أكد محمد ربيع الديهى، المتخصص بالشأن التركى، أن قرار البرلمان التركى بالموافقة على إرسال قوات فى ليبيا يشكل انتهاكًا واضحًا وصريحًا لكل القرارات الأممية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 1970، المتعلق بحظر توريد وتصدير الأسلحة لليبيا وأى تعاون عسكرى إلا أن تركيا تنتهك هذا القرار منذ فترة طويلة حيث وردت تركيا أكثر من مرة أسلحة لجماعات إرهابية أو ميليشيات فى الداخل الليبى، بجانب ضبط أكثر من مرة شحنات مصدرة معبأة بالأسلحة إلى ليبيا إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ قرارًا تجاه هذه الأسلحة، مما يثير علامات الاستفهام حول الموقف الأممى من التدخل التركى فى الأزمة الليبية، ولكن فى حالة تصعيد الأمور فى مجلس الأمن حول الأزمة الليبية والدور التركى الداعم للإرهاب فى ليبيا والعديد من دول العالم، من المؤكد سيبدأ مجلس الأمن بإصدار العقوبات الاقتصادية على تركيا وهذه العقوبات ستكون ملزمة لجميع دول العالم لكونها صادرة عن مجلس الأمن وقد يستمر التصعيد الأممى فى حالة عدم تراجع تركيا حتى يصل الأمر إلى تدخل عسكرى فى محاولة أممية لردع الخطر التركى.
وتابع: أن موافقة البرلمان التركى على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لم تكن مستغربة أو مستبعدة فالجميع يعرف ويدرك أن أردوغان يملك الأغلبية داخل البرلمان من خلال تحالف الشعب الذى يقوده حزبه، ولكن المستغرب حتى الآن هو الموقف الدولى الذى بدا عاجزًا للغاية أمام أفعال تركيا، ربما يكون وصف الرئيس الفرنسى إيمانول ماكرون بأن حلف الناتو مصاب بالسكته الدماغية لم يكن وصفًا خاطئًا أو مجرد مزاح، فأفعال تركيا لأنها جعلت الحلف يقف موقف المشلول والعاجز على مواجهة العضو الحلف والذى يقوم بأفعال تهدد أمن وسلامة الدول الأعضاء.
وشدد على ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولى الآن موقفًا جادًا وفعالًا لمواجهة العدوان التركى على السيادة الليبية والقرارات الأممية، فمن المؤكد أن التدخل التركى فى ليبيا سيكون له تبعات كثيرة أهمها أنه ييسر حركة انتقال الإرهاب من تركيا إلى ليبيا، ومن ثم إلى العديد من دول العالم مثل الدول الأوروبية خاصة وأن ليبيا دولة تطل على البحر المتوسط، ليست أوروبا وحدها بل الدول الأفريقية أكبر المتضررين من التواجد التركى فى ليبيا، وخاصة دول الجوار الجغرافى، كما أن التدخل فى الأزمة الليبية يعنى إشعال حرب جديدة فى المنطقة وإطالة أمد الأزمة الليبية بعد إن كان هناك أمل يلوح فى الأفق من خلال مؤتمر برلين الذى ترعاه ألمانيا بهدف التوصل لحل وتسوية سياسية فى الداخل الليبى.
ترقب دولي لـ "مؤتمر برلين"
وحول ردود أفعال دول الاتحاد الأوروبى وخاصةً فرنسا وإيطاليا، أكد الديهى، أن واقع الأمر إيطاليا وفرنسا كان لديهما العديد من الخلاف حول الأوضاع فى الشأن الليبى، إلا أن مؤتمر برلين الذى تعد له ألمانيا دفعهما لتوحيد وجهات النظر بشأن ليبيا من أجل حماية المصالح الأوروبية المشتركة، إلا أن التدخل التركى الآن فى ليبيا ربما سيتبعه ضغوط من فرنسا على الاتحاد الأوروبى؛ لاتخاذ قرار وموقف فعال وقوى تجاه تركيا خاصة فى ظل وجود حرب كلامية بين البلدين والعديد من محطات الصدام بينهما.
وتابع أن الموقف الأمريكى على النقيض ما زال غامضًا، ودائمًا ما تُمارس ضغوط من الكونجرس على ترامب؛ لاتخاذ قرارات مخالفة لتصريحاته فى العديد من الأزمات ولكن ما هو مؤكدا أن الولايات المتحدة ربما تقتحم فى حرب ضد تركيا خاصة وأنها منذ قدوم ترامب للحكم انسحبت فى العديد من الملفات والمناطق، مما جعل الكثيرين يشككون فى قدرة الولايات المتحدة وفاعليتها فى المنطقة، خاصة بعدما تمكنت موسكو من إقناع تركيا بالتراجع عن الغزو فى الشمال السورى والتخلى عن فكرة إنشاء منطقة آمنة بعمق 40 كيلو مترا، ولا شك فى أن أهم تبعات التدخل التركى فى الأزمة الليبية هو أطماع تركيا فى غاز المتوسط، والتى ربما يشعل صراعًا جديدًا تكون شرارة البدء فيه هى ليبيا، ويقحم معه العديد من الدول التى له مصالح فى غاز شرق المتوسط، وربما يصل الصدام مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا خاصة بعد أن رفعت واشنطن حظر التسليح عن قبرص وزيادة تواجدها العسكرى فى اليونان لحماية غاز المتوسط، فليس هناك من شك أن أردوغان بتدخله العسكرى فى ليبيا يوقد نيران الحروب والتى لا يعلم أحد حتى الآن إلى أين سيكون مصيرها أو كيف يمكن أن تنتهى.
وأوضح الديهى، أن قيام أردوغان بزيارة مفاجئة لتونس هى محاولة جادة من النظام التركى لاستقطاب دول جوار جغرافى؛ لدعمه فى التدخل العسكرى فى الأزمة الليبية ولن أستبعد أن أردوغان كان يعلق أملًا كبيرًا على تونس التى أخرجت بيانًا أوضحت فيه أنها لن تدعم أحدًا وتنادى بالحل السياسى، وسعى أردوغان لاستقطاب بعض الدول كتونس والجزائر محاولةً منه تحت غطاء الكذب، بأن الأمن القومى له مهدد نتيجة عدم استقرار الأوضاع فى ليبيا ما يستلزمها التدخل العسكرى لحماية أمنها القومى، ثم تطلب هذه الدول من تركيا التدخل لحماية أمنها القومى لأن المخطط التركى فى هذا الشأن قوبل بالرفض من دول الجوار لليبيا.
وأكد أن أردوغان يجيد اللعب بأوراق ضغط كبيرة بهدف الضغط على الدول، من ضمن هذه الأوراق هى ورقة اللاجئين وعودة الدواعش إلى أوروبا الذى تمكن من خلالها الضغط على الاتحاد الأوروبى لإرسال معونات ومساعدات إلى أنقرة فضل عن استخدمها فى الضغط على بعض الدول لتغير بعض مواقفها تجاه بعض الأزمات فى المنطقة، ومن المؤكد الآن أن أردوغان سيقوم بالضغط على أوروبا فى تدخله بالأزمة الليبية من خلال ورقة الهجرة غير الشرعية وسهولة وصول الإرهاب إلى أوروبا.