انتشرت خلال الأيام الماضية بعد الأنباء التي أفادت بأنه يجوز صلاة المسلمون خلف المذياع أو التليفزيون كجماعة، خاصة بعد إغلاق المساجد الفترة الماضية نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة كورونا ومنعا من تفشي الوباء، لذلك أكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، أن كثيرا من الناس انشغلوا بمسألة من المسائل التي ظهرت بعد تعليق الجمع والجماعات في المساجد كإجراء احترازي اقتضته متطلبات الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، وهم مابين مانع ومجيز، وهذا الخلاف فرعه هؤلاء على آراء لعلماء السلف في الصلاة خلف الإمام إذا فصل بين الصفوف فاصل يمنع اتصال الصفوف كطريق أو حائط.
وأوضح أن حقيقة الأمر أن تحميل الفقه الموروث حكما لهذه المسألة جوازا أو منعا تكلف لا تحتمله قواعد النظر العلمي في المسائل الفقهية، فبديهي أن الفقهاء لم يتحدثوا عن الصلاة خلف المذياع إذ لم يكن وقتهم مذياع أصلا، وإن غاية ما يُخرّج على أقوالهم هو الصلاة في البيوت والمباني التي تقع خلف المسجد، إذا تمكن من فيها من سماع قراءة الإمام، في وقت يعلم المصلي أنه مستقبل للقبلة، وأنه موقعه خلف الإمام الذي يصلي.
وذكر أن هذه المسألة تختلف عن هذا الذي اختلف فيه الفقهاء قديما، ولا يمكن تخريجها على أقوالهم، ولذا فلن أتعرض لأقوال الفقهاء، وإنما سأبين بطلانها من خلال مايترتب عليها من محاذير شرعية مكتفيا يفي لإبطالها ومنها:
أولا: من بديهيات صلاة الجماعة الاقتداء بالإمام ولذا سمي إماما، وأن موقف المؤتمين به يكون خلفه إن كانوا جماعة أو عن يمينه كما لو كان يأتم به واحد فقط أو كانت جماعة لم يجد بعضهم مكانا في صفوفها، وهذه البدهيّة تُهدم بالإفتاء بجواز الصلاة خلف المذياع حيث لا يخفى أن المذياع ليس إماما وإنما هو مجرد ناقل للصوت، كما لا يستبين منه موضع الإمام بالنسبة للمقتدي به.
وهو ما يترتب عليه إمكانية أن يكون المقتدي أمام الإمام وليس خلفه أو حتى عن يمينه، فالصعيد مثلا كله يقع أمام الإمام الذي يصلي في مسجد من مساجد القاهرة، ولم يقل أحد من الفقهاء ولا المتفقهة بجواز وقوف المؤتم أمام إمامه، فإنما جعل الإمام ليؤتم به، ولذا يُنبه الإمام المؤتمين من التقدم عليه أو مساواته وإنما يلزمهم أن يكونوا خلفه، ولا يجوز بحال أن يقال بأن المقتدي بالإمام في الحرم قد يكون مواجها للإمام، فلا يخفي أن للحرم أحكامه الخاصة كجواز صلاة المرأة إلى جوار الرجل أو أمامه لاسيما المسجد الحرام، وإنما جاز هذا في الحرم تخفيفا على الناس لترتب مشقة بالغة على تطبيق الأحكام العادية التي تطبق في المساجد الأخرى.
ثانيا: إذا قصد القائلون بجواز الصلاة خلف المذياع أن هذه الفتوى استثنائية نظرا للظروف التي نمر بها، ففتواهم باطلة لكونها لا تستند على دليل يعتد به، ومسائل العبادات توقيفية يكون الإفتاء فيها في دائرة الوارد المستنبط من النصوص الثابتة، وإذا قصدوا أنه حكم عام فهذه طامة كبرى، لأنها تهدر قيمة المسجد حيث لا داعي لتكلف مشقة الذهاب إليه لاسيما في البرد أو الحر الشديد، حيث يمكن لم أن أراد أن يصلي في بيته وكأنه في المسجد، وهذا لا يقول به إلا ماجن أو جاهل، ففضل المساجد وخطوات قاصديها التي يرفع الله عن صاحبها بكل خطوة سيئة ويبدله بها حسنة،كما ورد عن رسولنا الأكرم: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ.
لذا يستحب اختيار المسجد البعيد عن المسجد القريب لما فيه من تكثير خطوات المصلي لقوله – صلى الله عليه وسلم –«إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ»، ونعلم أن رسولنا حين استأذنه لم يأذن للكفيف في رواية ولابن أم مكتوم في أخرى بالصلاة في بيته حين قال يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ: «فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ؟ ) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ( فَأَجِبْ ) من باب حرص نبينا على حصوله على الأجر كاملا».
ثالثا: ما الحاجة لبناء المساجد والإنفاق عليها وشغلها لمساحات تمس الحاجة إليها لإسكان الناس وإنشاء المدارس والمصانع إذا كان تخصيص مساحة كشك يصلي فيه إمام وينقل صوته مذياع يكفي لصلاة أمة خلفه؟!.
رابعا: بكل تأكيد حين يصلي الإمام الذي ينقل المذياع صوته سيكون بينه وبين كثير ممن يأتمون به نائمون في بيوتهم كيف كان نومهم وحالهم، ومن يقضون حاجاتهم في حماماتهم، ومن يعصون الله بأفعالهم ومنها كبائر، كما توجد قرى وربما مدن ليس فيها مسلم واحد. فهل أجاز فقيه صلاة جماعة يوجد بين الإمام والمقتدي به مثل هؤلاء؟!.
خامسا: نعلم جميعا أن اصطفاف الناس للصلاة يكون بتقدم الإمام للمصلين، ومن خلفه الرجال ومن خلفهم النساء والأطفال وصلاة المذياع لا تحقق شيئا من ذلك.
سادسا: ينبغي أن يلي الإمام في الصلاة الأحفظ والأعلم بكتاب الله، وذلك للفتح على الإمام إن نسي؛ أو رده إن أخطأ؛ وأخذا مكانه من قبل أحدهم؛ متى استخلفه الإمام ليتم الصلاة بالناس إذا عرض للإمام عارض، وهذا مهدر بالإفتاء بصلاة المذياع؛ إلا إذا رأى أصحاب هذه الفتوى أن المؤتم في أسوان؛ والذي يكون أمام الإمام يمكنه الفتح على الإمام أو رده أو أخذ مكانه إن عرض له عارض على خلاف مانعرفه من نواميس الطبيعة.
سابعا: من البدهيات أن الصلاة مرتبطة بالوقت:{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وأن هذه المواقيت تختلف من محافظة إلى محافظة، وربما بين مدن المحافظة الواحدة، فضلا عن اختلافها بين الدول، وأن الصلاة قبل حلول وقتها باطلة،فهل يجيز هؤلاء الصلاة خلف مذياع يصلي بينما لم يحن وقت الصلاة في موضع المؤتم؟!.
ثامنا: لماذا شغل الناس بمسألة لاحاجة للناس في فيها ؟ فمن المعلوم أن صلاة الجماعة في المساجد معلقة وبالتالي لا وجود لهذا المذياع الذي ينقل صلاة إمام ليأتم به الإمام في كثير من البلدان، وإن وجد فهو في بعض الصوات دون بعضها. ثم إن شريعتنا أجازت صلاة الجماعة في أي موضع وبأي عدد فالناس يتمكنون منها في بيوتهم ولو كان رجل وزوجته فقط، فلاضرورة ولاحتى حاجة لهذا التكلف.
وأنهى تصريحه، قائلا: «أخيرا وليس آخرا، فهناك العديد من المحاذير المترتبة على هذه الفتوى الباطلة وليس الشاذه، فليحذر هؤلاء من تحمل إثم من يتبعونهم، ويتسببون في إهدار عبادتهم لاسيما ونحن نتحدث عن أول أركان إسلامنا العملية، بعد ركن الإسلام العقدي المتمثل في الشهادتين».
اقرأ المزيد
الإفتاء تكشف حكم قطع صلة الرحم في رمضان بسبب كورونا
الصحة تحسم الجدل نهائيًا بشأن المدخنين وتعرضهم للإصابة بكورونا