يعد شارع النبي دانيال بوسط الإسكندرية، من أكثر الشوارع التي أثارت الجدل ودارت حولها الأقاويل والأساطير، فاعتبره البعض مجمع الأديان بالاسكندرية، بينما أطلق مثقفو الاسكندرية عليه سور أزبكية الاسكندرية، ولقبه كبار السن بالشارع مبتلع السيدات، وكان للآثريين رأي آخر حيث كان هناك تكهنات بوجود مقبرة الإسكندر الأكبر في جوف الشارع.
ونستعرض خلال السطور التالية، سر كل لقب من تلك الألقاب.
_مجمع أديان
يضم شارع النبي دانيال ثلاثة من أهم الآثار الإسلامية واليهودية والقبطية بالاسكندرية فهو يضم مسجد النبي دانيال والذي بني عام 1790 ميلاديًا، في وقت كانت الإسكندرية فيه تحتوي على حيين فقط هما رأس التين والجمرك. أما باقي الإسكندرية فكانت عبارة عن صحراء من الرمال يتخللها مزارع خضراء كثيفة أو بحيرات شاسعة الاتساع.
يعتبر المسجد من أقدم مساجد مصر، وجدرانه مزينة بالزخارف الإسلامية القديمة، وهو مزار للعديد من السائحين خاصة الآسيويين الذين يحرصون على زيارة الضريح الموجود أسفل المسجد الذي يقال إنه للنبي دانيال.
كذلك يضم الشارع كنيس النبي إلياهو أو "معبد إلياهو هانبي" وهو كنيس يهودي من أقدم وأشهر معابد اليهود في الإسكندرية، بني عام 1354 وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية على مصر عندما أمر نابليون بقصفه لإقامة حاجز رماية للمدفعية بين حصن كوم الدكة والبحر، وأعيد بناؤه مرة أخرى عام 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي باشا.
يحتوي الكنيس علي مكتبة مركزية قيمة تحوي نحو 50 نسخة قديمة من التوراة ومجموعة كتب أخرى يعود تاريخ بعضها إلي القرن الخامس عشر، وتم ترميمة مؤخرا لمدة عامين وافتتح في يناير 2020.
وعلى بعد عدة أمتار من المعبد اليهودي تجد الكاتدرائية المرقسية بنفس الشارع، والتي كانت مقراً لبطريرك الكنيسة لمدة ألف عام ثم انتقل المقر عدة مرات إلى ان أصبح الآن بالعباسية.
_سور أزبكية الإسكندرية
وإذا سرت قليلا تجد باكيات الكتب المستعملة المتراصة بجوار بعضهما، والتي يصل عددها إلى أكثر من 40 باكية، توارث اصحابها مهنة بيع الكتب المستعملة جيلًا بعد جيل، ولعل الحاج "حسين" والذي تجد أسمة مكتوبا أعلى باكيته، هو أقدم من بدأ تلك التجارة بشارع النبي دانيال.
وتتنوع الكتب المتراصه فوق باكيات الباعه، فتجد المعاجم إلى جانب المراجع الأجنبية والروايات وكتب التاريخ والأطفال، وهو ما يشبع عشاق القراءة على اختلاف توجهاتهم وأعمارهم وطبقاتهم.
ويقول أحد الكتاب السكندريين، إن سوق الكتب بشارع النبى دانيال يعد قبلة مثقفي الإسكندرية، حيث يلعب دور سور الأزبكية بالقاهرة، الا أنه يختلف بالطبع سواء من ناحية الحجم أو الخلفية التاريخية موضحا أن سور "النبى دانيال" نشأ حديثا وكان عبارة عن مجموعة من بائعى الكتب الذين زحفوا إلى الشارع لعرض بضاعتهم على الأرصفة، ثم أصبح وجهة كل من يبحث عن كتاب معين، كذلك اشتهر سور "النبي دانيال" بالكتب المدرسية المستعملة.
_ابتلاع السيدات ومقبرة الإسكندر
انتشرت شائعات وقصص عديدة حول ابتلاع شارع النبى دانيال، لإحدى الفتيات الجميلات فى وضح النهار، والتى كانت تسير برفقة خطيبها، وأشاع الأهالي تكرار تلك الواقعة حتى منع البعض بناتهن من السير فى الشارع، وقد أرجع البعض سبب تلك الظاهرة لوجود أشباح تحت الأرض منذ عهد الإسكندر الأكبر، حيث كان هناك معتقل للتعذيب، يقع تحت الشارع وأن هذه الأشباح هي التى تنتقم وتبتلع الفتيات، كما توقع البعض وجود مقبرة الإسكندر الأكبر، في جوف شارع النبي دانيال.
ويقول أحد التجار القدامى بالشارع:" فى بداية التسعينيات، كانت هناك عروس حديثة الزواج، تسير في الشارع مع زوجها، وفجأة حدث هبوط أرضى وقعت داخله، ونظراً لوجود سراديب يونانية قديمة تحت أرض الشارع ترجع الى عهد الإسكندر الأكبر، سقطت الفتاة ودخلت إلى مسارات شبكة الصرف وذهبت مع التيار، وشكلت المحافظة فى ذلك الوقت خطة إنقاذ استمرت 15 يوماً، ولكن الضفادع البشرية لم ينجحوا في العثور عليها.
وأضاف أن الشارع يسبح فوق آثار تعود إلى بداية العصرين الرومانى واليونانى وحتى العصر الإسلامى، وهناك أقاويل تشير إلى أن هناك سرداباً يقع إلى جانب ضريح الشيخ النبى دانيال الموصلى، يأخذك حتى مصر القديمة.
بينما أكد أحد بائعي الكتب بشارع النبي دانيال أنه قرأ فى أحد الكتب تفسيراً لوجود السراديب، وهو أنها كانت مصمّمة خصيصاً لهروب الملك عند حدوث ثورات مفاجئة، مضيفاً أن "المقريزى" ذكر هذه السراديب فى كتاباته ووصفها بأنها “يسير فيها الفارس ممتطيا جواده رافعا سيفه”، مما يعني أن ارتفاعها قد يصل إلى ثلاثة أمتار.