتروج لنظرية مهجورة في القانون الدولى وأنها تتمتع بالسيادة على النيل الأزرق.
وقال عمرو أن إثيوبيا تحاول فرض الأمر الواقع، وهو ما سعت مصر لتداركه بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ عام 2015، وتنص المادة 5 منه على عدم ملء إثيوبيا للسد إلا بعد التوصل لاتفاق، كما نصت على التعاون والتوزيع العادل والمنصف، وعدم الإضرار بدول المصب، ولكن حتى الآن لم تحترم إثيوبيا هذا الإعلان، وحاولت من خلاله الوصول إلى إقرار شرعى لبناء السد للحصول على تمويل ودعم فنى من الشركات الدولية، لافتا إلى أن ظروف إبرام الإعلان اضطرتنا لقبول الشروط باعتباره أساس يتم البناء عليه، ومنذ هذا الوقت وإثيوبيا ماضية في البناء، وما يساعدها على ذلك عدم وجود آلية لفض المنازعات.
وأوضح أن مفاوضات واشنطن كان لها هدفا أساسيا هو وجود وساطة دولية للبنك الدولى والولايات المتحدة باعتبارهم شاهدا دوليا بعد أن تم إرهاقنا في التفاوض المباشر، وكانت إثيوبيا شريكا في هذه المفاوضات لكنها لم تحضر الجلسة الأخيرة، لأنها لا ترغب في التوصل لاتفاق، ومن المفترض أن تبدأ في ملء السد أول يوليو الجارى دون التوصل لاتفاق، وهو ما نتج عنه إرسال مصر خطاب لجميع الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولى لإخطارهم بوجود مشكلة محتملة بين الدولتين، وبدأ تحرك آخر لعودة المفاوضات في مايو الماضى، وطلبت مصر وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، ورلكن رفضت إثيوبيا الطرح المصرى بالبناء على ما توصلت إليه مفاوضات واشنطن، ورفضت أيضا طرحا آخر تقدمت به السودان، ثم تقدمت إثيوبيا بطرح قبل أسبوعين يتيح لها تعديل الاتفاقية، ويرفض أي آلية لفض المنازعات ويتيح لها مراجعة الاتفاق بعد 5 سنوات وإذا لم يتم التوصل لاتفاق يتم إلغائه، وهو ما يعنى أن يكون الاتفاق مرهونا بإرادة إثيوبيا المنفردة.
وشرح عمرو أهم نقاط الخلاف المتمثلة في فترات ملء خزان السد وتشغيله ومراعاة فترات الجفاف، لافتا إلى أن إثيوبيا لا تفرق بين الجفاف الطبيعى والجفاف الاصطناعى، بما يعنى أن في حالة بناء سدود أخرى خلف سد النهضة سيؤدى ذلك إلى خفض كميات المياه التي تصل إلى مصر بشكل كبير وسيمكنها من التحكم في تدفق المياه لبحيرة السد، وهو ما يستند عليه الطرحين المصرى والسودانى بأن يكون بناء السدود خلف هذا السد خاضعا للمعايير الدولية، واصفا المعايير التي تضعها إثيوبيا بالـ"مقلقة" لكل من مصر والسودان.
ونتج عن هذه الخطوات، لجوء مصر إلى مجلس الأمن بمذكرة شاملة لحقوق مصر وافية تضمنت ثلاث مطالب أساسية هي: الالتزام بأحكام القانون الدولى، والتوصل لاتفاق عادل، والتزام إثيوبيا بعدم الملء قبل التوصل لاتفاق، أن أي إخلال لإثيوبيا بهذه الحقوق يعرض المنطقة للإضرار بالسلم والأمن الدوليين، ولأن مطلب مصر شرعى تم عقد جلسة الاثنين الماضى، وفى المقابل حاولت إثيوبيا تفادى مجلس المن باللجوء للاتحاد الأفريقي.
وعلق عمرو على جلسة مجلس الأمن مشيرا إلى أن غالبية الدول الأعضاء في المجلس وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أكدت على ضرورة عدم اتخاذ موقف فردى، وهو مؤشر هام حول توجه الدول الأعضاء بالمجلس، لافتا إلى أنه في حالة عدم وفاء إثيوبيا بوعدها للوصول إلى اتفاق فعلى مصر العودة إلى مجلس الأمن، وتحمله مسئوليته في التوصل لإجراء معين فيما يخص ملء وتشغيل السد.
وطالب بعدم رفع سقف التوقعات، ولكن من المهم استمرار العرض على مجلس الأمن ومواصلة الضغط، حتى تكون هناك خطوة إذا لم يتم التوصل لاتفاق في جولة المفاوضات القادمة.
وأوضح الدكتور نادر نور الدين أستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، إن عدد سكان مصر حاليا 104 مليون نسمة، وهو ما يعنى احتياجنا لنحو 104 مليار متور مكعب من المياه سنويا للوفاء باحتياجاتنا المائية والوقوف عند خط الفقر المائى والمقدر بـ1000 متر مكعب للفرد سنويا، لافتا إلى أن الموارد المائية العذبة المتاحة لمصر سنويا تقدر بنحو 62 مليار متر مكعب، منها 55 مليار من حصة مياه النيل السنوية، والباقى من مياه الأمطار والمياه الجوفية، وهو ما يعنى وجود فجوة مائية تقدر بـ42 مليار متر مكعب سنويا.
وتابع أن مصر تحاول سد الفجوة المائية من خلال إعادة استغلال 20 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى، ونحن الدولة الوحيدة التي تعيد استغلال مياه المخلفات بين دول حوض النيل، ومع ذلك لا نزال نعانى من فجوة مائية قدرها 22 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما ينتج عنه أننا نستورد 62% من غذائنا من الخارج لعدم وجود مياه كافية للزراعة.
وأشار نور الدين إلى أن سعة خزان سد النهضة تقدر بنحو 75 مليار متر مكعب من المياه، في حين أن سعة النيل الأزرق الذى يتم بناء السد عليه تصل إلى 49 مليار متر مكعب، موضحا أن جميع الاتفاقيات السابقة ليس لها علاقة لأن السد سيتم بناؤه على رافد واحد هو النيل الأزرق، وليس هناك حديث عن حقوق تاريخية لمصر في مياه النيل ولكنها حقوقا مكتسبة، موضحا أن الخلاف حول كمية المياه التي ستصل مصر بعد السد.
من ناحية أخرى طرح الدكتور إبراهيم نوار الخبير الاقتصادى، فكرة تتعلق بالتوجه نحو التفاوض الجماعى لدول حوض النيل من خلال تعظيم الاستفادة من موارد نهر النيل، من منظور إقليمى متعدد الأطراف والمستويات، حتى لا تتحول منطقة حوض النيل إلى منطقة نزاع مستدام، لافتا إلى أن المفاوضات بوضعها الحالي لن تصل إلى نتيجة.
وطالب نوار بوضع نظام مشترك لتشغيل السدود في كل دول حوض النيل من هذا المنظور لإحداث التنمية المشتركة، ودعوة مصر لمؤتمر دولى وتغيير صيغة المفاوضات، من خلال تجميع كل دول حوض المنبع والمصب والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبى ومجلس الأمن، لعمل نظام تنمية متكاملة في المنطقة وهو ما يحتاج وقتا طويلا، وبالتوازى يتم عمل اتفاق خاص ملزم قانونا لملء خزان سد النهضة، ويكون هناك اتفاقا ممتدا للتشغيل، لحين التوصل لمنظومة التشغيل المستقبلية للسدود.
وأكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن المناقشات خلال الندوة أجمعت على التعنت الإثيوبى في القضية وصعوبة الوضع الراهن، ولكن هناك أهمية للنظر في الفكرة التي طرحها الدكتور إبراهيم نوار والتي تطرح التعاون الإقليمى بين دول حوض النيل من منظور تحقيق التنمية المشتركة، وهو أمر إذا تم تبنيه على المدى الطويل، ستختلف معالجتنا للقضية وطريقة التعامل مع المشكلة على المدى القصير، من خلال وجود أرضية لتحقيق المصالح المشتركة لجميع دول حوض النيل.
إقرأ أيضًا..
بعد التنازل عن الأدوار الملكية.. سر حزن الأمير هاري ( تفاصيل)
12 طريقة لإبلاغ قراءات استهلاك الغاز الطبيعي وسداد الفاتورة.. تفاصيل