انقلب السحر على الساحر، مصطلح يمكن إطلاقه على النظام الإيرانى الذى يخلق الكثير من المشاكل فى منطقة الشرق الأوسط، ليفاجأ باحتجاجات عارمة تضرب بلاده بسبب قرار رفع أسعار المحروقات، لكن التظاهرات انقلبت لأعمال عنف، كانت أسبابها تعنت النظام الإيرانى بداية من المرشد الأعلى إلى الحكومة، وخرجت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم المظاهرات وتحمل الحكومة الإيرانية أعمال العنف بسبب استخدام القوة الأمنية فى التصدى للمظاهرات، ومن هنا اتهم الرئيس الإيرانى روحانى الولايات المتحدة فى دعم الانفلات الذى حدث فى البلاد على حد قوله، ووجه روحانى العديد من الاتهامات لواشنطن تدينها بتمويل المتظاهرين، لخلق حالة من الفوضى بالبلاد.
في هذا الصدد قال حسن مرهج خبير فى شئون الشرق الأوسط، إن ما شهدناه مما يُسمى الربيع العربى، يجب أن نقف طويلًا عند مصطلح المظاهرات، وتحديدًا فى البلدان المناهضة للسياسة الأمريكية فى المنطقة، وبالتالى فإن التظاهرات فى إيران لا يمكن أن تنفصل عما يجرى فى البلدان الإقليمية، كالعراق ولبنان، وما حصل فى سوريا، وهنا لا ننفى إطلاقاً أحقية بعض المطالب وشرعيتها، لكن هذه المظاهرات سلاح ذو حدين، فمن جهة تُعتبر عامل ضغط على الحكومة الإيرانية، مع الكم الهائل للعقوبات الأمريكية عليها، ومن جهة أخرى، يُراد لهذه المظاهرات خارجياً أن يتم استثمارها لجهة تغيير النظام الإيرانى واستبداله بنظام يتماهى مع السياسة الأمريكية فى المنطقة.
وعن مظاهرات إيران إذا كانت شعبية أم من الممكن أن تكون لعبة أمريكية من أجل الضغط على إيران من الداخل لتخفيف تدخلاتها الخارجية فى المنطقة العربية، أوضح أن أى تظاهرات فى البلدان المناهضة للسياسات الأمريكية لا يمكن لنا إغفال العامل الأمريكى فى أى حركة احتجاجية، ولعل الإجراءات الإيرانية الأخيرة لجهة رفع سعر المحروقات، لا يُمكن أن يكون مُبرراً لهذه التظاهرات، وبالتالى من الواضح أن هناك تحضيرات أمريكية فى انتظار اللحظة أو الظرف السياسى لإطلاقها، ومن ثم استثمارها، والمؤكد أن هذه الخطة الأمريكية تندرج حُكماً فى الرغبات الأمريكية لجهة فرض عوامل داخلية على الحكومة الإيرانية، بالتزامن مع فرض عقوبات على إيران، والمسرح السياسى الإقليمى والدولى يسعى بشتى الوسائل لتحجيم دور إيران فى المنطقة، ففى وقت سابق تم تهيئة هذا المسرح من أجل الضغط على الحكومة الإيرانية، ويتضح لنا أن سلاح العقوبات والضغط الاقتصادى له دور سلبى جداً لجهة التأثير على الشعوب، لكن الشعب الإيرانى اعتقد أنه يعى هذه الخطة الأمريكية، من هنا لاحظنا أن الحركة الاحتجاجية فى إيران رافقها ضخ إعلامى خليجى وغربى، بغية تشويه الحقائق، صحيح أن أعدادًا كبيرة خرجت إلى الشوارع، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الاحتجاجات قد خفت وتيرتها، وبالتزامن مع هذا الشىء ظهرت عناصر مسلحة فى الشارع الإيرانى وبدأت بإطلاق النار على المتظاهرين، وقد تم توثيق هذا الأمر، فى سيناريو مشابه لبداية الأحداث السورية، وبالتالى يعتقد أن هذه التظاهرات هى لعبة أمريكية لن تستمر نظراً لوعى الشعب الإيرانى وتجاوب الحكومة الإيرانية مع المطالب المُحقة والمشروعة.
أما عن الدور الروسى فى دعم النظام الإيرانى ضد الاحتجاجات، أكد أن العلاقة الروسية الإيرانية تحمل أبعادًا استراتيجية، فى هذا الإطار، كما أنه ليس من مصلحة روسيا تغيير النظام الإيرانى فى هذا التوقيت المهم إقليميًا ودوليًا، وروسيا أيضاً تُدرك بأن هذه التظاهرات قد تكون مُفتعلة أمريكياً، ولا يُمكن بأى حال من الأحوال أن تتخلى روسيا عن إيران فى هذه اللحظة، بدليل ما صرحت به وزارة الخارجية الروسية، باستمرار تقديم الدعم لإيران واستمرار العمل فى محطة بوشهر النووية، هذه التصريحات تؤكد لنا أن روسيا تقف إلى جانب إيران؛ لأن الاستراتيجية الروسية غير مستعدة فى هذا التوقيت أن تخسر حليفاً قوياً فى الشرق الأوسط.
فيما أضاف أن رفع سعر البنزين يوضح تأثير العقوبات الاقتصادية على إيران، خاصة تمسك طهران برفع أسعار المحروقات، بالرغم أن أسعار البنزين فى إيران تعتبر مُنخفضة جداً مقارنة بباقى البلدان الإقليمية، كما أن رفع أسعار المحروقات الأخير قد استثنى شرائح كبيرة وواسعة من الشعب الإيرانى، وحتى التأكيدات من الحكومة جاءت فى سياق استمرار الدعم لكل الشعب الإيراني، وحتى توضيحات الحكومة الإيرانية جاءت فى إطار تحقيق الموازنة العامة لجهة رفع أسعار المحروقات ومن ثم توجيه هذا الفائض للفئات الفقيرة، مؤكداً أن العقوبات الاقتصادية عامل مؤثر، لكن هناك اكتفاءً ذاتيًا لغالبية السلع فى إيران، وهناك أيضاً دعم حكومى كبير لغالبية فئات الشعب الإيرانى، وعليه فإن العقوبات ضد طهران تحاول إشعال الأزمة بين الشعب الإيرانى على حكومته، لكن فى المقابل هناك إجراءات حكومية تُخفف من وطأة هذه العقوبات بالمجالات كافة.
واستطرد أن خصوصية إيران تفرض علينا مقاربة الاحتجاجات الأخيرة من منظور جيواستراتيجى، فلا يمكن القول إن هناك ربيعا آخر فى إيران؛ لأن الدور الإيرانى فى المنطقة بات قوياً ومؤثراً على الصعيد الإقليمى، والشعب الإيرانى بمُجمله مؤيد لحكومته ومؤيد لحركات المقاومة، وضد سياسة واشنطن فى المنطقة، وبالتالى يدرك الشعب الإيرانى بالخطط الأمريكية التى تُحاك لإيران وعموم دول محور المقاومة، وكافة التقارير تؤكد بأن الشعب الإيرانى مُتكاتف مع حكومته وتوجيهات المرشد الأعلى، هذه الخصوصية فى إيران تفرض نمطاً خاصاً من التعاطى مع أى حركات احتجاجية وكيفية استثمارها.