تنوعت مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم بمصر وخاصة مدينة القاهرة على مر العقود، مرورا بدول إسلامية مختلفة ومتعاقبة، تعاقبت على حكم مصر، إلا ان الدولة الفاطمية ستظل فى صدارة الدول التى أبدعت ونوعت فى مظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل، واستنت سنن ظل المصريون متمسكون بها حتى اليوم، مثل موائد الرحمن وحلوى رمضان والياميش وغيرها من مظاهر الاحتفال التى مازال يتمسك بها المصريون حتى اليوم وتعتبر بمثابة علامة مسجلة باسم الدوالة الفاطمية التى حكمت مصر أكثر من قرنين من الزمان منذ عام 969م حتى عام 1171م .
اهتم الفاطميون بهذا الشهر الكريم لأسباب سياسية ودينية، فمن الأسباب السياسية دفع أقوال جمهور المسلمين أن الفاطميين ليسوا منهم وأنهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر والإلحاد، فكان الفاطميون حريصين أشد الحرص على المبالغة في كل شيء يمت بصلة إلى الدين وفرائضه، فلم يكن يُعرف عن الفاطميين أنفسهم أي أصول لهذه الطقوس إبان حكمهم إفريقية، علاوة على أنها بشكل عام ليس لها سابق وجود بالتقاليد العربية أو الإسلامية، وإنما كانت بدعة فاطمية تلقفها المصريون ولم يتركوها حتى اليوم.
ومن ثم بالغ الفاطميون في الاحتفال بشهر رمضان احتفالًا لم نسمع به في أي دولة من الدول الإسلامية، وكان الذي يقرأ ما كان يقوم به الفاطميون طوال هذا الشهر يظن أن هذا الشهر بأكمله هي سلسلة أعياد يومية يتلو بعضها بعضًا وذلك كله دعاية ضد من اتهمهم بالخروج عن الإسلام.
وتباينت آراء المؤرخين عن أسباب مبالغة الفاطميين فى الاحتفالات الدينية بشكل عام والاحتفالات بشر رمضان بشكل خاص بعد دخولهم مصر، فمنم من يرى ان هذه المبالغة كانت رغبة من الحكام الجُدد في التقرب إلى الشعب، ومحاولتهم دسِّ عقيدتهم الإسماعيلية الجديدة خِلسة ضمن طقوس الفرح، أو أنها كانت مجرد انزلاق للتنافس الضاري الذي جمع مُلاّك القاهرة بأعدائهم الألداء العباسيين الذين فتنوا بغداد من كثرة أمارات الترف، وأن كلا الطرفين اقتبس كل هذه الأفاعيل من البلاط البيزنطي عبر استجلاب الرعايا الفُرس والاستعانة بخبراتهم «الكسراوية» قدر الإمكان، أو سبب آخر وهو أن الفاطميين اعتبروا أن دخولهم القاهرة حوّلها إلى عاصمة خلافة أخرى شأنها شأن بغداد وقرطبة، وليست مجرد ولاية تابعة، وعلى ذلك فهي تستحق أن يجري عليها ما يجري عليهما وأكثر.
في العصر الفاطمي الذي كان يعهد فيه للقضاة بالطواف بالمساجد في القاهرة وباقي الأقاليم؛ لتفقُّد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل. كان يوقد به في ليالي المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض.
كما أن الدولة في ذلك الوقت كانت تخصص مبلغًا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر الصوم، وكانت تقام عدد من الأسواق التجارية خلال شهر رمضان منها: "سوق الشماعين بالنحاسين" كان يعد من أهم الأسواق خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، فكان به في شهر رمضان موسم عظيم لشراء الشموع الموكبية التي تزن الواحدة "عشرة أرطال".
أما عن "سوق الحلاويين" الذي كانت تروق رؤيته في شهر رمضان، فكان من أبهج الأسواق ومن أحسن الأشياء منظرًا؛ حيث كان يصنع فيه من السكر أشكال خيول وسباع وغيرها تسمي "العلاليق". وكان هناك أيضًا سوق السمكرية داخل باب زويلة "بوابة المتولي بالغورية"، فيعجُّ بأنواع "الياميش" و"قمر الدين".
كما كان يتم عرض أنواع الحلوى مثل "القطايف" و"الكنافة"؛ إذ يقال إن الكنافة صنعت خصيصًا للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وقيل، إنها صنعت للخليفة معاوية بن أبي سفيان.
يعتبر الخليفة الفاطمي العزيز بالله أول من عمل مائدة في شهر رمضان يفطر عليها أهل الجامع العتيق (عمرو بن العاص)، وأقام طعامًا في الجامع الأزهر مباحًا لمن يحضر في شهور رجب وشعبان ورمضان، وكان يخرج من مطبخ القصر في شهر رمضان 1100 قدر من جميع ألوان الطعام، توزع كل يوم على المحتاجين والضعفاء.
كان الخليفة يخرج في مهرجان إعلان حلول رمضان من باب الذهب "أحد أبواب القصر الفاطمي"، متحليًا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجنود تتقدمهم الموسيقى، ويسير في هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة، وغيرهم الذين كانوا يتسابقون في إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة.
كان موكب الخليفة يبدأ من "بين القصرين"، شارع المعز حاليا، يسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح "أحد أبواب سور القاهرة الشمالية"، ثم يدخل من باب النصر عائدًا إلى باب الذهب بالقصر، وفي أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء، وحينما يعود إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن في مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغير ملابسه ويرسل إلى كل أمير في دولته طبق من الفضة الخالصة مملوء بجميع انواع الحلوى، تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية، وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته، وعقب انتهائه من ذلك يأمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.
اقــــرأ أيضًا:
اليابان تعلن تسجيل 191 إصابة و25 حالة وفاة بكورونا
خلال 24 ساعة.. الولايات المتحدة تسجل 1303 حالات وفاة بكورونا