تخوض المدافعات عن حقوق النساء في تركيا معركة جديدة في ظل محاولة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، تمرير مشروع قانون عبر البرلمان للمرة الثانية منذ 4 سنوات، يهدف إلى منح العفو للمغتصبين شريطة الزواج من ضحاياهم، الأمر الذي واجه معارضة شرسة داخل البلاد وخارجها.
ولم يحدد البرلمان التركي موعد مناقشة مشروع القانون الذي يُطلق عليه إعلامياً قانون "الزواج من المغتصب"، والذي يجنب الرجال المتهمين باغتصاب فتيات دون سن الـ18 عاماً العقوبة، في حال تزوجوا من الضحايا.
وكشفت المحامية التركية المعروفة، غامزه باموك آتيشله، وهي عضو في مجلس حزب "الشعب الجمهوري" المعارض للحزب الحاكم، عن أن "حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيناقش هذا القانون في البرلمان خلال الأسابيع المقبلة، بعدما أنهى الشهر الماضي إعداد الملف القضائي الخاص بهذا القانون. ولا نعرف حقيقة كل محتواه بعد".
خرق للدستور
وأضافت آتيشله، أن "مشروع القانون هذا يعتدي بشكل صارخ على قوانين حماية الأطفال المحلية والدولية"، مضيفة أنه "يعد كذلك خرقاً للدستور التركي ويقوض القوانين التي تعترف بها أنقرة".
وحمّلت حزب العدالة والتنمية عواقب تمرير هذا المشروع الذي "ينتهك حقوق الأطفال والفتيات"، على حدّ تعبيرها.
وأضافت: "ليس من السهل أن ينجح الحزب الحاكم في تمريره داخل البرلمان باعتبار أن نتائجه ستكون وخيمة على المجتمع"، مشددة: "كما نجحنا سابقاً في سحب قرار متعلق بالإساءة إلى الأطفال، سننجح في منع هذا القرار مرة أخرى".
إلى ذلك أضافت آتيشله: "القانون التركي يعتبر كل فرد قاصراً حتى بلوغه سن 18 عاماً، وقد وقفنا في حزبنا (الشعب الجمهوري) ضد الإساءة للأطفال بعدما حاول الحزب الحاكم إضفاء الشرعية على إساءتهم من خلال أدوات قانونية، ووقف إلى جانبنا آنذاك نساء ومنظمات غير حكومية ونقابات المحامين، لا سيما أن حزبنا، يعترف بالقوانين ويسعى دائماً للدفاع عن حقوق الإنسان".
"حملات مناصرة"
واستطردت: "نشعر بمسؤولية كبيرة حيال تعامل المجتمع التركي مع الأطفال ونحن في حزب الشعب الجمهوري واضحون جداً في هذا الأمر، ولن نسمح بالإساءة لأطفالنا أو تركهم، ليصبحوا ضحايا لبعض سياسات حزب العدالة والتنمية السيئة"، مشيرة إلى أن "مختلف الأحزاب في تركيا اتخذت موقفاً حاسماً من هذا المشروع باستثناء حزب العدالة والتنمية وحلفائه".
ولفتت إلى أنه "في الأيام الأخيرة من العام الماضي ومع ورود أنباء حول اتفاق بين الحزب الحاكم وحليفه (حزب الحركة القومية) بخصوص العفو عن إساءة معاملة الأطفال، تم تنظيم حملات مناصرة مباشرة لحماية الأطفال بحضور وسائل الإعلام والجمعيات المحلية في أكثر من 50 مدينة من البلاد، كرد فعل جماعي ضد العفو على إساءتهم وفق المادة 103 من قانون الجنايات التركي".
كما نوّهت آتيشله إلى أن "النقطة المشتركة بين كل المشاركين في حملات المناصرة تلك كانت حقوق الطفل رغم اختلاف وجهات النظر السياسية بيننا. لقد قلنا معاً بصوت واحد إننا لن نسامح عن الإساءة للأطفال". وأكدت أن "إحصاءات إساءة معاملة الأطفال ليست كافية نتيجة غياب بيانات تشمل الاعتداءات الجنسية على من هم أقل من سن 15 عاماً".
أكثر من 100 ألف شكوى جنائية
وبحسب المحامية، فإن عدد الشكاوى الجنائية وفق مؤسسة الإحصاءات والسجلات القضائية بلغ نحو 119 ألف و531، منها 56 ألف تم فيها إسقاط الدعوة لعدم وجود حاجة للتحقيق، في حين حُكم على المتهمين في 40 ألفا و941 شكوى.
كما كشفت عن أن "عدد الملفات القضائية التي تم إكمالها والمتعلقة بالاعتداء الجنسي مع قاصر بلغ 1024".
ووفق بيانات الأمم المتحدة التي حذرت أنقرة من مشروع هذا القانون، فإن حوالي 38% من السيدات في تركيا يعانين من "عنف جسدي أو جنسي" من قبل شركائهن.
"إضفاء الشرعية على زواج الأطفال"
يشار إلى أن مشروع القانون الجديد، الذي يتبناه الحزب الحاكم، أثار الكثير من الجدل والغضب في صفوف الجمعيات النسائية والحقوقية، بعد أن قرر مشرعون تقديمه للبرلمان التركي نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي.
ويرى معارضون للقانون أن إقرار مثل هذه التشريعات يضفي الشرعية على زواج الأطفال وحالات الاغتصاب ويساعد على الإساءة للأطفال وتسهيل بعض عمليات الاستغلال الجنسي. كما يؤكدون أن أردوغان يهدف من خلالها على التعامل مع ظاهرة زواج الأطفال المنتشرة في تركيا.
ونجحت أحزاب المعارضة في البلاد وجمعيات حقوقية، عام 2016 من إبطال مشروع قانون مماثل كان من شأنه تشريع العفو عن رجال بالغين اغتصبوا فتيات قصراً أو دخلوا في علاقات معهن برضاهن، إذا ما تم الزواج بين الطرفين.