ملحمة أكتوبر 73، والنصر الذي سجله الجيش المصري وسحق عدوا ملطخا بالدماء، عدو غاشم ظن أنه يستطيع التحكم بأرض الكنانة، لكن "هيهات" حيث لقنه الشعب المصري درسا قاسيا يصعب عليه نسيانه، تلك الملحمة العربية ستظل مثالا حياً على قوة جيشنا الحبيب، ويوضح وحدة العرب وأشقاء مصر في الخليج العربي وباقي الأقطار ضد العدو الصهيوني.
وتحل اليوم الأحد، الذكرى الـ46 لملحمة 6 أكتوبر التي وثقت بطولة قادة الخليج، ومن بينهم:
مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
ضرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي حكم دولته منذ 1971وحتى 2004، أنبل الأمثلة للبطولة التي لعبتها دولة الإمارات العربية المتحدة في حرب أكتوبر المجيدة.
وتجلت مواقفه على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والدبلوماسي والإعلامي أيضا.
السلاح الاقتصادي
بدأ الدعم الاقتصادي لمصر من قبل مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عقب نكسة 5 يونيو 1967، والعدوان الذي شنته إسرائيل على دول مصر وسوريا والأردن وانتهت باحتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان.
وضع الشيخ زايد إمكانات دولته الاقتصادية في خدمة مصر والقوات المسلحة، ويكفي أنه أول حاكم عربي يعلن تبرع بلاده بمبلغ 100 مليون جنيه استرليني لصالح المعارك في الأراضي العربية المحتلة.
وفي ثالث أيام الحرب الدائرة على أرض سيناء والجبهات العربية، أعلن الشيخ زايد عن دعمه حرب العرب حتى آخر فلس في خزينة الإمارات.
كما استدان مؤسس الإمارات العربية المتحدة من البنك الدولي باقتراض مليار دولار، وتحويلها للاتحاد السوفيتى حينئذ تحت حساب الأسلحة التي تحتاجها مصر وسوريا للحرب الدائرة في سيناء والجبهات العربية.
وداخليا، أجبر مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، موظفي دولته على التبرع براتب شهر كامل لصالح دعم الجيش المصري.
وبالإضافة إلى ذلك، طلب الشيخ زايد من سفير الإمارات في العاصمة البريطانية لندن، بحجز جميع غرف العمليات الحرجة المتنقلة وشراء كل المعروض منها في دول أوروبا وإرسالها مع مواد طبية وعدد من عربات الإسعاف؛ ليعالج فيها الجنود المصريون والسوريون والفلسطينيون وإعانات تموينية بصورة عاجلة مع بدء الحرب، دون مقابل.
سلاح النفط
أصدر الشيخ زايد، أوامره إلى وزير النفط الإماراتي في 1973 الدكتور مانع العتيبة، بعقد مؤتمر صحفي عاجل، للإعلان عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة قررت قطع إمدادات النفط بالكامل عن الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع الدول الداعمة لإسرائيل سواء سياسيا أو عسكريا.
وكان موقف الشيخ زايد حينها هو أول موقف حاسم لقائد عربي بقطع إمدادات النفط عن الغرب، دعما لمصر بعد القرارات التي خرج بها اجتماع الكويت والذي دعت إليه المملكة العربية السعودية لبحث موقف الدول المصدرة للنفط في الحرب وكان الإجماع بخفض إنتاج النفط 5% معلنا قوله المأثور "النفط ليس أغلى من الدم العربي".
وفور إعلان الشيخ زايد، توالت قرارات قادة الدول العربية باتخاذ نفس النهج وهو ما سجله الرئيس الجزائري هواري بومدين في مؤتمر قمة دول الأوبك بالجزائر عام 1975، وفي كلمته الافتتاحية أشاد بموقف مؤسس دولة الإمارات البطولي.
كما أسهم الشيخ زايد بدور فاعل لدولة الإمارات في توقيع اتفاقية جنيف المعدلة بين الدول المنتجة للنفط لتقليل الإنتاج بنسبة ١٥٪ من خلال اجتماع الأوبك.
سلاح السياسة
قال الشيخ زايد، إن "المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة".
وانطلاقا من ذلك، دعم مؤسس الإمارات مصر، في حرب 1973 على المحفل الدولي وسعى وتمكن من حشد التأييد لها من خلال المؤتمر الذي عقده في العاصمة البريطانية لندن، وهو ما وكان له صدى دوليا انعكس من خلال مطالبة شعوب العالم بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لسيناء والأراضي العربية المحتلة.
وصدحت كلمات الشيخ زايد لتجد أصدائها ردا فاعلا على المحفل الدولي حين قال: "سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك، ما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء في بحر مما قامت به مصر نحو العرب، ونهضة مصر نهضة للعرب كلهم".
سلاح الإعلام
أمر الشيخ زايد بتقديم جميع أنواع التسهيلات لرجال الإعلام، الذين يريدون السفر إلى الجبهة المصرية والسورية.
الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
خاض الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، الذي حكم في الفترة من ١٩٦٤-١٩٧٥، حرب أكتوبر قائدا وبطلا أجاد استخدام أسلحته العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية من أجل نصر العرب وإعلاء كلمتهم.
السلاح السياسي
بدأ دعم المملكة العربية السعودية لمصر من أجل النصر في المعركة المصيرية التي تستهدف مصر فيها استرداد الأرض ورد كرامتها وكرامة العرب عقب العدوان الإسرائيلي الغاشم في 5 يونيو 1967.
فور العدوان، طالب العاهل السعودي الملك فيصل قادة دول الخليج والأقطار العربية الأخرى بتقديم جميع أنواع الدعم للدول المعتدى عليها.
كما طالب الملك فيصل بتخصيص مبالغ كبيرة؛ لتمكين تلك الدول من الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي.
ولم ينس المصريون كلمات الملك فيصل للرئيس جمال عبدالناصر إبان العدوان الإسرائيلي على أرض سيناء الطاهرة حين قال "يا جمال مصر لا تطلب وإنما تأمر".
السلاح الاقتصادي
انطلقت كلمات الملك فيصل من العاصمة السودانية الخرطوم، حيث قالها في مؤتمر عقد لبحث تداعيات العدوان الإسرائيلي على مصر والدول العربية الأخرى، إلى قلب الواقع؛ حين طلب مقابلة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون؛ لبحث موقف بلاده من إسرائيل، وكانت واشنطن حينها قد أعلنت عن مساعدات عسكرية تؤمن للعدو الصهيوني الدعم على الأراضي التي اغتصبها في سيناء والقدس والأردن وسوريا.
وفي 17 أكتوبر 1973 بعد الانتصار العسكري الذي حققته القوات المصرية على الجبهة في سيناء والقوات العربية بالأراضي المحتلة الأخرى، قرر العاهل السعودي الملك فيصل استخدام سلاح بديل عن البارود فدعا لاجتماع عاجل لوزراء النفط العرب في الكويت، وأسفر عن قرار عربي موحد بخفض الإنتاج الكلي العربي للنفط 5%، وخفض 5% من الإنتاج كل شهر؛ حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل يونيو 1967.
وأعلنت المملكة وقف بيع البترول للغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
كما أعلن الملك فيصل عن تبرعه بمبلغ 200 مليون دولار للجيش المصري، ولم يكن ذلك فحسب هو ما قدمته المملكة ورجالها الأبطال، فقد دشن العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إبان حرب أكتوبر المجيدة لجنة لجمع التبرعات لصالح الجيش المصري دعما للمعارك و المجهود الحربي في مصر.
السلاح الدبلوماسي
سارعت الولايات المتحدة عقب أمر الملك فيصل بإرسال وزير خارجيتها هنري كيسنجر في زيارة عاجلة إلى الرياض في 8 نوفمبر 1973، في محاولة لإثناء السعودية عن موقفها الداعم لمصر وسوريا.
لم تجد مراوغات كسينجر مسلكا بين يدي الملك فيصل، الذي أعلن بقوة عن أن "استئناف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية مرهون بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة".
السلاح العسكري
أمر الملك فيصل بمشاركة القوات السعودية في الحرب ضد إسرائيل على الجبهة في سوريا، في الجولان وتل مرعي.
وخاض الجيش السعودي معارك طاحنة في مواجهة جيش العدو الصهيوني.
كما أمر العاهل السعودي بإنشاء جسر لسلاح الجو الملكي لإرسال الجنود السعوديين إلى الجبهة في سوريا، كما أمر أيضا بإرسال قوات من لواء الملك عبد العزيز، وفوج مدفعية وفوج مظلات وسرية بندقية وسرية إشارة وسرية هاون، وفصيلة صيانة مدرعات، وسرية صيانة للجبهة السورية.
وأثناء اندلاع الحرب، أمر الملك فيصل أمراء ووزراء سعوديين للتوجه بزيارات لتفقد القوات المصرية على جبهة القتال وتقديم الدعم والمساندة للقادة والشعب المصري.