البشر لا يعيشون وحدهم حقيقة بديهية يعلمها الجميع ليست بحاجة لتوضيح، كل فرد على وجه الأرض يبحث عن ذاته وسط جماعة، خلقنا الله لنتعارف و نختلط و فُطر الإنسان على حب الغير والرغبة فى الإندماج لذلك يحلم الجميع منذ الميلاد حتى الممات بقضاء حياته ما بين الجماعة الصحيحة المناسبة له، لكن ماذا عن الواقع و هل مع مرور سنوات العمر تصبح تلك الأحلام حقيقة ام تتحول لأوهام؟ هل مخالطة البشر بالشيء اليسير الهين ام هى علاقات مُتشعبة مُعقدة تماماً مثل خيوط كرة التريكو عندما تقع بين أيدى كلب او هرة صغيرة؟ بمناسبة القطط والكلاب والحيوانات بشكل عام هل العقل الذى وهبه الله لمعشر الإنسانية من أجل تمييزهم إستخدمه فعلا بنى آدم فى الترابط والتراحم فيما بينهم ام كانت خلايا المخ البشرى على النقيض تماما هى السبب فى التنافر والإبتعاد؟ لماذا اصبحت العلاقة بين الإنسان و بعض الحيوانات أرقى وأنقى وأسهل من علاقته ببنى جنسه؟ لماذا يجد الكثير السعادة فى الإنطواء والعزلة على غير فطرته و على عكس الرسالة الإلهية بالتعارف والتشارك فى تعمير الأرض؟لماذا كبلنا القاعدة بالقيود و أطلقنا سراح الإستثناء؟.
- بالحديث عن القاعدة البشرية والسواد الأعظم منها الذين يحبون الحياة و يؤمنون إن حتى السكن فى رحاب الجنة تغتال الوحدة متعته فالحديث يجب ان ينصب على كيفية تبسيط العلاقات و ما هى سُبل نجاحها، العلاقات الإنسانية بكافة أنواعها إذا كنا نريد لها النجاح والإستمرار للأبد كعلاقة صحية لجميع الأطراف المعنية فلا يوجد أى سبيل آخر سوى أن تكون العلاقة متكافئة مهما إختلف المُسمى أو الشكل، التكافىء هنا لا يعنى التماثل والتطابق فى شيء ما مثل المستوى الإجتماعى، المادى، الثقافى ...إلخ كل تلك التقسيمات التى غرق البشر فى بحر تفاصيلها، لكن التكافىء يتلخص فى التوازن بين عناصر معادلة الأخذ والعطاء فلا يمكن لعلاقة ان تدوم إذا حدث إختلال واضح فى موازين الأخذ والعطاء، لا يهم بالتحديد ماذا نقدم و ماذا نتحصل عليه فى المقابل بقدر ما يهم ان يكون هناك درجة كبيرة من التساوى فى مكونات تلك المعادلة، إذا نظرنا لمفهوم التكافىء هذا نظرة أكثر عمقاً سوف نكتشف إن أكبر مكوناته و أكثر عناصره فعالية هو كل ما يدور حول محور الإحتياج، أى علاقة مهما كانت تصبح باردة شبه ميتة و دوام إستمرارها محل شك كبير إذا لم تشبع دوافع الإحتياج أو إنتهت لسبب أو لآخر من إشباعها أو تواجد البديل ، قد يتعجب البعض و يتندر عن كيفية نشأة و دوام بعض العلاقات الشاذة نوعاً ما مثل العلاقات العاطفية التى يكون فيها الفارق العمرى كبير أو العلاقات الإنسانية المتنوعة التى تتكون بين أفراد يبدو إختلافهم ملحوظاً للعامة أكثر من إتفاقهم فى العديد من المكونات الشخصية والشكلية و رغم ذلك تنشأ العلاقة بل و تنمو و تترعرع و قد تدوم أيضا بشكل يدهش متابعيه و يثير تساؤلاتهم، محاولة تفسير تلك الظاهرة يتم من خلال تعظيم نظرية الإحتياج كما أسلفت، فالرجل الرشيد قد يحتاج أحيانا لفتاة شابة والشابة قد تحتاج اموال ونفوذ الرجل الرشيد، الصديق الأرستقراطى قد يحتاج قوة و خشونة إبن البلد و إبن البلد قد يحتاج حماية و دعم الأرستقراطى، الجار الوحيد قد يحتاج العائلة المجاورة والعائلة قد تحتاج هدوء الوحيد، الشباب قد يحتاج لخبرة وحنكة الكبار والكبار قد يحتاجون حيوية وإنطلاق الشباب، هكذا هى القاعدة حتى عندما خلقنا الله جنسين كان حتى يكمل كل منا ما ينقص الآخر فالمرأة تكتمل إنوثتها بمرافقة الرجل و تبعيته والرجل تتم رجولته بإحتواء المرآة و تكريمها و تنتهى العلاقة حتماً عندما تمتزج الأدوار!! كلمة السر هى الإحتياج و اكم من علاقة ظلت راسخة كالجبال لسنوات طويلة قبل أن تنهار سريعاً فى ليال معدودة مثل جبال الجليد بعد سطوع الشمس الحارقة، هل يستطيع أحد منا ان يتذكر هذا الكم المهول من العلاقات التى دفُنت حية بعد موت الإحتياج؟ هو الإحتياج ولا شيء غيره بكل شفافية طالما كانت العلاقة غير مقدسة مثل العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة!! تلك القدسية وحدها هى التى تجعل العلاقة فى رباط إلى يوم الدين لأن أى إخلال من أى طرف فى إشباع احتياجات الآخر قد يقابل بأى تذمر أو اعتراض لكنه أبدا لا ينهى العلاقة بعيداً عن إستثناءات القاعدة!!.
- الإستيعاب الكامل لنظرية الإحتياج و الربط الصحيح مع قدسية العلاقة يجنبنا لاحقاً الصدمة والندم و يجعلنا متصالحين نسبياً مع فكرة موت العلاقات أو إطفاء بريقها، يجعلنا لا ننتظر البقاء من شخص أشبع حاجته منا ولا يقدس وجودنا معه من الأساس، يجعلنا نتوقع رحيل الفاجر الذى لا تنتهى إحتياجاته و لا يمكن إشباعه أبدا، يجعلنا نعتنى بما نقدمه وهل هو مناسب للآخرين ام لا، ببساطة شديدة نصبح أكثر نضجاً و أكثر وعياً لا ننتظر بسذاجة البقاء طول العمر من هؤلاء مَن يتعاملون معنا بقواعد الإحتياج و يرحلون بعد فترة قد تطول أو تقصر حسب قانون التكافىء المبنى على نظرية الإحتياج!!.